النّصفُ الآخر للرّجل هل حقّاً هي المرأة

نارين عمر

كما أنّ المصادر المكتوبةخطّياًعن تاريخ المرأة الكردية قديماً قليلة جدّاًومن الصّعبِ العثور علها فإنّ المصادر تكون أكثر ندرةً إذا كان الأمر متعلّقاً بأدب وثقافةِ المرأة قديماً ولكن ما يشفي الغليل في هذا المضمار هو وفرةُ الرّوايات الشّفوية التي تتحدّثُ عن تاريخهاوأدبها في العصور الماضية .ولعلّنا نلمسُ ذلك بوضوح فيما وصلنا من حكاياتٍ وقصص شعرية ونثرية وأغان وأهازيجَ وأمثالٍ مؤثرة,وهي توردُ بعض ما اندفق من نبع حسّها وشعورها,وما انطلق من حنجرتها الجريئة تعبّرُ عمّا يجولُ في أعماقها من خلجاتٍ دافقة

فهي العاشقةُ والمعشوقة تعلنُ عشقها على الملأ وبجرأةٍ ممزوجةٍ بالكبرياء والتّحدّي وهي الأمّ الثّكلى والزّوجة المفجوعة بزوجها وهي الزّوجة المطيعة والأختُ المضحّية.

وهي إلى جانب كلّ هذا الصّلبةُ,الصّامدة,الحكيمة,القائدة أحياناً.

وبغضّ النّظر أنّ المرأةالكردية هي التي كتبتها ونظمتها,أمْ لم تنظّمها فإنّه بمجرّد اقتران هذه الأعمال باسمها يمنحها إجلالاً وإكباراً لا مثيل لهما في تاريخ المرأة ككلّ.ممّا يؤكّد على ولوجها محراب الأدب والفنّ بدرايةٍ وعلم منها أم من دونهما بالفطرة والسّليقة,ومجاراتها لبعض كتّاب وأدباء عصرها في الموهبة والمقدرة.

ويفسحُ المجالَ أمامنا لنتساءل عن الواقع الأدبيّ الفنّي للمرأة الكردية في عصرنا الحالي,وقد وصلت التّكنولوجيا إلى ذروة عطائها وإبداعها اللامتناهي.

لندع الماضي الذي ولّى وحمل للمرأة من الغبن ما شلّ من حركة دماغهاوفكرها ونشّط من حركة عضلاتها وقوتها الجسدية لتعمل مع الرّجل وأحياناًمن دونه في الأرض والحقل والحظيرة إلى جانب تربيةِ الأطفال والاهتمام بالبيت.

وعلى الرّغم  من علم الجميع بمثل هذه لأمور والمسائل فإنهم مازالوا يطرحون الأسئلة نفسها ويكررونها ويبدون الاستفسارات ذاتها.
لماذا لم تطوّر المرأة ذاتها ؟ لماذا لم تتقدم في مجال الكتابة ؟لما ذا لم تترك بصماتٍ على جدار التاريخ ؟ وهنا احيّي السّيدة ( فينوس فائق ) على مقالتها ( الأدب النّسوي مصطلح لتهميش إبداع المرأة ) لقدرتها الفائقة على التّعبير عن هموم المرأة,وتعطي أجوبة على مثل تلك الأسئلة والاستفسارات قائلةً: فالتّاريخ للأسف مذكّر والقلم مذكّر غير أنّ الكلمة مؤنّث لكن من سيحمل القلم ويسجّل التّاريخ في منطقتنا الموبوءة بالحروب.مؤكّد انّه الرّجل ومن المؤكّد أنّه لن يرحم المرأة إنْ لم ترحم المرأة نفسها منذ البداية تحترم أدبها وتدمّر تلك الخانة التي ابتكرها الرّجل ليهمّش ويتجاهل فيها أدب ونتاج المرأة الثّقافي).
مرّةً أخرى أقول:لندع الماضي بكلّ تجلّياته وأخطائه وشجونه,ولنعشْ حاضرنا ونتأهّب للمستقبل القادم ونحن نعيشُ بدايات القرن الواحد والعشرين.
فحينما نطالعُ صفحات المجلات والجرائد ودور النّشرالمختلفة المقروءة منها والمسموعة ونبحثُ في مواقع الانترنيت وخصوصاً تلك المهتمّة بالثّقافة والشّؤون الكردية نجدُ بين طيّاتها أكثر من قلم سلس مبدع يتراقصُ ابتهاجاً كونه يتمايلُ طرباً بين أناملِ أنثى مبدعة,جريئة,متفتّحة على معالم الكون,وغائصة في مجاهله بحثاً عن الحقيقة.تعبّرُ عن الواقع المعاش وإرهاصاته,وتجعلُ من الماضي الغابر بكلّ إسقاطاته دروساً تدفعها نحو التّقدّم,والاهتداء إلى الطّريق القويم.والمثلُ الكردي يقول:(إذا لم تحكّ رأسكَ بيديك فلا أحد يستطيع أنْ يحكّه لك).وأعتقدُأنّها أصبحت مدركةًْ تماماً لهذه المقولة وصارتْ على درجة كافية من الوعي والإدراك بواقعها بحيثُ تستطيعُ التّوقّفَ عليه وتحليله ونقلِ كلّ جزئياته وتفاصيله وعمومياته أيضاً بصدق وأمانة.

لا بدّ في هذا السّياق أنْ أضمّ صوتي إلى صوتِ كلّ من يرفض ادّعاءات البعض بوجود أدبٍ نسويّ وآخرَ رجالي أو رجولي.لأنّ الأدبَ جهدُ فكريّ وعقليّ ومعلومٌ أنّ المدارك العقلية والفكرية عند البشر جميعاً متشابهة وإنْ تفاوتتْ في النِّسَبِ.أي أنّ الأدب لا يتطلّبُ جهداً عضليّاً حتّى نتّخذه ذريعة,ونقرّ بهذا التّمييز أو التّمايز.

وهنا أعودُ مرّةً أخرى إلى ما قالته السّيدة(فينوس فائق):(وللأسف الشّديد أقول: إنّ مبتدع فكرة أو مصطلح الأدب النّسوي لم تكن المرأة وإنّما الرّجال الذين لا يؤمنون أصلاً بإبداع المرأة أو يتخوّفون منه).وأضيفُ بأنّ عصر العضلات قد لملمَ أشلاءه.وارتحلَ.فالمرأة الكردية قامتْ بما فيه الكفاية بأعمالٍ شاقّة خلال عقودٍ عدّة مضتْ.كانت تتطلّبُ عضلات وفتوّة الرّجال ولكنّ هؤلاءكانوا يقرّون للمرأة بمساواتها لهم ومعهم في العملِ الشّاق خارج البيت كونها نصفه الآخر وما أنْ يعودوا إلى البيت يتناسون ذلك.

ولأنّ الشّيء بالشّيء يذكر كما يقال.ألايحقّ لنا أن نتساءل:هل حقّاً أنّ الرّجل يعتبرُ المرأة نصفه الآخر؟طبعاً لا أقصدُ رجل القرون الماضية لأنّ الأجوبة الجاهزة الطّهي ستتساقطُ علينا تساقطَ الثّلوج مع الرّياح العاتية.إنّما سؤالي موجّه إلى الرّجل المعاصرأو العصري.
أعتقدُ أنّه لايختلفُ عن سلفه كثيراً على الأقلّ في الظّاهرفما زال يعتبرها قاصراً وضعيفة وغير قادرة على تسيير أمورها وشؤونها الحياتية بنفسها.ليجدَ نفسه المدافع الأوّل والحقيقيّ عنها فهي جزءٌ من ممتلكاته أو محرّماته التي لا يجوزُ المسّ بها أو المساومةَ عليها.فالمرأةُلا تستطيعُ صون شرفها وكرامتها بدونه انطلاقاً من مقولة: إنّ النّساء ناقصات العقل والدّين.

طبعاً الرّجل الكاتب والأديب لا تختلفُ نظرته كثيراً عن الرّجل العادي فما زال البعضُ منهم يتقبّلُ مشاركتها له في مجال الأدب والثّقافة على مضض وإنّ ما تكتبهُ لمْ يرقَ بعدُ إلى المستوى الذي توصّل إليه هو من حيث ُالقدرة التّعبيرية والتّصويرية كونها ترى الواقع بقلبها لا بعقلها وكأنّ الكتابةالسّليمة والجادة لا تستقيمُ إلا بقوّة العضلات المفتولة والجبروت لذلك تعجزُ عن امتلاك زمام الكتابة والتّحكّم بها.

أرى أنّ النّصفَ الآخر للرّجلِ هو الرّجل نفسه الذي يعيشُ في ذاته ووجدانه وإنْ بجوهرٍ مختلفٍ عن الظّاهر الذي يعلنه.فهو يدركُ أنّ المرأة هي نصفه الحقيقيّ ولكنّه ما زال يعيشُ تحت وطأة الآخر القابع في ذاته والذي يدفعه خطواتٍ إلى الوراء كلّما حاولَ التّقدّمَ خطوةً نحو الأمام.

لا بدّ للرّجل الكاتب أنْ يدرك أنّ المرأة الكاتبة عنما تكتبُ في أيّ مجالٍ تكتشفُ فيه قدراتهاالإبداعية ,وحين تشاركه في النّدوات الثّقافية لا تمثّلُ بالضّرورة مجموع النّساء ولا تمثّلُ ما يسمّى الأدب النّسوي بل تمثّلُ ذاتها باعتبارها كائنٌ,عاقلٌ,مدركٌ.تشعرُبامتلاكها لومضاتٍ إبداعية قادرة وبالممارسة والاكتسابِ على تحويلهاإلى مشاعلَ مضيئة دائمةَ الاتّقاد.

لا بدّ أنْ يدعَ المرأة الكاتبة وشأنها,ويتعاملَ معها كما يتعاملُ مع أيّ كاتبٍ ذكر.أنْ يمنحها فرصةً تمارسُ فيه حياتها الأدبية والثّقافية كما ترغبُ وتشاء هي.فإنْ فشلتْ فلكم يا معشر الرّجالِ الغَلَبَة,وإنْ غَلَبَتْ فلكم الغَلَبةُ أيضاً كونكم/نصفها الأوّل/.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…