الوجه الآخر للاعتقال السياسي….!

ابراهيم اليوسف


اتّصل بي أحد الأصدقاء قائلا: هل التوقيع التضامني مع ميشيل كيلو ضمن بيان المثقفين الكرد ، هو توقيعك الشخصيّ؟
قلت له : نعم…..!
قال: هل تعجبك آراء الرّجل؟
قلت له : ثمةالكثير من آرائه لا تعجبني ، بل أختلف معها ، ومعه ، إلى درجة التّضاد ، بل وأكثر……!
ولاسيّما في مايتعلّق بالموقف من الكرد ، وكردستان، و
إنّه ينطلق- باختصار في كثير من مواقفه السابقة- من موقف عروبوي، ضّيق….
قال : إذاً ما الذي يعجبك من كتاباته؟
قلت : القضية، هنا ، ليست قضية اعجاب به ، وبآرائه ، بل قضية ضرورة الدفاع عن الآخر في حرية رأيه
أياً كان ، كي تأتي الحياة وتفرز الخطأمن الصواب ،مع أن الرجل عندما يفضح آلة الفساد ،.مثلاً ،وسوى ذلك من المواقف الجريئة ، على الصعيد الداخلي، يحوزعلى الاحترام……
قال: لو كنت في مكانك لما تضامنت معه…
قلت له: هذا رأيك ، وأحترمه ،شخصيا ً ، لم ألتق بالرجل ، بل سأحاول أن أضيف على جملة معلوماتك ، أنه كتب عن الكرد قبل سنتين ،مقالاً مليئا ً بالتحامل ، وعندما رددت عليه، مواجها ً إياه ببعض الحقائق، من وجهة نظري ، شتمني بطريقة غير مقبولة ، ودون أيّ اعتذار من قبله ، في ما بعد ، بل أنّ من ضمن ما قاله لي آنذاك: “سأشحطك يا إبراهيم اليوسف إلى السجن” تصوّر لغة هذه العبارة ، وماوراءها ..!…..إلخ
كل هذا ، أزيحه بعيدا ً عن بالي- أيّها الصديق!- وأنا أتناول موضوع اعتقال الرجل ،بطريقة غير قانونية، وغير شرعية ، وغير لائقة بكاتب ، وإنسان ، من خلال استدعائه إلى إحدى الجهات الأمنية ، ومن ثم إبقائه لدى هذه الجهة أياماً ، أو ساعات، وأناهنا، أدافع عن” قضية الحريّات” في بلادنا، إذ يجب على كلّ مواطن، شريف ،أن يدافع عن حقّ سواه في إبداء وجهة نظره، دون أن تصادر أو يدفع ثمنها، من حريته، أو حياته……!
حقيقةً، بدأنانشهد – للأسف – في الأيام الأخيرة، محاولة بائسة ، للضغط على كثيرين من أصحاب الرأي في سوريا، فها هي دفعة جديدة من المعتقلين، لمّا يزالوا وراء القضبان ومنهم : على عبد الله – رياض دراره- الشّهم: محمد غانم – فاتح جاموس- والصديق الجميل خليل حسين….

الخ بالإضافة إلى رفيقين عزيزين لي هما: حبيب الضعني-هاني خيزران اللذان تم توقيفهما لمجرّد توزيعهما بياناً- في دمشق- حول سوءات الفساد والغلاء، بمناسبة يوم عيد العمال العالمي ، وما يزالان معتقلين منذئذ ، رغم مرور أكثر من اسبوعين،على الاعتقال، للأسف، ولم تنته سلسلة الاعتقالات عند هذا الحدّ المؤلم ، بل ها هو الصديق الكاتب الوطني نضال درويش المعروف بالاتّزان ، والدقّة في المواقف ، يتمّ استدعاؤه إلى إحدى الجهات الأمنية، ومن ثم يتمّ توقيفه ، وينقل إلى دمشق كمجرد طرد بريدي أو حاشى……..لاأريد أن أقول ما لايليق بمقام الرّجل…….!
عموماً، إنّ كل واحد ممن ذكرت أسماءهم ، وممن لم أتمكّن من ذكر أسمائهم، ماداموا أخوة لي في الإنسانية ، أو الوطن، جديرون بأن تتمّ الكتابة عنهم، خاصةً وإن طريقة الاعتقال غير القانونية ، تدعو كلّ صاحب كل ضمير حي ، و قلم حرّ ، وشريف، كي يتنطع للتضامن معهم ، وذلك من أجل –سوريا- دون اعتقالات تعسفية ، ومن أجل إطلاق عنان الحوار الديمقراطي المنشود ، الذي يحاول كثيرون من حماة الفساد كبحه ، تحت مسميات كثيرة ، وبعد أن يتمّ تخوين كل مختلف معهم، من هؤلاء ، لاسيّما وأن كل النماذج المعتقلة، وكلّ أصحاب الرأي ممّن يفكّرون بصوت عال إنما يريدون الخير لإنسانهم وبلدهم ، وهم لا يشكلون الخطر الحقيقي!….
يقينتاً ، إذا كانت بعض الجهات الأمنية تعتقد بأنها بمثل هذه الاستدعاءات، والاعتقالات، قادرة على لجم أصحاب الرأي وغضّ أنظارهم عما يجري من حولهم، فهم بكل تأكيد مخطئين ، ولم يستفيدوا بعد من جملة التغييرات التي تتم ّمن حولهم ، في هذه القرية الأصغر من رقعة كيبورد على حاسوب…….!
إن أيّ اعتقال جديد ، ليصبّ- مباشرة – في الاتجاه المعاكس ، فهو ليزيد الاحتقان في النفوس، وهو لا يمكن أن يكون إلا استمراراً في آلة الخطأ، بدلاً عن محاولة وضع حدّ لجملة الأخطاء والانتهاكات المشينة التي تتم ّ، وفي مطلعها أنّ حجز حرية صاحب رأي ، بل أيّ انسان ، دون وجه حقّ، أو قانون، ليعتبر جريمةًً كبرى.
أجل، إن اللجوء إلى محاولة كمّ الأفواه ، بدلا ً عن الحوار ، وبثّ الهلع والفزع في النفوس، وتخوين الآخر ، بدلا ً عن الاستماع إليه ، وملامسة أسئلته، لاسيّما إذا كانت تتقاطع ، بل وتتصادى، مع محيط اجتماعي ، جماهيري ،واسع ، ومهمّش ، لا حول له، ولا قوة،هي محاولة، أثبتت فشلها ، ولمّا يزل بعض الفهلويين يراها ” الوصفة الأنجع” للراحة ، دون أن يعلموا أنهم بذلك يصبّون ” الزيت على النار”ويضرمون نفوس من حولهم غلاً وغيظاً ، لأنّ الغاية المرجوة من الاعتقالات والتي كانت- حلاً سحرياًّ من قبل- لم تعد كما كانت ، وإن الاعتقال بهذا الشكل المريب، ليفكّك الوحدة الوطنية ،آصرة تلو أخرى ، ويفرز أناسا ً يفوزون في كلّ مرة بمحبّة غيرهم ، على عكس ما تسعى إليه آلة من يقوم بالاعتقال، وكلّ هذا وسواه يحيلاننا – بالتأكيد- إلى ضرورة إعادة النظر في هذه الممارسة االلاقانونية ،واللاأخلاقية ، من أجل صون كرامة خيرة أبناء سوريا ،ممّن لاتطفىء الزنزانة جذوة رؤاهم ،وإيمانهم الراسخ رسوخ الجبال بمستقبل أفضل،وبطرق سلمية حضارية ، بل يكتسبون خلالها احترام محيطهم ، الذي يتسع مرة تلو أخرى ، وفي هذا- تحديداً – رسالة مهمة ، حبّذا لويتم فهمها كما هي، بعيدأ عن روح السادية المنبوذة إزاء كلّ من تغيبه عتمةالزنزانة القذرة ، أو المنفردة المشينة،في هذا البلدالأحوج إلى اللحمة والحبّ والهواء…..!
من هنا تماما، فإن مقولة فولتير التي تعلمتها- أقصد عمليّاً – ضمن صفوف الحزب الشيوعي الذي بقيت فيه أكثر من عقدين، قبل أن أفكّر بطلاق العمل التنظيمي والسياسي، والتفرّغ باستقلالية، للإبداع الأدبيّ ، كما أزعم، وهاهي السياسة تجرّني- هنا- رغما ً عن أنفي، للكتابة في شؤونها، إزاء قضية لن و لم أطق السكوت عنها هنا، لقد كانت مقولة فولتير الخالدة : قد أختلف معك في الرأي ، لكنّي على استعداد أن أضحّي بحياتي ، دفاعاً عن حرية رأيك ، ستظلّ ، وفق تصوري الشخصيّ، سرمديةً، لا تخضع- البتّة-للزوال، وهي – تحديداً – لتجعلني أحزن على أية” ثانية””وليس دقيقة فقط ” يقضيها الكاتب ميشيل كيلو، وراء قضبان السجن الرهيب ، وكأنّه جزء من قلبي،مادام هكذا معتقلاً، تماماً ، كأيّ من فلذات كبدي، أو أصدقائي ،أ ورفاقي المعتقلين، أفرج الله عنهم- جميعاً- وهم أنفسهم ، من ستجمعنا بلاشكّ دروب الحياة لامحالة، كي نتحاور ، ونختلف، لكن ، شريطة أن يحترم كلّ منّا رأي سواه…..!

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…