بيان في الذكرى التأسيسية الأولى للتيار المستقبل الكردي في سوريا

تمر في التاسع والعشرون من هذا الشهر الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة وتأسيس تيار المستقبل الكوردي في سوريا كمشروع نهضوي , ثقافي وسياسي , يستنهض الطاقات الشبابية الكوردية ويعيد تأطيرها وتفعيل دورها المجتمعي ,
بعد أن بعثر الوعي الحزبي شرائح المجتمع الكوردي وابعد الكثير من تلك الطاقات عن المساهمة في الدفاع عن وجودها القومي والإنساني على حد سواء , وذلك عبر العمل على تأسيس فكر الاختلاف وثقافة قبول المختلف والتعايش معه , وهو الفكر والثقافة التي ترفض الواحدية وتجسد التعدد بكل تنوعاته , في قطع معرفي , ثقافي وسياسي , مع التقاليد القروية التي زرعها القمع السلطوي وشكلت بيئة خصبة لانتعاش فكر حزبي يتحدد بحدود الحزب ولا يستطيع تخطيه , مما شكل هوة كبيرة بين الأداة والهدف الذي من اجله وجدت تلك الأداة , ناهيك عن تقمص سلوكية وممارسة نظام البعث الطوارئي وسحبها على المجتمع الكوردي , وخاصة فيما يتعلق بثقافة الخنوع والتسويف وتسويغ اللافعل , والأخطر من هذا وذاك الفصل بين المسالة القومية الكوردية وبين مسالة الديمقراطية في سوريا , على الرغم من احتواء برامج الجميع على فقرات مطولة عن الديمقراطية وملحقاتها , لكن الممارسة تعكس تقوقعا مناطقيا وهروبا من استحقاقات نضالية , تحت ذريعة واهية تشوه الوعي القومي وتبعده عن مرتكزات بناءه الديمقراطية .

أننا بعد عام من التأسيس نجدد رؤيتنا وقراءتنا الموضوعية والواقعية للراهن الكوردي وما يعتريه من بعثرة في الخطاب السياسي وفقر سياسي في المضمون , وابتعاد حزبي عن تحديد الهدف القومي المجسد لتاريخنا كجزء كوردستاني  , وما يترتب على ذلك من تأسيس نظري وتفعيل عملي , وعلى أرضية الوعي بالوجود القومي , ثقافيا وسياسيا وجغرافيا ,  يتوافق وينسجم مع دولة الكل الاجتماعي التي نسعى إلى إيجادها وبناءها في سوريا بالتعاون مع مجمل الطيف الديمقراطي السوري .
بعد عام نجدد قناعتنا بمجمل توافقاتنا السياسية التي نعمل تحت سقفها , والتي يعبر عنها برنامجنا وبلاغنا الختامي السابق , في أن الديمقراطية هي هدف مركزي يحقق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص , وهي كنظام سياسي مبني على الحريات العامة والفردية ومجموع المبادئ والقيم والحقوق , تشكل الحرية والمساواة وسيادة الشعب وتداول السلطة جوهرها , يتحقق في ظلها بناء دولة حق وقانون , دولة مدنية , تقر بالتعددية السياسية والتنوع القومي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي , تكون لكل السوريين على أرضية الحق والواجب , وينتفي فيها مجمل السياسات العنصرية المطبقة على الشعب الكوردي والتي استهدفت وجوده وكينونته , وبما يضمن ذاك الوجود دستوريا وشريكا كامل التشارك في الوطن الواحد .
كما ونعيد التأكيد بأننا حالة وطنية معارضة للاستبداد , نعمل بكل الوسائل السلمية والديمقراطية على إنهاء احتكار حزب البعث للدولة والثروة والمجتمع , والانتقال بسوريا من دولة أمنية إلى دولة مدنية , تكون ركيزتها بعقد اجتماعي جديد يعيد للمواطن حريته وكرامته التي سلبها الاستبداد , ويضمن للشعب الكوردي الحق في الوجود والحرية .
في الذكرى السنوية لانطلاقة تيار المستقبل الكوردي , نحيي الأستاذ خليل حسين , العضو القيادي المؤسس ورئيس مكتب العلاقات العامة , الذي أبى العقل الأمني الرسمي إلا أن يضعه داخل سجن صغير , سبق وان قضى فيه أكثر من اثنا عشر عاما , فحملة الاعتقالات الأخيرة والتي كانت ممنهجة الهدف , تعبيرا عن عمق المأزق السياسي الذي يعيشه النظام الأمني , في تخبط واختلال في الرؤية والسلوك , حيث المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية باتت تفترض تغييرا ديمقراطيا , يؤسس لدولة مدنية , تعاقدية وتداولية , ينهي الاستبداد ويخرج سوريا كشعب ووطن من حافة الهاوية التي وضعها النظام فيه .
أن سياسة السلطة السورية حيال مختلف قضايا الوطن الداخلية والإقليمية وعلاقاته الدولية , تنبع من عقلية الحزب الواحد , العقلية الاصطفائية , الأمنية وغير السياسية , التي تنظر وتتعامل مع الوطن ومصيره من بوابة ديمومة سيطرتها الواحدية بناظم ومرتكز عقلية المالك الخاص , ولا قيمة لوطن ومواطن وحرية وحياة , ولعل حملة الاعتقالات الأخيرة في صفوف نشطاء الشأن العام تجسيدا لحالة هدر الإنسان وامتهان كرامته , كنتاج للاستبداد وعصبياته , وانعكاس لسلسلة تحالفات السلطة الإقليمية في مواجهة حالة العزلة الدولية والشعبية .
 
أننا إذ ندين الاعتقال الكيفي والعنفي , ونعتبره نتاج طبيعي للفكر والعقل الأمني , نطالب كافة المنظمات الحقوقية والإنسانية والرأي العام العربي والإسلامي والدولي بضرورة الضغط على السلطة الشمولية , ومساعدة الشعب السوري في سعيه للتغيير الديمقراطي , السلمي والمدني , ومن جهة أخرى نحيي المعتقلين السياسيين والذين يتزايدون يوما بعد أخر , بدءا من عارف دليلة ورياض ضرار وكمال لبواني ومحمد غانم وحبيب صالح وعلي عبد الله وولديه , وميشيل كيلو وفاتح جاموس وخليل حسين وسليمان الشمر وكمال شيخو وغالب عامر وأنور البني ومحمود عيسى ومحمود مرعي ونضال درويش وصفوان طيفور والمئات غيرهم ممن غيبهم السجن عربا وأكراد , فالحرية حق تصونه كل الأعراف والمواثيق الدولية التي وقعت عليها سوريا وغيرها من دول الاستبداد الشرقي .
 
إن ما يواجه شعبنا الكوردي من تحديات مصيرية يستوجب حراكا واليات مختلفة في بنيتها واليات عملها , تختلف عن العمل الحزبي الكلاسيكي الذي يقول ما لا يفعل , ويكتب ما لا يؤمن به , ونعتقد بان معيارية التوجه والسلوك , هي المعيارية الوطنية , ذات الأفقية المجتمعية , وليس التراتيبية الامتيازية , وبالتالي فما يطرح من مشاريع سياسية للتغيير الديمقراطي في سوريا , لا زال يفتقد إلى حامله المجتمعي , رؤية ,  واليات للتغيير المنشود , على الصعيد السوري العام , والى ملامسة الوجود القومي الكوردي بكل جرأة وشفافية على صعيد الاعتراف بمكونات وتعددية المجتمع السوري القومية والاثنية .
فالنظام السوري يعيد ترتيب أوراقه في لبنان والعراق وفلسطين ويجدد تحالفه مع إيران , ولكن هذه المرة من موقع الضعف والاستقواء , كما ويصم آذانه عن متطلبات الداخل السوري , بل يعمد وكعادته إلى ديمومة كم الأفواه وتغييب المجتمع وقمع حراكه السياسي والثقافي , وفي مواجهة ذلك , لا زال إعلان دمشق غير قادر على الخروج من محنة إعلانه , وجبهة الخلاص تبحث عن موطىء قدم في الداخل , والمحور الثالث يلملم أطرافه , ولكن الجميع لم يشكل حتى الآن قوة أو حاضنة تستطيع تجميع طاقات الشعب السوري المبعثرة , وتوظفها بالشكل السلمي والديمقراطي .


 
وفي هذا السياق لا زالت الحركة الكوردية تدور حول نفسها , غير قادرة على الخروج من شرنقة الحزبي إلى فضاء الوطن والشعب , فالتحالف والجبهة الكورديين , بات لهما رؤية مشتركة ابتعدت قدر امكانها عن ملامسة طبيعة النظام وإمكانية العمل على تغييره , مثلما تغاضت عن الوجود القومي الكوردي كأرض وشعب , بمعنى لا جغرافيا سياسية لديها , مثلما غابت آليات التطبيق والعمل , وقد تكون الرؤية المشتركة جاءت على خلفية الإحساس بالغبن الذي ألحقته قوى التحالف والجبهة بالشعب الكوردي جراء التوقيع على إعلان دمشق , وهو الإعلان الذي حول الكورد إلى جزء عضوي من الأمة العربية , وجعلهم مجرد أقلية لغوية مهاجرة , وحتى على صعيد الأطراف خارج هذين الإطارين لا زال العقل الحزبي يعاني الانعزالية والتقوقع والارتباك وغير قادر على قبول الاختلاف وقوانينه , رغم أن مصلحة الشعب الكوردي تفترض خطابا سياسيا ومطلبا قوميا موحدا .
وبالتوازي مع الحراك الشعبي السوري الداخلي , هناك حراكا خارج الوطن , تحاول فيه القوى السياسية تجميع طاقاتها والاستفادة من مجمل تبدلات الوضع الدولي , رغم انه لا زال هو الأخر يعاني من العديد من سلبيات التفكك وعقلية النفي والفردية , وبغض النظر نعتقد بأننا نشكل في تيار المستقبل جزء من المعارضة السورية الديمقراطية , السلمية والمدنية والتي لم تعد تراهن سوى على حاجة الشعب السوري وقدرته على التغيير الديمقراطي , وفي هذا السياق أيضا نرحب بأي لقاء أو مؤتمر يعقد في الخارج , على أرضية تكامل حلقات المعارضة وعدم الفصل بين داخل وخارج , طالما كانت المعيارية تنبع من استقلالية القرار السياسي ومصلحة الشعب السوري .
كما أننا نرحب بأي مؤتمرات تعقد من اجل المسالة الكوردية في سوريا , ولملمة صفوف حركتها , على أرضية أن قضية شعبنا ليست قضية داخلية , وإنما إقليمية ودولية , وفي هذا الصدد نجد بان أي إطار أو فعل نضالي سياسي , يستند إلى نواة الداخل ويكمله الخارج وليس العكس .
 
أننا في تيار المستقبل الكوردي , نعتبر بان إيجاد مرجعية وطنية كوردية , تتمازج وتتفاعل فيها الرؤى السياسية , حالة صحية , لكن هذه المرجعية وأهميتها تأتي من تواجدها في الداخل وبمشاركة شخصيات العمل الوطني الكوردي في الخارج , إذ أننا لا نحبذ تكرار تجارب كوردية سبق وان اتبعت نفس الأسلوب ,  لكنها لم تستطع الاستمرارية ولا حتى امتلاك القرار  السياسي .
أن قناعتنا بالفعل الميداني , ينطلق من تأسيسنا النظري له , بل ويستند إلى فهمنا السياسي لبديهيات العمل المدني وضرورة تصعيده ليتوافق مع ما قدمه الشعب الكوردي في سوريا من تضحيات وعلى مر تاريخه , وخاصة انتفاضة آذار وما خلفته من تغير في الفكر والفعل السياسي الشعبي , ولعله من المفيد التذكير بأننا سنكون شركاء فاعلين في أي فعل شعبي , يواجه القمع السلطوي , أو أي تأبين لأي من شهداء شعبنا الكوردي , وبالتالي فإننا نعتبر إحياء الذكرى السنوية الأولى للشيخ الشهيد معشوق الخزنوي , ضرورة وواجب , مع التأكيد على ضرورة الدعوة لتشكيل لجنة تحقيق محايدة , دولية وسورية , لكشف ملابسات اغتياله .
أننا وبعد عام من التأسيس وفي خضم أحداث متلاحقة , اثبت تيارنا بأنه قادر على أن يكون حاضنة لمجمل الأفكار والرؤى الثقافية والسياسية , وتعدد القراءات في داخل التيار اكسبه الحركة والديناميكية الداخلية المطلوبة ليكون بوتقة تجمع التصورات وتناقشها بشفافية , وذلك رغم ارتكابنا للعديد من الأخطاء بحكم قلة الخبرة أحيانا , وبحكم حركية الأحداث وتغير الوقائع المتسارع أحيانا أخرى , لكننا نعتقد بان البوصلة السياسية كانت متواجدة وبرؤى معرفية , ترتكز على الفكر النهضوي والحداثي الذي بني على أساسه التيار .
أننا إذ نطوي السنة الأولى من عمر التيار نجدد العزم على النهوض بالوعي الثقافي والسياسي لشعبنا الكوردي , وصولا إلى مستوى الوعي الجماعي , القومي , غير المتحزب وغير المؤدلج , وإنما الوعي الإنساني , المستند إلى احترام الإنسان في وجوده وحياته وحقوقه .
 
21-5-2006
 
مكتب العلاقات العامة
تيار المستقبل الكوردي في سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…