الكورد بين تحية العلم و الزي العسكري

بقلم: الدكتور صلاح الدين حدو
 

لفت نظري تبعيات قرار الزامية تحية العلم في مدرسة إعدادية يابانية و قيام  بعض الكادر  التربوي في المدرسة بدق ناقوس الخطر والتجاؤهم لتفعيل الشارع الياباني في مواجهة تبعيات هذا القرار الخطر (على حسب تصريحهم للصحافة )الذي يكمن في رفع وتيرة الشعور القومي والعسكري  ويحرف اليابان عن طريقها الذي اختطته لنفسها إثر ويلات الحرب العالمية الثانية وتستشهدإحدى المعلمات المخضرمات بأن اليابان لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه من رفاهية شعبها وتقدم صناعي وتكنولوجي هائل لو لم تبعد عن العسكريتاريا قسرا في بداية الأمر وبالتالي الالتفات  إلى حشد كل طاقاتها وتفريغ شحناتها في اتباع نهج التفوق العلمي والتكنولوجي مكرسين ثقافة الجماعية كطريقة وحيدة متوفرة للثأر لكرمتها المهدورة  على خلفية اذعانها للحلفاء و تلقيها لأكبر صدمتين نوويتين في هيروشيما وناغازاكي .

ثم طوعا بالبعد عن العسكريتاريا لانجرافها في صراع التنافس على القمة التكنولوجية والاقتصادية للمحافظة على المكانة المرموقة التي وصلتها .

هذا الخبرأعادني إلى مرحلة الطفولة والشباب في سبعينات وثمانينات القرن الماضي عندما فرضت في المدارس الابتدائية في سوريا ما يسمى مرحلة طلائع البعث تلتها شبيبة البعث في المرحلة الاعدادية والثانويةباللباس الزيتي العسكري ودروس التربية العسكرية إلى دورات الصاعقة والمظليين للبعثيين المتقدمين  ، إلى منهاج التدريب العسكري في الجامعات كمقرر رسمي يضاف له معسكرات صيفية وشتويةكانت تقض مضاجع الطلبة وتتكفل بتخريب كل المشاريع المقترحة في العطل.

و أستذكر هنا تساؤل زميلاتنا عن سبب التغير الهائل لسلوكنا والنزعة نحو اللامبالاة والاستهتار في يوم التدريب العسكري الجامعي .فقد كان مجرد ارتداء الزي العسكري يتجلى بضرورة اعطاء أدمغتنا إجازة جبرية مع التخلص من كل الفرملات التي اكتسبناها من الأتاكيت الاجتماعي والوعي الجامعي والسلوك الحضاري.
وأذكرحديث أحد الطلبة الفلسطينيين القادمين من الأرض المحتلة للدراسة في جامعة حلب عند متابعته للتلفزيون السوري وطغيان المظاهرالعسكرية على كل البرامج من الطلائع الى الشبيبة الى الطلبة الى الفلاحين والعمال ناهيك عن برنامج حماة الديار الخاص بالجيش ، أنه لم يشاهد خلال حياته في الضفة الغربيةأن بث التلفزون
الاسرائيلي أي برنامج ذا صبغة عسكرية ، بل كانوا يكثرون من بث السجالات والنقاشات الحادة في الكنيست التي تصل حد التضارب بالأحذية والكراسي في مناقشة المواضيع المصيرية للدولة العبرية ، مستغربا الهدوء الكامل لاجتماعات مجلس الشعب السوري وكأنهم في فندق خمس نجوم لحضور أمسية موسيقية كلاسيكية مكتفين بالحديث همهمة مع الالتزام الكامل برفع الأيدي عند الإيعاز .
وقال الآن عرفت لماذا تتغلب اسرائيل على كل العرب .
و بعملية حسابيةبسيطة يتبين لنا أن اللباس العسكري كان يلازم الطالب السوري مدة 13 سنة من أصل 25سنة ، قبل استبداله بالزي المدني في عام 2001 اثر تسلم
السيدالرئيس بشار الأسد مقاليد الحكم ووعوده بالتحديث والتطوير .
وتتجلى أثار  اللباس العسكري لهذه المدة الطويلة في استحواذ العقلية العسكرية على حساب العقلية المدنية والديمقراطية وتتظاهر بوضوح على السلوك اليومي لشتى فئات المجتمع وحتى ذوي المراتب العليا من أساتذة الجامعات وعمداء الكليات إلى أبسط موظف يحتك به في الحياة اليومية فمثلا : حرمت لفترة مزاجية من عميد الكلية أيام الدراسة الجامعية لمجرد دفاعي عن حق مجلس الطلبة في اختيار برنامج الامتحان رغم حصولي على 82% في تلك المادة ولعدة دورات وبعد  تدخلات كثيرة رضي الأستاذ الجامعي ؟؟؟؟  بتثبيت نجاحي ولكن بعدتخفيض علامتي إلى 48%  ؟؟؟؟؟!!!!.
لذلك لانبالغ إن قلنا أن السبب الرئيس في الكثير من المظالم اليومية هي سيطرة العقلية الشبه عسكرية في المجتمع المدني السوري ناهيك عن العسكريتاريا المحترفة
.فمثلا بعيد انتفاضة 2004 التي امتدت من قامشلو إلى عفرين صرح رئيس الجمهورية أنه لم تكن هناك أياد أجنبية فيها ، إلا أن حملات التخوين بحق الكورد مورست في كل المؤسسات المدنية وتعرض الكورد لشتى المضايقات في حياتهم اليومية في المدارس والدوائر بل وحتى الجامعات .فمثلا أسقط اسم طبيبين كورديين  وهما الكورديان الوحيدان في الجدول الذي يضم أربعمائةطبيب لمتابعة التخصص رغم استيفائهم لكل الشروط علما أن مدة التسجيل اسبوع واحد .
لذلك على الأمم والشعوب التي تود اللحاق بالركب الحضاري تصفية الحياة المدنية من شوائب العقلية العسكرية وحصر العسكريتاريا في الثكنات مع التشذيب ، و التنبه إلى أن التعصب بكل أنواعه هو امتداد لعقلية العبودية والفوقية ونكران الآخر ، فجميل أن يحب المرء نشيده وعلمه الوطني ولكن مع بسمة ومحبة وأسارير منفرجة لا مع تشنج واستعداد للإنقضاض ووجه متجهم .
 
                             عفرين  2006

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…