متطلبات إعادة التموضع الأمريكي في الحالة الكردية السورية

 

صلاح بدرالدين

 

  كل الدلائل تشيرالى صحة استشرافات مراكز البحث الامريكية ، والأوروبية ، ، وتوقعات المراقبين بالتسارع في وتيرة العودة الامريكية الى الشرق الأوسط بقوة ، وبعبارة اصح تعزيز وجودها الاستراتيجي من جديد ، خصوصا منذ حرب إسرائيل – حماس قبل نحو شهرين ، وهي في حقيقة الامر حرب ايران عبر اذرعها من اجل تحقيق مشروعها التوسعي ، وفرض ارادتها على دول الإقليم ، وتبديل موازين القوى العسكرية – الاستراتيجية بمايتيح لها في فرض شروطها على المجتمع الدولي ، وتحقيق ماتصبو اليها في المفاوضات النووية ، وفك الحصار عنها ، واسترجاع الأموال المجمدة التي صودرت بسبب اعمالها الإرهابية ضد شعوب المنطقة ، وسلوكها المنافي للديموقراطية وحق الشعوب ، وحقوق الانسان في الداخل الإيراني ، وقمع الانتفاضة الشعبية بالحديد والنار .

 

  عمليا ايران هي التي  تخوض غمار الحرب – الحديثة – وهي ليست ولن تكون حربا تقليدية في ارسال جيوش نظامية مقابل جيوش أخرى نظامية  ،حيث تواجه اعلاميا ، وتهدد ، وتطلق الصواريخ ، وتعيق سير خطوط التجارة العالمية في باب المندب ، والبحر الأحمر ، وتطلق القذائف على السفن ، والبوارج الحربية الامريكية ، والبريطانية ، على سواحل الخليج ، وقبالة الساحل اليمني ، ليس انطلاقا  من الأرض الإيرانية الوطنية ، بل عبر ميليشياتها ( الفلسطينية ، واليمنية ، والعراقية ، واللبنانية ، والسورية …) وفي  نطاق مايسمى بمحور المقاومة ، الدائر في فلك تحالف الإسلام السياسي – الشيعي والسني – ذلك المحور والتحالف اللذان صرف النظام الإيراني  مليارات الدولارات على تهيئتهما ، وتسليحهما ، وتمويلهما ، منذ خمسين عاما وحتى الان ، وذلك من اجل استخدامهما وقت الحاجة .
  من الواضح ان الجانب العسكري في هذه الأيام وفي مرحلة طويلة لاحقة يشغل الأولوية القصوى ، وهذا ماتحقق وقد يستتبع بوصول البوارج الحربية الى البحر المتوسط ، وهناك تقديرات ان العسكريين الأمريكيين يشاركون في غرف العمليات الإسرائيلية في الحرب على حماس ، والموقف الأمريكي واضح وصريح حول عدم السماح لانتصار حماس ، وهذا الموقف يحظى بدعم غربي وتوافق عربي رسمي مستتر ، كما ان التحالف الدولي بقيادة أمريكا بدأ بضرب الميليشيات العراقية ، ومواجهة الصواريخ الحوثية ، وتهديد ميليشيات حزب الله اللبناني في تطور جديد منذ اكثر من عشرة أعوام .
 هل من مواقف أمريكية سياسية جديدة تجاه قضايا الشرق الأوسط ؟
  انطلاقا من مبدأ ( ان العمل العسكري  هو تفسير عملي  للموقف السياسي ) فلاشك ان تكثيف الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة بعد الانسحابات ، وملامح العزلة ، وماقيل عن تبديل الاستراتيجيا الدفاعية باتجاه روسيا ، والصين ، وأوكرانيا ، يؤشر الى تغيير ما في المواقف السياسية لدى أصحاب القرار في واشنطن تجاه اهم وابرز قضايا الشرق الأوسط مثل : القضية الفلسطينية ، والقضية السورية ، وايران ، والخليج العربي ، واليمن ، والعراق ، ولبنان ، والقضية الكردية ، وجميع هذه القضايا رغم خصوصيات كل واحدة منها ، فانها متشابكة ، ومتاثرة ببعضها البعض ، وعلى سبيل المثال فان أي قرار تنفيذي بشان اسقاط نظام الأسد ، يعني دعم معارضي النظام ، والوقوف الى جانب الشعب السوري ، كما يعني انهاء الوجود الإيراني ، وميليشيا حزب الله من الأراضي السورية ، ومغادرة جميع الجيوش المحتلة بمافيهم الجيوش الروسية والتركية والأمريكية ، وإزالة سلطات الامر الواقع ومن ضمنها سلطات – الجولاني – والفصائل المسلحة – و- قسد – ومختلف مسميات جماعات – ب ك ك – ، وإقامة سوريا جديدة تعددية ديموقراطية تشاركية موحدة .
 نعتقد ان من جملة الأخطاء الامريكية في سوريا ، تعاملهم غير المدروس مع الحالة الكردية ، فقد تواصلوا بسبب الحاجة العسكرية الملحة في محاربة داعش مع فصيل عسكري تابع لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا من جانب أمريكا وأوروبا ، ومن دون أي اعتبار سياسي لوجود الكرد كشعب ، والقضية الكردية السورية كمسالة حقوق ورفع مظالم ، ليس لانهم يجهلون هذه القضية بل لان الطرف الاخر لم يطلب شيئا سياسيا مقابلا حيث كان باشد الحاجة الى داعم دولي ، وحسن سلوك ، وبيئة مستقرة لاستثمار خيرات المنطقة النفطية ، والتجارية لدعم مركز قنديل .
  والمطلوب من الولايات المتحدة الامريكية في حال إعادة رسم السياسات ، وإعادة النظر ، ان تعتبر ان الكرد السوريين جزء اصيل من الشعب السوري ، وله قضية قومية ديموقراطية خاصة ، يجب ان تحل على أساس الشراكة والمساواة ، ولديه حركة وطنية سياسية مفككة تحتاج الى دعم لاعادة بنائها من جديد ، وتوحيدها ، واستعادة شرعيتها من خلال المؤتمر الكردي السوري الجامع ، فالسياسة الامريكية المتبعة منذ نحو عقد تضر بالوجود الكردي ، وتسيئ الى دور الكرد في القضية السورية ، وتساهم في انقسام الحركة الكردية ، وفي تعزيز دور الأحزاب الأيديولوجية غير المستقلة  ، والتي تحمل اجندة خارجية ، وتلحق الأذى بالوطنيين الكرد المستقلين ، وجميع اطراف الحراك المجتمعي وخصوصا الشبابي .
  الوطنييون الكرد السورييون بكل اطيافهم ، ومجاميعهم ، واعلامييهم مطالبون بايصال أصواتهم الى الامريكان ليعيدوا النظر في مواقفهم الكردية السورية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…