صلاح بدرالدين
سلسلة طويلة من حلقات التضليل، والفتن العنصرية البغيضة، والمعاول الهدامة لبنية الوحدة الوطنية في سوريا، تلخص الجانب الأكثر سوء في تاريخ سوريا المعاصر في المائة سنة الأخيرة، وتكشف عن أدوار بعض الافراد في تعميق الازمة الوطنية، وعرقلة التطور الطبيعي المستقل لبناء سوريا الديموقراطية التعددية الجميلة التي لن ترى النور الا بالتحام عناصرها الأساسية، ومحاولة تزييف تاريخ البناة الأوائل من مكونات الوطن المبني على اكتافها، وبفضل تفانيها، وتضحياتها الجسام للوصول الى وضع يتحقق فيه العيش المشترك بسلام ووئام، والكرد السورييون الى جانب العناصر الأساسية الأخرى من عرب، وتركمان، وارمن، ومسيحيين، ومسلمين سنة، ودروز، وعلويين، وغيرهم يشكلون القاعدة، والمنطلق، واي مساس، او انكار، او اقصاء لاي عنصر في هذه المعادلة المعبرة عن خصوصية البنية الوطنية السورية، سيكون بمثابة الغاء للمعالم الحضارية، والعوامل المكونة لهذا الوطن الجميل بالوانه، والغني بثرواته البشرية المتنوعة المعطاء.
لاشك ان لكل فرد دور ولو محدود في التاريخ، وانه يستمد نظرته للامور الحياتية، وممارساته العملية من عقيدة، ومنهج، وفكر تلقفه، ويلتزم به خاصة في المجال السياسي المتعلق بقضايا الشعب، والوطن، والحاضر، والمستقبل، وفي مايتعلق باالموقف من الكرد السوريين كمكون وطني اصيل من مجموع الشعب السوري واذا ما جمعنا عينات من مواقف شوفينية ناكرة للكرد وجودا وحقوقا في عدة مراحل منذ الاستقلال وحتى الان نرى الغالبية الساحقة تتبع لايديولوجية حزب البعث او تتاثر بها، يليها الإسلام السياسي وتوابعه الطائفية.
تسلسل العينات كنماذج
١ – زكي الارسوزي وهو الداعي الأول لفكرة البعث : ( لايوجد شيئ اسمه كردستان، او الكرد، والاكراد مثل الحشرات يجب دعسها، وسحقها ) كماورد في مؤلفاته الكاملة التي اوعز حافظ الأسد شخصيا بجمعها وطبعها، وتوزيعها، لانه من احد طلابه النجباء .
٢ – ميشيل عفلق وهو مؤسس، ومنظر حزب البعث : ( ليس هناك وجود للاكراد، وغير الاكراد بالوطن العربي، وكل من يتكلم العربية فهو عربي ) كما ورد في مؤلفاته .
٣ – سعيد السيد احد أعمدة حزب البعث، وأول من زعم بخطورة ( التسلل ) الكردي الممنهج الى منطقة الجزيرة، داعيا الى استئصاله قبل فوات الأوان بكل السبل .
٤ – مصطفى حمدون، قوموي، ووزير الإصلاح الزراعي في عهد الوحدة السورية المصرية، كان شعاره وعقيدته في توزيع الأراضي على الفلاحين بمناطق الجزيرة ( كردي ما الو شي عندي).
٥ – حافظ الأسد، امين عام حزب البعث، نفذ في عهده جميع بنود مخططي الإحصاء الاستثنائي وحرمان الكرد من حق المواطنة، والحزام العربي، وتغيير التركيب الديموغرافي، والتهجير، واختراق الحركة الكردية، وتكريد الصراع، وتشجيع – علونة – الكرد عبر جمعية أخيه الأكبر جميل الأسد .
٦ – محمد طلب هلال، ملازم اول رئيس شعبة الامن السياسي بالقامشلي، واضع مخطط الحزام العربي لتهجير الكرد، عضو قيادة قطرية، وزير تموين، سفير في بولونيا .
٧ – يوسف طحطوح، ضابط بالامن السياسي بعهد البعث، مدير ناحية عامودا، معروف بتطرفه العنصري الاعمى، وشدة كرهه للكرد، وممارسة السادية في تعذيب المناضلين السياسيين الكرد.
بعد الثورة السورية
٨ – علي صدر الدين البيانوني، المرشد العام للاخوان المسلمين، من مواقفه البارزة : ليس هناك شعب كردي سوري، الاكراد في سوريا متسللون ولاحقوق لهم .
٩ – ميشيل كيلو – تخلى عن انتمائه الشيوعي بتشجيع من أوساط نظام حافظ الأسد، تحول قوميا متعصبا، ناصب الكرد العداء، وانكر وجودهم التاريخي بسوريا .
١٠ – هيثم المالح، من الإسلام السياسي، ينكر وجود الكرد، ولايعترف بحقوقهم، ويدعو الى عدم التعامل معهم كقومية او شعب .
١١ – كمال اللبواني، شيوعي سبق، عانى السجن والاعتقال من جانب نظام الأسد، مواقفه الوطنية والسياسية العامة غير ثابتة، شخصية غير مستقرة، مواقفه الكردية متبدلة بشكل دوري، آخر مزاعمه انه لاوجود لقومية كردية بسوريا ولقضية كردية، وهم متسللون، ولايحق لهم اية مطالب قومية، كنت قد حاورته قبل عدة أعوام بشان القضية الكردية عبر المقالات والردود المتبادلة واظهر نفسه انه تفهم الموضوع الكردي، ولكن لم يدم ذلك طويلا وانقلب على خلاصات سابقة حتى اعلان موقفه العنصري المتزمت الأخير .
١٢ – محمد بركة، رئيس ( تجمع القوى الوطنية بالسويداء )، والمحسوب على حراك السويداء من اخر كتاباته قبل أيام حول الكرد السوريين ( لاوجود تاريخي للكرد في سوريا، نزحوا من تركيا حديثا ..) .
وقفة في وجه صاحب العينة الأخيرة
لاشك لم نكن نتمنى ان يكون احد المحسوبين على حراك أهلنا بالسويداء الذي يهدف الى احياء الثورة السورية المغدورة، وتطوير، وإعادة بناء وسائلها، وأهدافها، والذي نحترم مناضليه، وناشطيه، ومرجعيته الوطنية الاصيلة سماحة الشيخ حكمت الهجري، نعم لم نكن نرغب ان يكون السيد محمد بركة العينة الأخيرة في تلك القائمة السوداء، ولكن نتفهم من جانب اخر الظروف الخاصة الدقيقة شديدة الحساسية للحراك، والافق الواسع الذي يتميز به في استيعاب كل الألوان، والاطياف السياسية، كنوع من الممارسة الديموقراطية، الى جانب ذلك يحق لنا ان ننتظر تفسيرا لقادة الحراك .
لن ادخل بالتفاصيل حيث لايستحق صاحبنا الجاهل لتاريخ البلاد، ان نبذل من وقتنا، وجهدنا اكثر من اللازم، فقط اسجل مايلي :
أولا – وجود الكرد التاريخي في سوريا يبدا قبل ثمانمائة عام خلال الحكم الايوبي لبلاد الشام ومصر، وكان من ضمن جيش صلاح الدين محاربون من مختلف المناطق الكردية حسب شهادة كاتب صلاح الدين العربي ابن شداد .
ثانيا – يتذرع السيد بركة لدى انكاره للوجود الكردي بمشاريع جماعات – ب ك ك – ( الانفصالية التقسيمية ) حسب وصفه، وهو يتجاهل امرين بغاية الأهمية، الأول هو ان – ب ك ك – ومسمياته ظهر منذ اندلاع الثورة السورية، ولايمثلون الحركة الكردية السورية التي يتجاوز عمرها قرابة المائة عام، ثم انه لايحمل أي مشروع لاقامة دولة كردية، بل يبحث عن حكم الحزب، ومعروف ان مشروع الحركة الكردية السورية هو جزء من المشروع الوطني العام، من اجل اسقاط الاستبداد، واجراء التغيير الديموقراطي، وإقامة سوريا الجديدة التعددية بنظام علماني، يتم في ظله حل القضية الكردية بالتوافق وعبر الحوار وحسب إرادة الكرد ضمن اطار سوريا الموحدة .
ان انكار وجود نحو ثلاثة مليون كردي ( حسب تقديرات ماقبل الثورة والهجرة والتهجير ) امر خطير، فالذي ينكر وجود شعب آخر نظريا، يمكن ان يقدم على ابادته اذا استلم الحكم يوما ما، وهذا النوع يعتبر من الجرائم ضد الإنسانية، ولايمكن لمثل هؤلاء ان يكونوا دعاة الثورة والتغيير، لانهم رسل الفتنة، والعنصرية، والاقتتال، وتهديم الوحدة الوطنية، وعوامل العيش المشترك .
وفي معرض استشهاد الموما اليه بالشخصية الوطنية الشهيد كمال جنبلاط، والزعم بالسير على دربه نقول : الشهيد كان يتقبل الوجود التاريخي لكرد سوريا، وكانت منظمة حزبنا في لبنان آنذاك ( حزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا ) الذي كنت اتراسه عضوا مؤسسا مشاركا حزبه التقدمي الاشتراكي في تأسيس ( الحركة الوطنية اللبنانية ) ومساهما في جميع مؤسساتها، كما ان الشهيد استجاب لطلبنا في ان يكون بلجنة عربية منه ومن ( ياسر عرفات، ود جورج حبش، والرئيس اليمني الجنوبي سالم ربيع علي ) تتوسط بين حكومة بغداد والزعيم الراحل مصطفى بارزاني لقطع الطريق على وقوع الحرب، وتوجه باسم اللجنة الى العراق في خريف ١٩٧٤، واجتمع بالرئيس العراقي – صدام حسين – وانتقل الى كردستان للقاء البارزاني، وبعد عودته التقينا فيه واخبرنا ان صدام رفض الوساطة من اجل الحوار والسلام، والبارزاني قبلها برحابة صدر، هكذا كان الشهيد مع وجود الشعوب وحقوقها، ومع الحوار، وقبول الاخر المختلف.