على ضوء مؤتمري جناحي الحزب.. ماذا تغير في نهج اليمين الكردي السوري ؟

 

صلاح بدرالدين

 

كان الخلاف قد ظهر الى العلن في صفوف قيادة الحزب الديموقراطي (الكردستاني – الكردي) في سوريا بعد فترة وجيزة  من تاسيسه عام ١٩٥٧، ولم يتم البت بالخلافات بشكل منهجي – علمي، مما اضر بوجود الحزب بين الجماهير، وأصيب بالانفكاك والعجز ونوع من الضياع الفكري والسياسي، وتعمق ذلك بعد حملات اعتقال القيادة او معظمها،  ثم ظهور التكتلات المتمردة في بعض المناطق،الا ان  انحسم الامر عمليا عندما تم الافتراق تنظيميا بين جناحي الحزب اليسار واليمين عند انعقاد الكونفرانس الخامس في الخامس من آب عام ١٩٦٥ وتشخيص قضايا الخلاف وطرح الحلول والبدائل وتوثيقها ونشرها، وكان الخلاف بطبيعة الحال  فكريا وسياسيا  بامتياز حول القضايا التالية :

 

اليسار: الكرد السورييون شعب من السكان الأصليين، ويعيش على ارض الإباء والاجداد.
اليمين: كرد سوريا اقلية قومية ( وهناك فرق شاسع بين حقوق الشعب والأقلية ) .
اليسار: حل القضية الكردية بانتزاع الحقوق السياسية، والثقافية، والاجتماعية حسب مبدأ حق تقرير المصير .
اليمين: الحل بتحقيق الحقوق الثقافية.
اليسار: الطريق الى حل القضية الكردية يمر عبر التحالف مع الحركة الوطنية الديموقراطية السورية المعارضة، وتغيير النظام الدكتاتوري الشوفيني، وتثبيت حقوق الكرد بضمانة دستورية.
اليمين: الحل عبر موالاة النظام القائم، والعلاقات الحسنة مع السلطة .
  اليسار : تشكيل قيادة مرحلية منتخبة من الكونفرانس الخامس لإنقاذ وحدة الحزب،  تمارس عملها لمدة عام الى حين عقد المؤتمر العام، ودعوة جميع افراد القيادة السابقين للانضمام الى القيادة المرحلية.
اليمين: رفض قرارات الكونفرانس الخامس الشرعي وعدم التعاون، والانشقاق، والاعلان عن حزب جديد.
اليسار: الراحل مصطفى بارزاني هو القائد الشرعي لثورة أيلول .
  اليمين: جماعة ( إبراهيم احمد – الطالباني ) تمثل القيادة الشرعية .
ماذا تغير في النهج اليميني الكردي السوري بعد ثمانية وخمسين عاما على ضوء وثائق مؤتمري الجناحين المنشقين على بعضهما ؟
١ – التساوي بين معارضي النظام والنظام، وهو موقف يصب في مصلحة النظام .
٢ – عدم طرح أي موقف سياسي معلن يدعو الى اسقاط نظام الاستبداد، وإيجاد البديل الديمقراطي.
٣ – شعب كردي – حقوق مشروعة، ( وموضوعة الشعب هو البند الوحيد من قضايا الخلاف الذي اعيد النظر فيه اما القضايا الأخرى فبقيت على حالها ) .
 ٤ – لامركزية وقد تفسر بالالتزام بنفس ( اللامركزية الإدارية ) الواردة في دستور النظام .
٥ – إقرار دستوري بالهوية القومية الكردية، ( إقرار ليس بالحقوق بل فقط بالوجود ) .
 ٦ – تجاهل النضال الوطني ضد النظام وكذلك حراك السويداء .
  ٧ – لإبقاء على موالاة حزب المرحوم جلال الطالباني .
  ماهو المقصود باليمين الكردي السوري ؟
  عندما  توصيفنا ( اليمين الكردي ) للمرة الأولى عام ١٩٦٥ قصدنا به الحزب الذي سمى نفسه ( الحزب الديموقراطي الكردي التقدمي ) واغلب الظن ان إضافة كلمة ” التقدمي ” جاءت لنفي الصفة اليمينية عن نفسه، ولكن المسالة لاتتعلق بالتسميات بل الأهم هو المضمون الفكري – السياسي، فحزب البعث يسمي نفسه بالاشتراكي مثلا، واليمين الكردي لايقتصر على هذا الحزب او قيادته بل هو فكر، وسياسة، وثقافة ونهج منتشر بين افراد، ومجموعات، وأحزاب، وخصوصية اليسار واليمين في الساحة الكردية السورية انها لاتتعلق بجناح شيوعي، وآخر راسمالي ضمن الحركة الكردية السورية بل ظهر أساسا والى جانب القضايا الاجتماعية في الاختلاف الجذري بشان القضية القومية، وسبل حلها، وحول تعريف الكرد، وقضيتهم، وحركتهم، ومضمون حقوقهم، والموقف من النظام، والمعارضة الديموقراطية، والبعد الكردستاني .
ظاهرة الانشقاقات الحزبية
كما اسلفنا بشان الخلافات الأولى في صفوف الحزب الكردي الأول، وأسباب الانقسام الجذري الذي  نتج عنه اليسار واليمين، وهي أسباب فكرية، وسياسية، ومنهجية، وقد دار الصراع حينها بين النهجين بشكل سلمي، وحضاري ( علاقتي الشخصية بالمرحوم حميد درويش  زعيم الجناح اليميني استمرت على قاعدة الاحترام المتبادل ) بالرغم من تاثيرات مواقف السلطة الحاكمة التي انحازت بطبيعة الحال الى الاتجاه اليميني لانه لم يكن يشكل خطرا عليه بل بالعكس كان يرغب في تعزيزه بالوسط الكردي .
اما اليسار  فقد  ازعج النظام كثيرا بل ارقه وتمدد ليس على الصعيد الوطني الداخلي بل من خلال علاقاته الواسعة عربيا وخاصة مع الحركة الوطنية اللبنانية بزعامة الشهيد كمال جنبلاط، ومنظمة التحرير الفلسطيينية، وقواها الرئيسية : فتح، والجبهتين الديموقراطية، والشعبية، ورئيسها الراحل ياسر عرفات، وإقليميا مع جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، وامميا مع دول المنظومة الاشتراكية سابقا، وكردستانيا مع قائد ثورة أيلول الزعيم الراحل مصطفى بارزاني، وكذلك مع القوى القومية الديموقراطية بزعامة د شفان في كردستان تركيا، وقيادة حزبي ديموقراطي كردستان ايران بزعامة الشهيد د قاسملو، وفي مرحلة لاحقة وتحديدا من أواسط ١٩٩٤  قمت ( بصفتي رئيس الحزب ) بعدة زيارات الى واشنطن، وتواصلت مع قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الامريكية، وأعضاء من الكونغرس، وتعاون مباشر مع مركزي كل من ( هيومان رايتس ووش ) بنيويورك، ومنظمة العفو الدولية – الامنستي – بلندن حيث تم تزويدهما بحقائق معاناة الكرد السوريين، واصدر الأول كتيبا ( ١٣٠ صفحة ) ولاول مرة حول كرد سوريا، وحذت حذوها الثانية أيضا، هذا بالإضافة الى تقديمات اليسار الثقافية مثل رابطة كاوا للثقافة الكردية، وخدمة الفولكلور الكردي، وارسال نحو ( ٣٠٠ ) طالبة وطالب لتلقي العلوم بالخارج .
اليس من حق، وواجب كرد سوريا ان يتساءلوا : وماذا قدم اليمين، ثم البارتي، ثم الاخرون فيما بعد ؟
وفي المرحلة التالية وتحديدا منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، وبداية التسعينات، طرا تحول جديد خصوصا بعد ارسال الضابط الأمني – محمد منصورة – من جانب القصر الجمهوري، وتوكيله بالاشراف على الملف الكردي في سوريا والمنطقة، واختراق الأحزاب الكردية، وتشجيع الانقسامات، ومحاربة أي طرف يتمسك بالحقوق الكردية، ويرفع شعار التغيير، ويتحالف مع معارضي نظام الاسد وفي المقدمة ( حزب الاتحاد الشعبي ) سابقا، في هذه المرحلة التي تمتد حتى يومنا هذا وصلت اعداد الأحزاب الى رقم قياسي، وتعرضت حتى الأحزاب الموالية للسلطة الى الانقسامات لانها فقدت – وقتيا – الاحتضان السابق من السلطة بعد اندلاع الثورة السورية، وشكل استحضار جماعات – ب ك ك – من جانب النظام الضربة المزلزلة للحركة الكردية السورية التي مازالت تعاني من آثارها،  وستبقى تعاني حتى توفير شروط إعادة بناء الحركة من جديد من خلال المؤتمر الكردي السوري الجامع لاستعادة وحدتها، وشرعيتها، واستقلاليتها التنظيمية، والفكرية، والسياسية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…