رأي..السبب الرئيسي للتصعيد الروسي الأخير في إدلب

د. باسل معراوي 

كثيراً ما كانت تٌكْتب مذكرات التفاهم الروسية التركية بخصوص الملف السوري بإسلوب من الغموض، والذي يَلتفّ على نقاط الخلاف الجزئية في سبيل رغبة أنقرة وموسكو بالحفاظ على تعاونهما في سورية ( وخارجها أيضاً )، تلك العبارات الغامضة والتي غالباً كان يُفسّرها الطرف الأقوى وفقاً لقراءته ..وهذا ما حصل مرات عديدة كانت أوضحها حصار نقاط المراقبة التركية الـ12 ووضع الجيش التركي في موقف لايُحسد عليه….
بالطبع عندما حاول الروس تجاوز منطقة خفض التصعيد في إدلب وحسم الملف عسكرياً بعد الوصول لمحيط جبل الزاوية في بدايات عام 2020، والضغط على القوات التركية بغية انسحابها نهائياً للحدود الدولية عبر مجزرة الجنود الأتراك بجبل الزاوية …وعدم إنصياع القيادة التركية للمخطط الروسي والتصدي للهجوم العنيف وتعريض كل العلاقات الروسية التركية للخطر (ليس في سورية فحسب) توقفت المعارك بلقاء عُقِدَ في موسكو بين بوتين وأردوغان وتوقيع مذكرة تفاهم بينهما لفضّ الإشتباك( والتي لم يُعلن عنها الكثير)…
إستغلّت أنقرة فترة التهدئة وأدخلت قوات كبيرة مع اآلاف القطع العسكرية الثقيلة وأجرت انتشاراً لجنودها بوضع دفاعي وكانوا على خطوط التماس الأولى…
كانت المناكفات التركية الروسية كثيراً ماتظهر بين وزارات الخارجية والدفاع من كلا البلدين حول تفسير كل طرف للمذكرة التي وقعها الرئيسان وكل يتهم الآخر بعدم التقيد بها..
إنشغلت روسيا بحربها في أوكرانيا وإخترع الروس مساراً جديداً في سورية بعد ( رفضهم لعملية عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري ) كان محوره تفاهم روسي تركي على تحقيق نتائج العملية دون خوضها وإحداث خرق بمصالحة أنقرة مع دمشق ..وكانت القيادة التركية تحت ضغط الشارع الإنتخابي الذي يرغب بتلك المصالحة للإسهام بعودة اللاجئين ومحاربة الإرهاب (وبالطبع كل طرف يفسر الارهاب كما يراه من وجهة نظره) .
انتهت الإنتخابات التركية وتحررت القيادة من ضغوطه ..وبدأت إيران تضع العصي في عجلات المسار الوليد…وبدأ الوهن الروسي يُلقي بظلاله على المشهد السوري ..لم يعد لقرار موسكو تلك الرهبة الواجب تحاشي غضبها…
ونظراً لحاجة موسكو الماسة لنجاح مسارها الرباعي في سورية وإعتبار الأسد جزءاً من الحل وليس من المشكلة …ونظراً للسقوف المرتفعة لأنقرة ودمشق كشروط لتطبيع العلاقات بينهما…أعدّت موسكو مُسودّة خارطة طريق لذلك المسار وعرضتها على إجتماع الدورة 20 لمسار أستانة ..والذي كما يبدو لم يلقَ تجاوباً تَنشده موسكو من الأطراف كلها وخاصة الطرف التركي….وبعد إعلان وفاة مسار أستانة بعد بلوغه عمر العشرون جولة…
كان لابد من مسار أستانة جديد يرضي موسكو ويبدأ من الصفر….كان التصعيد الروسي الأخير تلويحاً بأن ماتمّ التفاهم عليه قد إنتهى وأننا أمام مرحلة جديدة مؤشرها التصعيد العسكري وحسم الملف عسكرياً للرجوع كخطوة أولى من جانب تركيا وحلفاؤها من السوريين بتطبيق القراءة الروسية لمذكرة تفاهم 5 آذار 2020 بالإنسحاب 6 كم على جانبي طريق الـM4…وإعادة فتحه ..كخطوة أولى يتبعها خطوات …والتصعيد ضغط على الجانب التركي بإحداث موجة لاجئين جديدة وخلق جو من عدم قدرة تركيا على الترويج لعودة لاجئين جدد بسبب عدم الوصول لإتفاق وقف إطلاق نار مستدام وبالتالي عدم تحقق أهمّ شرط من شروط عودة اللاجئين..
بالطبع لن يخضع الجانب التركي للإبتزاز الروسي ولن يتراجع متراً واحداً عن المناطق المتواجد بها ..خاصةً في ظل عدم قدرة روسيا على إملاء شروطها عسكرياً…
والمطلوب من الجيش التركي والفصائل بإدلب ردع قوي للعربدة الروسية وتلقين ميليشيا نظام الأسد درساً قاسياً.
أظن أن هذا سبب التصعيد الرئيسي وقد يرى البعض علاقة لهذا التصعيد بهجوم مسيرات على مناطق قريبة من قاعدة حميميم ..أو علاقة لتمرد قوات فاغنر ..لكنني لا أرى إلا ماذكرته من ضرورة حصول موسكو على إنجاز خارجي يتم توظيفه لصالح الرئيس الروسي الذي إهتزت صورته وموقعه كثيراً بالآونة الأخيرة…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…