ثورة السويداء المتأخِّرة

شيخو عفريني

أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً، هي مقولةٌ لربّما لا نستطيع أن نستخدمها في كلّ مقام، ففي الكثير من المواضع يكون قد أدركنا القطار، والزمن الذي كان يمكن فيه تحقيق المطالب بكل سهولة قد ولّى.
بداية عام 2011 هبّ الشعب السوري في الكثير من المحافظات والمدن والبلدات مطالباً بإسقاط النظام السوري الحاكم، خرج الملايين في كل من درعا، وحمص، وحماة، ودير الزور، وإدلب والعديد من أحياء مدن أخرى، وصدحوا بأصواتهم عالياً، لنيل الحرية والكرامة، والعيش في سوريا ديمقراطية تعددية، تصان فيها حقوق كافة الأطياف السورية. طبعاً لا بد من الإشارة والإشادة بالصبغة الكوردية التي كانت طاغية، وتركت بصمةً واضحةً في مناطق كوردستان، كعامودا وقامشلو وعفرين وكوباني وغيرها. كردّ للجميل على المشاركة الكوردية الكبيرة والفعالة، سُمي ثالث جمعةٍ من عُمر الثورة بجمعة آذادي (حرية) وتسمية واستذكارِ انتقاضة 12 آذار الكوردية في جمعةٍ أخرى. ومدينة كفرنبل الأبية في ريف إدلب، كانت وما زالت تكتب لافتاتها باللغتين العربية والكوردية.
تأخرتْ حلب آنذاك في اللحاق بالثورة، أصبحت عُرضة للانتقاد الشديد، وبات السوريون يعلّقون من باب السخرية “أن الحلبيين مشغولون بالكباب والحلويات وغير معنيين بالثورة ومطالب الشعب”.
بعد فترة لم تكن قصيرة انضمت حلب، وشاركت بقوة، فلاقت أحياؤها كشقيقاتها في بابا عمرو، الويلات، جراء قصف النظام السوري العشوائي للمدنيين والعزل، وتخريب المنشآت الحيوية والمدارس والمستشفيات، فتحولت حلب كغيرها في حمص وإدلب… إلى مدنٍ منكوبة.
فرّق تسد
عمل النظام بداية الثورة على تطبيق سياسة فرق تسد، ففرّق بين السوريين عن طريق الميليشيات والمرتزقة، واشترى ذمم الكثير بالإغراءات والمناصب والوعود، ولعب على وتر القوميات والأقليات والمكونات، كالكورد والدروز والعلويين وغيرهم، فسارع إلى تسليم مناطق كوردستان سوريا، بدايةً من ديرك، مروراً بقامشلو وسري كانية وكوباني، انتهاءً بعفرين وحيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، إلى حزب العمال الكوردستاني PKK، بهدف إخماد الثورة فيها، ومنع الكورد من الانخراط أكثر في الثورة. كما اجتمع مع الدروز والمكونات الأخرى، وحضهم على عدم الاجترار وراء “المخربين والمندسين” على حد قوله. للأسف نجح النظام في الخطة المحاكة، وشتت شمل السوريين وعمل بكل وحشية على إخماد الثورة، التي شارك فيها الملايين، ففي مدينتين اثنتين فقط، كحماة ودير الزور، وبشهادة السفير الأمريكي فورد آنذاك، خرج الملايين في يومٍ واحد مطالبين بإسقاط النظام.
بقيت السويداء صامتةً وأخدت دور المتفرج ممّا يجري من انتهاكاتٍ وتجاوزاتٍ وإباداتٍ ومسلسل سفك دماء الأبرياء، ونأت بنفسها في الإدلاء بموقفٍ واضح يصب في مصلحة السوريين. أما اليوم بعد مرور اثني عشر عاماً، يخرج مواطنوها في مظاهراتٍ عارمة تطالب بإسقاط النظام، وبنفس الشعارات والهوية الثورية، ولكن يبقى السؤال، هل ستؤثر على النظام أو يتأثر بها على الأقل؟
ليس انتقاصاً من الحراك الشعبي في السويداء، فهي خطوةٌ مباركة من دون أيّ شك، ولكن ما الفائدة الآن بعد أن استعاد النظام نسبة 64 بالمئة من المساحة التي خسرها خلال الأعوام المنصرمة. وأبت (السويداء) الاشتراك مع شقيقاتها لسنين وسنين، وهي الآن وحيدة في الساحات تنادي كاليتيمة!
في المحصلة، النظام ساقطٌ لا محالة، وكان باستطاعة السوريين الإسراع في إسقاطه، لو خرجوا سوياً في كل المحافظات والمدن. مباركٌ الحراك الشعبي في السويداء وعسى أن تكون بداية فعلية لإسقاط النظام وتداول السلطة وإنهاء معاناة وآلام أكثر من ثلاثة عشر مليون سوري بين نازح داخلي ولاجئ في دول الجوار، وكشف مصير مئات الآلاف من المغيبين والمفقودين والمعتقلين والمختطفين. متضامنون مع الإخوة والأخوات الدروز في السويداء.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…