عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
عندما أُطيح بنظام الشاه الدكتاتوري في عام 1979على يد الشعب الإيراني، بدا أنه قد يكون من الصعب تخيل أن تتمكن فلول تلك الدكتاتورية من الظهور على المسرح مرة أخرى ضد الشعب الإيراني وتقف إلى جانب الدكتاتورية الدينية الحاكمة، لكن ذلك قد حدث مع الأسف، وأظهروا دورهم السام في السنة الأخيرة. ولماذا؟
ولا يخفى على أحد أن فلول دكتاتورية الشاه قد سرقت مليارات الدولارات من أموال الشعب الإيراني وسارت بها إلى دول الغرب، واعتاشوا في العقود الخمسة الأخيرة من ثروة الشعب الإيراني المسروقة هذه.
لا للشاه ولا الشيخ!
وكما رأينا في السنوات اللاحقة وحتى اليوم قامت الدكتاتورية الدينية الحاكمة على خط وراثة دكتاتورية الشاه، إذ قامت بنهب معظم أموال الشعب وقتل أبنائه؛ وإن سجل آخر الـ 44 سنة المنقضية من عمر الدكتاتورية الدينية الحاكمة هو سند لا يمكن إنكاره على أن دكتاتوريتي الشاه والشيخ مكملتان لبعضهما ووجهان لعملة النُظم الدكتاتورية ولديهما قضية مشتركة وغير منفصلة في العداء مع شعب إيران، ولهذا السبب نرى أن الأنظمة الدكتاتورية تسارع إلى مساعدة بعضها البعض في المنعطفات التاريخية بدعم من بعض الدوائر الاستعمارية حى لا يتيحوا للشعب الوصول مبتغاه!
وإن ما يُجمع عليه من وجهات النظر دوليةً وإقليمية هو “عدم عودة عجلة الزمن للوراء” وأن “الثورة الديمقراطية الجديدة في إيران قائمة بعد انتفاضة 2023″، ومن هنا ومن هذا المنطلق ردد الشعب الإيراني في الشوارع بجرأة شعار “لا للشاه ولا للشيخ” أو “الموت للمستبد سواء كان الشاه أو القائد أي ولي الفقيه”.
مسلك السير الصحيح!
لم ولن يندم الشعب الإيراني قط على إسقاط دكتاتورية الشاه، ولقد قرعوا طبول “الثورة” دائماً من أجل إسقاط الدكتاتورية في بلادهم، ورغم القمع والقتل إلا أنهم لم يتقاعسوا ولن يتقاعسوا، وهذه عملية قانونية وطبيعية لحركة الشعب من أجل الوصول لمرحلة النصر على الأنظمة الدكتاتورية، ويقول السيد مسعود رجوي في هذا الصدد: “المزيد والمزيد من الانتفاضات مع القتال تعني نيران وحركة متزايدة متصاعدة والنتيجة تحقيق هدف الإطاحة بالعدو في نهاية الأمر”؛ هذه هي طبيعة ومصير المعركة النهائي، والثورة التي تتقدم الأعلام المرفوعة منذ 42 عاما وبعد أن اجتازت آتون أفران الحمم البركانية؛ هي ثورة تتواصل مع مسير النهر الهادر بدماء شهدائه، تسير، تنكسر، تحترق، تُضرب، ثم تزدهر في كل مكان، وهذا هو الطريق حتى النصر.
دور النساء في انتفاضة الشعب الإيراني!
ومما يُميز الانتفاضة الشعبية الأخيرة عن الانتفاضات الماضية هو دور “النساء” في المشهد السياسي والمواجهة في وجه الدكتاتورية، وهي الحقيقة التي «كشفت عنها» المقاومة الإيرانية بشكل واضحٍ منذ عام 1989 وهو ما أحدث تحولاً كبيراً في صفوف مقاومة الشعب الإيراني، وبهذا الشأن يقول السيد رجوي: “في انتفاضة 2022 كسر تموضع المرأة قيود إقطاعية الملالي سائرة من أجل إيجاد مكانتها الحقيقية والضرورية وسط أنواع التعبيرات والتفسيرات الطبقية ووجهات النظر الاستغلالية” ولقد وجدت المقاومة الإيرانية خلافاً للتصورات الشكلية والمعايير السلعية لوضع المرأة، أوجدت المقاومة معايير تأهيل كريمةٍ جديرة بالمرأة على صعيد الممارسة الاجتماعية وفي النضال ضد الدكتاتورية.
إن قيمة كل شخص وتيار بشأن مسير النضال ضد الدكتاتورية هي بقدر المادة التي تُوضع في هذا المسير، وقد قال السيد مسعود رجوي في رسالته الأخيرة: إن المؤشر المُعتمد بالنسبة لنا هو القتال والمقاومة في مواجهة الاستبداد والاستعمار والرجعية؛ وضد الدكتاتورية، وضد التبعية، وضد الإستغلال”، وعليه فإن البديل الحقيقي في النضال ضد الدكتاتورية يولد من رحم الحرب والمقاومة في مواجهة الدكتاتورية بحيث تطأ الأقدام الشوارع وتكون القلوب في أوساط الشعب الإيراني، لقد انتهى عصر الخطابة وتكرار المتكرر للدكتاتورية والتبعية في إيران، وقد كان ذلك وهو متعارضاً مع طبيعة الحرية والاستقلال، ولا قيمة له في المجتمع الإيراني، ولقد ثبُت مرة أخرى في الانتفاضة الأخيرة للشعب الإيراني أن دعاة الدكتاتورية والتبعية في إيران أكثر فضيحة من أولئك الذين يتجهون إلى مكان ما بشعارات مزركشة وبراقة!
وبحسب قول قائد ثورة الشعب الإيراني الجديدة فإن البديل كما البناء الذي يحتاج إلى الحجر والمواد المتعلقة به، وله قوانينه الخاصة، ولا يمكن صناعة البديل بالدخان والتفوه والإدعاء، وأبلغ الكلام بهذا الصدد هو أن النظام الدكتاتوري المتسلط على إيران لن يسقط من تلقاء نفسه، وإن المواجهة مع الدكتاتورية ووجود بديل لها يتطلب كُلفةً وتنظيم قوى، ولن تسقط الدكتاتورية في إيران بتحديق النظر إلى الآخرين، عليك أن تشمر عن سواعدك وتحمي صدرك من أجل ذلك، ودفع قيمة ذلك بالكفاح الجاد وطحن العظام!
العنف أم غضب الناس!
لقد أثبتت التجربة أن أولئك الذين يحذرون الشعب الإيراني من اللاعنف، ويُظهرون بأن الغضب الثوري للشعب الإيراني ضد الدكتاتورية هو “عنف” هم أولئك البعيدون عن “الثورة” و”الشعب” ويريدون من هذا الطريق إخفاء طبيعتهم، ويتذكر الشعب الإيراني “كيف ذلك ولماذا” عارض خميني في حينها الكفاح المسلح ضد دكتاتورية الشاه وسرق قيادة انتفاضة الشعب الإيراني تحت شعار “كلنا معا” وفرض مرة أخرى دكتاتورية أكثر وحشية على الشعب الإيراني .
استراتيجية صحيحة وعملية!
وكما أن القتال ضد نظام دكتاتوري هو علم، فإن استراتيجية مواجهة الدكتاتورية هي مسألة اكتشاف أيضاً، وإن النصر على الدكتاتورية يكون أمراً ممكنا عندما يتم وفقا لهذا المبدأ، واستراتيجية وحدات المقاومة مُستمدةٌ من هكذا مبدأ أيضاً، وإذا كان إسقاط الدكتاتورية وإرساء الديمقراطية “خياراً ممكناً”، فلا جرم أنه مبنيٌ قائمٌ على هذا “الاكتشاف”!
وعلى ضوء هذا الاكتشاف تُصبِح “المُنازلة القهرية” ضد الدكتاتورية في إيران ضرورة لا بد من الرد عليها؛ ذلك لأن طبيعة “المنازلة” الـ”قهرية” قد فرضتها الدكتاتورية على الشعب الإيراني، وعلى كل شخص أو تيار كان قلبه في أيدي الشعب الإيراني أن يتصرف وفقاً لذلك، ولا يخشوا من استهزاء وخداع أولئك الذين يسترضون الدكتاتورية، وأي تسويف في فهمه وكشفه وتنفيذه هو أمر بنفع الدكتاتورية!
لقد جرب الشعب الإيراني هذه الحقيقة، ولهذا السبب هم متوثبون في ساحة النضال ويقفون في وجه الدكتاتورية على شكل وحدات المقاومة، كما أن “ربط السياسة بالشرف” هو أيضاً نتاج مباشر لمثل هذا النهج الذي يُثبت ديمومته ومستقبله في التاريخ.
وعليه فإن الرابح الاستراتيجي من الانتفاضة ضد الدكتاتورية هو المقاومة الإيرانية التي للنساء دوراً أساسياً فيها وكذلك ترتكز على استراتيجية صحيحة لها جذورها داخل إيران، وقد تمكنت من المضي قدما مُتماشية مع حقائق المسيرة.
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.