عبداللطيف محمدأمين موسى
إن رسم خارطة الصراع في الشرق الاوسط من أجل تعزيز النفوذ والسيطرة على المصالح والنفوذ هي تعبير حقيقي في إعادة تشكيل الخارطة السياسية للشرق الاوسط بما يتناسب مع تحالفات وتفاهمات إنشاء نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب، ولعل حرب العراق وإنهاء نظام صدام والحديث عن البقاء الدائم للقوات الامريكية في قواعد دائمة في الشرق الاوسط ومحاولات تقسيم سورية والعراق ولبنان ومصر وغيرها الكثير من الدول في المنطقة وحرب القاعدة وداعش، وكما أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر منذ تشكيل دولة إسرائيل والحرب في غزة التي تم أعادتها الى الواجهة على شكل حرب دموية من قبل جهات إقليمية ودولية إنما هو تعبير حقيقي في تجسيد تلك الخطط والاستراتيجيات المرسومة من الدول المتحكمة في القرار العالمي.
إن الخطط والأستراتيجيات التي لطالما روّج لها كيسنجر (مستشار الرئيس الامريكي السابق) في تقسيم المنطقة الى مشروع ما يسمى الشرق الاوسط الكبير المرتكز على الصراع الامريكي الروسي واستخدام إيران من قبل تلك الدول في تغذية الفوضى في المنطقة وتغليب حكم المليشيات واللادولة على الدولة، وخطط تقسيم النفوذ في الخارطة السياسية الجديدة في الشرق الأوسط قد استندت على معطيات تمهد الأرضية لها على شكل أحداث وايديولوجيات عبّرت عنها الربيع العربي في استغلال رغبة شعوب المنطقة الى التغير، وكما أن الحرب الدموية في غزة تعبير حقيقي عن مقدمة حقيقة لشكل الخارطة السياسية وتحالفاتها في المنطقة من خلال مشاهدة واستعراض المواقف الدولية التي تتشكل في دعم طرفي الصراع.
موقف الطرف الاساسي في الصراع حماس يتمثل في أن مقاومة غزة ستدخل التاريخ وستكون غزة كقوى أساسية في المنطقة بعد خروجها من الحرب أو إيقاف الحرب والتوصل الى وقف إطلاق النار بمساعدة بعض المنابر والمنظمات الدولية مستندة على وضع الإنساني للقتلى والظروف الصعبة للمدنيين، فهي تعتبر أن نجاح عملية اختراقها للحدود الإسرائيلية وكسر هيبة دولة إسرائيل انتصار عظيم لها في ظل عدم قدرة أي دولة في المنطقة من تحقيق اختراق لحدود وكسر هيبة الردع لدى إسرائيل .
الموقف الإسرائيلي يستند الى إعادة هيبة إسرائيل كقوة ردع عظمى في المنطقة ويتمثل ذلك في تصريحاتها بأن خارطة غزة لن تكون مثل ما كانت قبل هجوم السابع من أكتوبر في إشارة حقيقية لإنهاء حكم حماس والقضاء عليها، وضرب كل الداعمين لها كحزب الله،والتهديد بضرب إيران في عقر دارها وإنهاء حكم مليشياتها في المنطقة في حال دعمها لتوسيع الحرب ضدها.
موقف إيران يتمثل في إحداث قلق وتهديد لتواجد القوات الأمريكية في المنطقة دون الدخول في مواجهة مباشرة معها مع ضبط مسار مواجهة مليشياتها للمشاركة في الحرب أو فتح أي جبهة أخرى ضد إسرائيل، ويعد التراجع المتدحرج في موقفها بعد وصول البوراج وقوات الردع الغربية للمنطقة تعبيراً عن موقفها المحرج أمام حلفائها في عدم الدفاع عن حماس، فأي دخول مباشر لها في الحرب يعني إنهاء مشروعها المذهبي في المنطقة، وكما أن قصفها لاربيل ومناطق في سورية والعراق ولبنان واليمن لتوجيه رسائل بأنها تملك مفاتيح ملفات تلك المناطق.
الموقف الأمريكي حاسم وصارم منذ اليوم الاول من أحداث غزة والمتمثل في الدعم الكامل لإسرائيل وإرسال قوة ردع كبيرة إلى الشرق الأوسط ، أما الموقف العربي تمثل في موقف خجول ينبع من بعض المبادرات الإنسانية في الهيئات الدولية وسعيها في عدم التورط في الصراع بسبب الظروف والمصاعب الداخلية التي تعاني منها بعد تغيرات الربيع العربي في أغلب تلك الدول.
من خلال عرض المواقف الدولية للحرب في غزة فإن خارطة التغيير السياسي بعد الحرب يعتمد على مدى اتساع الصراع ومدة دخول إيران في الصراع، ولايخفى على القارئ الكريم أنّ رسم الخارطة الحالية للمنطقة بعد ظهور داعش في المنطقة 2014 تمثل في اتفاق امريكي إيراني غير معلن عرابها مبعوث أوباما للمنطقة بريت ماكورك الذي عمل على اعطاء الضوء الاخضر لإيران في تشكيل مليشيات في كل من العراق وسورية وتقوية حزب الله ودعم الحوثي تحت مسمى محاربة داعش، ولكن من وجهة نظري كانت الغاية الأساسية هي التمهيد للفوضى من أجل تهيئة الأرضية وتوفير الظروف لإحداث تغيرات في الخارطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط مستندة على رغبة الشعوب في التغيير والانتقال إلى الديمقراطية.
إن قوة الردع الكبيرة للتحالف الدولي في المنطقة الهدف منها إعادة الوجود والاهتمام الأمريكي للمنطقة الذي تناقص لصالح الوجود الروسي منذ 2015.
في المحصلة يمكن القول بأن المنطقة في الشرق الأوسط مقبلة على احتمالات كثيرة تعتمد على مدى اتساع الصراع في غزة وكم من الوقت ستنأى إيران بنفسها في الدخول المباشر من خلال الامتناع والمشاركة في الحرب الدائرة في ظل الضغوطات التي تتعرض لها من حلفائها ومليشياتها كقوة ممانعة ومقاومة، وترك حليفتها حماس ومدى رغبتها في التضحية بها لتثبيت مصالحها، أم أنها ستمتد الى مواجهة شاملة تسعى فيها امريكا الى ضرب كل مليشيات إيران ووكلائها في المنطقة وعندها ستبقى كل من سورية العراق لبنان واليمن مقبلة على تقسيم في ظل الفوضى التي أدخلتها مليشيات إيران لتلك الدول فيها .