صلاح بدرالدين
جذور المشكلة
مايحصل الان ومنذ احدى عشر يوما من المواجهات العنيفة ليس الا فصلا متكررا من ماساة الشعب الفلسطيني منذ عام ١٩٤٨ ، واحتلال وطنه التاريخي ، وتهجيره ، وحرمانه من حقه المشروع في العودة وتقرير المصير ، وامتناع إسرائيل عن قبول كل القرارات الدولية وخاصة المتعلقة بحل الدولتين ، وبعد مؤتمر – مدريد – عام ١٩٩١ الذي دشن السلام العربي الإسرائيلي بدات إسرائيل باالاكتفاء بالالتزام – المبتور – ببنود اتفاقية أوسلو المبرمة بين القيادة الفلسطينية بزعامة الراحل ياسر عرفات ، ومشاركة الرئيس – أبو مازن – عام ١٩٩٣ التي تمخضت عنها نوعا من الحكم الذاتي المنقوص المتجسد في قيام السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ، والتي تلتزم بالسلام وبمبدأ حل القضية الفلسطينية عبر الحوار ، والنضال السلمي ، وليس عن طريق العنف والمواجهات المسلحة .
حركة حماس
هذه الحركة او – حزب الاخوان المسلمين الفلسطيني – وتوأمها – حركة الجهاد الإسلامي – الأكثر تطرفا ، موضوعة في قوائم الإرهاب الغربية ، ولم تكن جزء من منظمة التحرير ، بل ناصبتها العداء ، وانقلبت على الشرعية الفلسطينية في قطاع غزة منذ عام ٢٠٠٥ ، واستفردت بالتسلط على اهل غزة بقوة السلاح ، والترهيب ، ونسجت علاقات تبعية وموالاة مع نظامي طهران ودمشق وميليشيا حزب الله ، وأصبحت جزء من محور – الممانعة – وذراعا عسكريا لحكام طهران ، واداة في خدمة مشروعهم القومي – المذهبي بالمنطقة ، كما انها ناصبت الثورة السورية العداء ، واتخذت مواقف سلبية تجاه القضية الكردية بالمنطقة .
هذه الحرب الدائرة بين من ومن ؟
الجانب الإسرائيلي يقول انها حرب مع حركة حماس ، ولن نتوقف الا بعد القضاء على مؤسساتها العسكرية ، والأمنية ، والإدارية المنتشرة بعضها في الانفاق ويطلق عليها ( مترو غزة !!) وفي المدينة المكتظة بالسكان الذين قد يبلغون نحو مليونين وهم سيتحولون بكل اسف الى وقود هذه الحرب ، والرئيس الفلسطيني المنتخب ، والقيادة الشرعية الفلسطينية ، ملتزمون بحق فلسطين بالاستقلال الناجز وإقامة الدولة ، ويؤكدون انهم ملتزمون بمبدأ الحل السلمي ، والمقاومة المدنية ، ويدينون قتل المدنيين من الجانبين ، كما يؤكد على نفس المواقف بشكل واخر جميع الأطراف الخارجية المؤيدة لإسرائيل على طول الخط مثل الولايات المتحدة الامريكية ، وبلدان الاتحاد الأوروبي ، ويعلنون ان حركة حماس لاتمثل الشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة .
سيناريوهات محتملة
الأول – وضع ترتيبات لمابعد – حماس – وذلك بمضي الجيش الاسرائلي في مخططه العسكري حتى تحقيق الهدف الرئيسي وهو القضاء على حماس ، ثم الانتقال الى الجانب السياسي باستكمال المشروع الابراهيمي الذي دشن العلاقات الإسرائيلية مع مجموعة من الدول العربية الخليجية ، وإرساء حل متوافق عليه من ضمنه مبادرة حل الدولتين أي إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ، وتحقيق نوع من السلام بين إسرائيل من جهة ، والفلسطينيين والدول العربية من الجهة الأخرى ، وقد عمل على ذلك وزير الخارجية الأمريكي خلال تنقلاته المكوكية بين دول المنطقة ، وكان المفترض ان تستكمل الخطوات التمهيدية خلال زيارة الرئيس الأمريكي واجتماعه مع بعض الزعماء العرب والرئيس الفلسطيني ، ولكن بروز عاملان مفاجئان اديا الى تأجيل المضي بالمبادرة من دون الغائها وهما : الانفجار ( الغامض ) الذي حصل في باحة مستشفى الأهلي المعمداني وسط غزة ، وكذلك مسالة النزوح الفلسطيني الى مصر والأردن .
هناك معلومات متداولة تشير الى ضلوع ايران في تفجير باحة المعمداني عبر ذراعها الأقرب – حركة الجهاد الإسلامي – وذلك لقطع الطريق على المبادرة السالفة الذكر ، ومضاعفة التعقيدات امام أي مشروع غربي عربي لإنقاذ الوضع ، ومما يعزز هذا الاعتقاد فان الذي يقوم بجريمة تفجير الكلية الحربية في حمص لاسباب سياسية مصلحية بامكانه تفجير باحة المعمداني بل اكثر من ذلك .
الثاني – توسيع جبهات الحرب ضد إسرائيل من جهة لبنان ، وسوريا ، وايران ، وهو احتمال ضئيل بنظر المراقبين بسبب الموقف الأمريكي الرادع خصوصا ، والغربي عموما ، والاستعدادات القتالية الجارية في البحار ، وتقديم المساعدات العسكرية السخية لإسرائيل وبينها احدث واخطر أنواع الأسلحة ، ولان النظام الإيراني يتحاشى هذا السيناريو المرعب الذي قد يتم فيه تغيير الخارطة الجيوسياسية في كل من لبنان ، وسوريا والى حد ما بالعراق ، وهو لن ينتقل من الدعاية الإعلامية المزايدة الى الواقع العملي على الارض حفاظا على مصالحه وامنه القومي ، والرغبة في استعادة أمواله المجمدة ، خصوصا وانه عودنا منذ عقود على استخدام اذرعه ، واتباعه ، في لبنان ، وفلسطين ، والعراق ، واليمن ، وسوريا .
الثالث – كشفت هذه الحرب التي مازالت مستمرة عن مفارقات عديدة من ابرزها ان حالة الحرب في إسرائيل لم تمنع المعارضة من انتقاد الحكومة والجيش على التقصير ، الى درجة اتهام احد ضباط الاحتياط رئيس الحكومة بالكذب خلال جولة في محيط غلاف غزة ، وكذلك اعلان رئيس المخابرات الإسرائيلية الاعتراف بالفشل ، وتحمل المسؤولية ، وضرورة المحاسبة ، في حين لم يسمع احد ولو ملاحظة عابرة من أهالي غزة حول أداء وممارسات سلطة حماس ، ومعاناتهم جراء تواجد مراكزها العسكرية في بعض المناطق الاهلة بالسكان ، او طرح تساؤلات حول مدى تصور عواقب هجوم السابع من أكتوبر ، والنتائج المترتبة ، والاحتمالات الأسوأ خصوصا بفقدان الماء ، والكهرباء ، والمواد التموينية التي تشكل أساسا عوامل الصمود واستمرارية الحياة .
ستبقى القضية الفلسطينية عادلة
ازدهرت علاقات التضامن ، والتفاعل ، والنضال المشترك بين حركتي الشعبين الكردي والفلسطيني في بدايات ظهور منظمة التحرير ببرنامجها الذي جسدت موقعها كجزء فاعل في حركات الشعوب التحررية ، ووجدت حلفاء وأصدقاء من سائر ارجاء المعمورة ، وبكل اعتزاز أقول اننا كحزب آنذاك وعلى الصعيد الشخصي كنا من أوائل الحركات الكردية التي نسجت معها العلاقات الأخوية النضالية ، وعززت علاقات الصداقة المتينة مع قادتها الأوائل : ياسر عرفات ، وأبو اياد ، وأبو جهاد ، وجورج حبش ، ونايف حواتمة ، وغيرهم بالعشرات ، ولكن وبعد ظهور – حماس – والتغلغل الإيراني في صفوف بعض الفصائل ، ومحاولة حرف الحركة الوطنية الفلسطينية عن دربها التحرري السليم ، واستبدال طابعها النضالي بصراعات دينية تتكامل مع التيارات المماثلة بالجانب الإسرائيلي ، نقول بعد ذلك وبكل اسف تراجع الكثيرون من مؤيدي القضية الفلسطينية ، وانني شخصيا جاهرت أصدقاء من القيادة الفلسطينية حول هذا الامر ، ولكن كل ذلك لن يحول دون الدعم الكامل لنضال الشعب الفلسطيني الصديق في حقه بتقرير المصير ، ورفض كل اعمال الإبادة العنصرية والتطرف ، وايذاء المدنيين من أي طرف كان .