زاكروس عثمان
كشف انحياز شرائح من الكورد إلى الفلسطينيين بشكل متسرع وغير مدورس، كشف عن مدى ضحالة الفكر السياسي الكوردي وتخلفه عن المدارس السياسية الحديثة، بقدر ما كشف عن وجود ثغرة كبيرة في بدن حركة التحرر الكوردستاني، جعلت الاحزاب الكوردية الكبيرة قبل الصغيرة مُختَرَقة من العمق، إلى درجة تبعية قادة هذه الاحزاب لدول اقليمية تنكر القضية الكوردستانية، حيث زاود هؤلاء القادة دون تبصر على الاطراف الاخرى العربية والاسلامية في موقفهم من حرب 7 اكتوبر 2023 الدائرة بين الاسرائيليين والفلسطينيين، ولا اظن ان هذا التهافت المبالغ فيه على الفلسطينيين يخدم القضية الكوردستانية، كذلك لا يعبر عن رأي الشعب الكوردي، بل موقفهم يعبر عن اجندة ومصالح الدول المناوئة للقومية الكوردية.
الا يدل ذلك على ان الكورد المحترفين للسياسة يجهلون استثمار الازمات والفرص لبناء مواقف سليمة متوازنة تحقق مكاسب للقضية الكوردستانية، من خلال السعي إلى تقليل عدد الخصوم وكسب اصدقاء جدد او على الاقل عدم خلق اعداء إضافيين، للأسف ما زال السياسي الكوردي بعيد عن كل هذا، تراه يتعاطى مع المسائل الاقليمية والدولية بنفس طريقة تعاطيه مع مشكلة في عشيرته او قريته، و يحدد علاقاته مع القوى الخارجية بنفس العقلية التي تحدد علاقاته مع شيخ عشيرة او رجل دين او زعيم قرية، كانه لم يعرف السياسة وفنونها ولم يسمع بالدبلوماسية وحنكتها، لان السياسي الكوردي لا يحتاج إلى دراسة الفكر السياسي المعاصر طالما طموحه محصور في تأمين منصب يدر عليه اموال وفيرة ويشبع تعطشه إلى الزعامة، وإذا تداول القضية الكوردستانية فانه يحركها وفق ما يخدم مطامحه تلك, وليس للسعي إلى انجاز كبير يتطلع إليه شعبه.
قد يقول قائل: ولكن هناك اطراف كوردية شتى من تيارات ومشارب متباينة ـ متباعدة اعلنت تعاطفها مع الفلسطينيين، وبالتالي فان لكل طرف اسبابه و دوافعه الخاصة، إذ خرجت تصريحات غير مسؤولة من جهات كوردية المفروض بها بحكم موقعها ان تكون اكثر حرصا لكنها لم تكتفي بالتعاطف مع الفلسطينيين بل حاولت غمز ولمز الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل، بالنسبة للعوام الذين تظاهروا هنا وهناك فقد تم قيادهم بدافع العاطفة الدينية نصرة الاقصى!!، اما جماعات الاسلام السياسي سواء الاخوانية او السلفية فإنها خرجت بإيعاز من العواصم الراعية للإرهاب لنصرة حركة حماس الارهابية، يذكر ان هذا النوع من التنظيمات الموجودة في كوردستان لا تمتلك اجندة قومية كوردية.
صحيح كل من خرج له دوافع مختلفة، ولكن الصفة التي تجمع الكل سواء العامي، الاسلاموي، العلماني او القومي هي انهم كورد، لهذا موقفهم يحسب على الكورد كلهم، لن يقول المراقب الامريكي او الاسرائيلي: ان بعض الكورد تعاطفوا مع الفلسطينيين ضدنا بل سيقولون الكورد فعلوا ذلك، يعني ان الكوردي الجيد في نظر واشنطن وتل ابيب سوف يذهب بجريرة الكوردي السيء الذي وقف في الجهة الخطأ، ولو ان الكوردي مهما كان مشربه الايديولوجي عرف الف باء السياسة ما كان يغضب الاسرائيليين بموقفه الخرائي، لم يكن مطلوبا من الكورد التعاطف مع الفلسطيني ولا ذم الاسرائيلي، ففي هذه المسألة بالذات فان الموقف الاصوب والانسب للكوردي هو النأي بالنفس، كي لا يغضب الفلسطينيين ومن خلفهم الدول العربية و الاسلامية، ولا يزعج الاسرائيليين ومن خلفهم الدول الاوربية وامريكا، مع العلم ان مصلحة الكورد تكمن في الانحياز لإسرائيل، لأسباب غير خافية على احد وهي.
ـ اسرائيل لا تحتل اراض كوردية ولا تقتل الكورد، بل العرب والترك والفرس يفعلون ذلك.
ـ اسرائيل تواجه دول عربية، ايران, تركيا، وهي نفس الاخطار الوجودية التي تهدد الكورد، لهذا هناك مصلحة قوية تجمع بين الكورد والاسرائيليين.
ـ اسرائيل دولة تملك اليد الطولى في مراكز صنع القرار العالمية، ما يمكنها من التأثير ايجابا او سلبا على الملف الكوردستاني.
ـ لم يحدث على المستوى الرسمي او الشعبي ان فلسطيني تعاطف مع الكورد اثناء تعرضهم للمذابح والكوارث بل انهم دائما وابدا ايدوا الطغاة الذين ارتكبوا هذه الجرائم، باركوا صدام على قصف كوردستان بالكيماوي، حرضوا على كره الكورد بإطلاق اسم اسرائيل الثانية على كوردستان، تكاتفوا مع اردوغان على بناء مستوطنات عربية ـ تركمانية في اراض كوردية.
ـ يطالب الفلسطيني بحق تقرير المصير ودولة مستقلة، ولكنه ينكر حق الكورد الشرعي في تقرير المصير والاستقلال، مع ان الكوردي منذ عقود اعترف له بهذه الحقوق، اما الاسرائيلي فان لم يعترف بعد بالحق الكوردي فانه على الاقل لم ينكره.
يتبع