صلاح بدرالدين
لمحة تاريخية سريعة
منذ ترسيم حدود اتفاقية سايكس – بيكو عام ١٩١٦، وماتلاها من قرارات دولية، وتعديلات، ثم اعلان استقلال دولة سوريا التي استحوذت جزء من الكرد ووطنهم التاريخي بقرار من دول الانتداب والاحتلال وخصوصا ( فرنسا وبريطانيا العظمى ) ومن دون إرادة، ورغبة، وحتى استمزاج مواقف، لا العرب السوريين، ولا الكرد، ولا توفير شروط، وأسباب تحقيق الشراكة الدستورية، والقانونية، والحقوقية، او قاعدة مدروسة متينة واضحة للعيش المشترك في اطار الدولة الوطنية الواحدة، وسارت بعد ذلك حكومات الاستقلال على نهج تجاهل الكرد كشعب وجودا، وحقوقا الى يومنا هذا.
التماسك مقابل الانقسام
بقاء الكرد السوريين من دون حصانة، كمكون من دون ضمانات دستورية، وقانونية دفع الأمور باتجاهين مختلفين:
الأول – تماسك الكرد في مختلف مناطقهم الجغرافية المرسومة الحدود من ديريك الى راجو مرورا بكوباني، ( في الاغلب عشوائيا ولكن مدروسا ) كما ذكرنا من جانب المستعمرين، وانبثاق حركة سياسية كردية موحدة بمشاركة كل مناطق التواجد الكردي منذ أواسط عشرينات القرن الماضي المتجسدة في حركة – خويبون – والتي انبثقت في مرحلتها الأولى من القامشلي ثم لبنان بمرحلة لاحقة، وامتدادها ( الحزب الديموقراطي الكردستاني ) أواسط الخمسينات.
والثاني – سهل للأنظمة والحكومات السورية اللاديموقراطية المتعاقبة المشبعة بالنزعة الشوفينية – العنصرية، الاستبدادية تطويق الحركة الوطنية السياسية الكردية المناضلة من اجل الاعتراف بالكرد كشعب، والحقوق القومية، والديموقراطية، واستحقاقات الشراكة مع العرب السوريين في السلطة، والثروة، والعمل على تقليص جغرافيا المناطق الكردية، وتوسيع الهوة بينها من خلال اطلاق مخططات تغيير التركيب الديموغرافي، والحزام العربي، والاحصاء الاستثنائي، ثم اختراق الحركة الكردية، وشق احزابها .
تقسيم الكرد من صناعة النظام
وهكذا نجد ان عملية تعميق الانقسام الكردي من صنع الانظمة السورية الحاكمة خصوصا نظام البعث الاسدي وبطله بالمرحلة الأولى – محمد منصورة – الذي افرز الكرد الى ( جيدين وسيئين )، ونجح في استمالة – مسؤولين – ببعض الأحزاب الى جانبه، ودفع البعض الاخر الى شق احزابهم لقاء منافع مادية ومواقع كما حصل في ( الاتحاد الشعبي )، وفي مرحلة لاحقة بعد اندلاع الثورة السورية المغدورة اكمل – اصف شوكت – مابداه زميله – منصورة – بجلب مسلحي – ب ك ك – حيث تزامن مع ذلك توسيع خطوات التغيير الديموغرافي، ومضاعفة موجات التهجير، والنزوح من المناطق الكردية، وتوسيع الفجوة بين الجزيرة، وكوباني، وعفرين حتى تتحقق ( استحالة تطبيق أي حل للقضية الكردية بحجة ان مناطق الكرد متباعدة جغرافيا ) وإيجاد بدائل مثل ( شرق الفرات وشمال شرق سوريا ) والامعان في اظهار ان الكرد من اقل المكونات عددا .
عوامل أخرى وراء الانقسام
الأحزاب الكردية في طرفي الاستقطاب ( ب ي د – انكسي ) وبسبب السلوك السياسي الخاطئ لسياساتها، والتناحر الأيديولوجي بين صفوفها، والتبعية لاجندات الخارج، وتوزع ولاءاتها هنا وهناك، وعلاقاتها المرئية والسرية مع أجهزة النظام، وغياب الديموقراطية في تعاملاتها مع الشعب، ورفض الحوار الكردي الكردي الديموقراطي، ونبذ المختلف بل تخوينه، والتراخي بشكل عام امام نظام الاستبداد، والهجرة المتواصلة منذ عقد بسبب الأوضاع الأمنية والمعاشية، نجد من نتائج ذلك المزيد من الانقسامات بين كرد المناطق المختلفة من جهة وكذلك في صفوف الحركة السياسية بسبب الولاءات، والمال السياسي.
التموضع الشللي المناطقي
الأفق الضيق لمتزعمي أحزاب طرفي الاستقطاب، والموالاة المطلقة للمانحين من وراء الحدود، ومنح الأولوية للفائدة الشخصية مهما كان الثمن، يشكل الدافع لاضاعة البوصلة، وفقدان أي توجه لاكتشاف وصياغة المشروع الوطني الكردي السوري، والالتزام باهدافه القومية والوطنية، ومراعاة التوازن بين مختلف المناطق الكردية السورية، مما يخلق ذلك ردات فعل اكثر تشددا في – مناطقيتة – من عناصر تعتبر نفسها متضررة، ومغبونة، والبعض منها تركب الموجة للوصول الي الاندماج في الحالة الحزبية السائدة .
ان ماتخلقه الأحزاب الان من انقسامات ( عامودية وافقية ) هي من اخطر أنواعها، بل من شانها انهاء القضية الكردية كمسالة شعب واحد وله حركة وطنية واحدة، واهداف ومطامح موحدة، وتعتبر مكملة لما حققه النظام بل ان ماتنتجه كان النظام قد عجز عن تحقيقه طوال عقود.
بدانا نسمع أصواتا من هذه المنطقة وتلك تدعو الاخرين الى عدم التطرق الى شؤونها وشجونها، وتنادي بالاقليم الفلاني في حين ان كرد جميع المناطق لم ينجحوا منذ عقود في اعتبارهم من سكان إقليم كردي واحد معترف به، وبدانا نرى تكتلات مناطقية صرفة ( مطهرة )، واحزابا قيد التشكيل والاعلان تنطبق عليها صفة ( الجزراوي والكوباني والعفريني )، انه تقزيم ممنهج للفكر القومي، وتقسيم للقضية القومية، وللأسف الشديد يقف من وراء هذا التراجع المخيف أناس يعتبرون انفسهم من النخب الثقافية – السياسية، فمواجهة الخطأ بالخطيئة ليس حلا بل تفاقما بالازمة.