سيناريوهات ما بعد النخبة..

خالد جميل محمد

بعيداً عن إشكالية السِّجال العقيم بخصوص تعريف أو وجود (نخبة) حقيقيةٍ في مجتمعاتنا أو عدمِ وجودِها، يمكن افتراضُ أن ثمة نخبةً تمثِّل انعكاساً لواقعٍ تهيمن عليه منظومات عقلية وسياسية وتنظيمية، لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن تفسح مجالاً لظهور نخبةٍ تحمل بذور تغيير محتمَل لا تُرى مؤشِّراتُه في الآفاق المنظورة، ومن هنا جاز القول إن ما نادت به (النخبة) المفترَضةُ، في ما يتعلّق بضرورة بناء العقل وتفعيله، وخَلْقِ الشخصية السويَّة لإنسان هذي المجتمعات، ضاعَ في غبار الصراعات العبثية بين جميع الأطراف التي زعمت أنها حاملة التغيير، وزادت على ذلك بأن ساهمت في قمع ما كان يُؤَمَّل أن ينتج نخبة، ومَسخِ ما بقي سليماً معافى من التشويه الذيطال جميع مفاصل الحياة.
فَصلُ الكلام أنّ بلادَنا ومجتمعاتِنا الهَشَّةَ بِفَساد أنظمتِها السياسية، الاقتصادية، الإدارية، الاجتماعية، الفكرية، الثقافية، الإعلامية، التربوية والتعليمية، وخَلْخَلَةِ علاقاتِ عناصرِها ومقوّماتِها، باتتْ أمام طريق مسدود، لا مجالَ لاحتمال حدوث أو إحداث أيِّ تغيير في بنيتها من الداخل، وذلك لهيمنة عقليات وبرامجَ فرضتْها عواملُ خارجيةٌ مستفيدةٌ من استمرارها، بل يتعذر أن تنزاح تلك العَقْلِيَّاتُ / العقباتُ لتفسح المجال لتغيير لم تُهيَّأْ له أرضيةٌ أصلاً، ولا تُرى إرهاصاتُه على المدى المنظور، تغييرٍ ينتقل بهذي البلاد والمجتمعات المنكوبة، من اللاأمل إلى بصيص من أمل في بناء حياة أجمل ومجتمعات يشعر فيها المرء حقاً بكرامته الإنسانية وبالعدالة والقانون. 
في هذا السياق، بعد أن غابت أو غُيِّبت أو أُجهضت بذور النخبة في مجتمعاتنا، يمكن التنبّؤ بسيناريوهات، منها: أنْ تَحدُثَ حربٌ عُظمى، تقضي على الظالم والمظلوم معاً، ويدفع الجميعُ ضريبةَ جَشَعِ فئات قليلة لا تكفُّ عن الاستغلال، والنهب، والاحتكار، ونشر الخراب والمخرِّبين.. ومنها أيضاً أنْ يظهر من بين الأنظمة والتنظيمات الحاكمة المتحكِّمةِ، مُخْلِصٌ مُخَلِّصٌ يُعلن حرباً حقيقية على أسباب الفساد والانهيار في القيم والمبادئ والأخلاق والتربية. يضاف إليها أنْ تنتظر هذي المجتمعاتُ المنكوبةُ حتفَها آجلاً أو عاجلاً، وهي التي انبثقت منها عناصر “فسادها وإفسادِها” المُزْمِنَينِ، ولا يُسمَع فيها صوتُ العقل، والحق، والعدل، والضمير، بعد أن فَقَدَت الأغلبية الساحقة أمل التغيير.
أمّا ما يقال عن دَوْر النُّخبة، فقد بات ضرباً من المثالية، بل فاتَ أوانُ الحديث عن ذلك الدور المفقود وتلك النخبة المُهَمَّشة المُهَشَّمة المشتَّتة المقموعة المَقْصِيَّةِ المُنقَسِمَةِ بعضُها على بعضٍ أصلاً. فما نادت به النخبة ذاتَ قمعٍ، ضاع في غبار الصراعات العبثية بين جميع الأطراف التي زعمت أنها حاملة التغيير، وقد لا يكون أمام هذي المجتمعات إلا حَربٌ هالِكةٌ مدمّرةٌ تُنهي كلَّ شيء، وتكونُ الحلقةَ الأخيرة من مسلسل هذا الدُّوار العبثي. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…