صلاح بدرالدين
تم تنظيم مؤتمر توحيدي (لليسار واليمين) في الحركة الكردية السورية كما اعلن من جانب الاشقاء في صيف ١٩٧٠، او ما اطلق عليه مؤتمر – ناوبردان – (وهو مجمع لمراكز حزبية وإدارية يقع على تقاطع نهري بالقرب من بلدة كلالة – منطقة بالك) وعلى الطريق الرئيسي الى– حاجي عمران – الواصل الى ايران، ويقع ضمنه أيضا قصر السلام الذي تم التوقيع فيه على اتفاقية الحكم الذاتي من جانب الزعيم الراحل البارزاني، وصدام حسين .
بعد المؤتمر بعدة اشهر الذي كان من قراراته استبعادي مع ثلاثة آخرين كما هو معروف ( محمد نيو – حميد درويش، رشيد حمو عليهم الرحمة)، التقيت بالمرحوم ادريس بارزاني المشرف على ملف العلاقات القومية والذي كان صديقا مقربا، ومتفهما، وودودا، واقترحت عليه ان يحدد لي موعدا مع الزعيم الراحل لاستئذانه بالمغادرة الى أوروبا لاستكمال دراستي الجامعية فاجابني: انت لا تحتاج الى موعد وتفضل معي لمقابلة الوالد،
ودخلنا عليه سوية فرحب، واستفسر عن الصحة والاحوال، ثم اخبرته عن رغبتي باستكمال الدراسة بالخارج، وبعد برهة اجابني : لماذا لا تبقى بيننا وبامكانك تحمل مسؤوليات اما بالمكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردستاني، او بالمكتب التنفيذي ( وكان بمثابة مؤسسة سياسية، عسكرية، إدارية، واسعة تضم ممثلي مختلف المكونات، والشخصيات الوطنية والاجتماعية المشاركة في الثورة )، فاجبته: اذا كنت لا اصلح للحركة الكردية السورية، فلن افيد الحركة هنا أيضا، شعرت انه تأثر من كلامي ونظر الي بتقدير وتفهم، وبتعاطف واضح من موقع مسؤولية، وحرص كبير العائلة قائلا : اذا كانت هذه رغبتك فلن امانع وتوجه الى – ادريس – بالقول : جهزوا رسالة باسمي الى سيدا ( الشهيد ) صالح اليوسفي الذي كان عضو مكتب سياسي بالبارتي، وزيرا بحكومة بغداد باسم الكرد، ليقدم ما يلزم من ترتيبات ( جواز سفر عراقي، ومنحة دراسية في المانيا الديموقراطية )، واستودعته، وانتقلت الى مكتب – ادريس – حيث جهز الرسالة المطلوبة، وتحدثنا مطولا حول ما جرى في مؤتمر – ناوبردان – الذي لم يكن راضيا عن نتائجه، ومجرياته المفاجئة، واخبرني تفاصيل حصلت من وراء الكواليس لم اكن اعلمها ، ونشرت بعضها في مذكراتي، واحتفظ بالباقي حيث لا ارى مصلحة في الكشف عنها.
لماذا رفضت عرض الزعيم الراحل ؟
قد يقول البعض ان أي واحد كان يتمنى تبوؤ موقع قيادي هناك وهذا صحيح اذا اخذنا الامر حسب المصلحة الشخصية، وبالنسبة لي لم يكن وضعي الخاص في اولوياتي على الاطلاق، ثم ان انتسابي الى مؤسسات الاشقاء هناك من عدمه لم يكن يؤثر على مصير الثورة والحركة هناك، وكنت ملتزما بمبادئ، واهداف الحزب الذي شاركت في تجديده منذ عام ١٩٦٥، والمشاركة في قيادته، وتطويره، كما كنت وفيا لشعبي الكردي السوري الذي انجبني، ومناضلا من اجل نصرة الثورة الكردستانية في العراق وقائدها الشرعي الزعيم البارزاني، ومؤمنا بالتعاون والتنسيق بين اطراف وأحزاب الحركة القومية الكردية في الأجزاء الأربعة على قاعدة الاحترام المتبادل، وتفهم خصوصية كل جزء، وقبول الاخر حتى لو كان مختلفا سياسيا، وكنت حريصا على صيانة، واستقلالية الشخصية الكردية السورية، لذلك لم يكن واردا في كل حياتي السياسية ان اتخلى عن اولوياتي القومية، والوطنية، وعن موقعي ومكانتي في حركتي الكردية السورية التي ابقى اعتز بها مهما لاقيت من صعوبات، ومخاطر، وتهديدات .
لقد واصلت طريقي بحسب قناعاتي السالفة ذكرها حتى يومنا هذا ودفعت ثمنا باهظا على حساب مصالحي الشخصية والمقربون مني يعلمون ذلك، وان كنت رفضت الانضمام التنظيمي الى مؤسسات الاشقاء في كردستان العراق في ظروف الثورة التي كانت تتطلب التضحية والفداء، فقد واصلت النهج ذاته في ظروف السلطة الفيدرالية، وزمن الرخاء الاقتصادي والسلام، حيث بقيت قريبا من قيادة الإقليم، ومساعدا منذ نحو ( ٢٥ ) عاما، وقدمت كل امكانياتي الفكرية، والسياسية في سبيل صيانة وتطوير الوضع القائم هناك، ولم افكر يوما ولو للحظة بموقع رسمي، بالحزب والحكومة، ومختلف المؤسسات، لانه كما ذكرت يعلم الاشقاء منذ عقود وخلال التعامل معي ان اولوياتي لن تتغير، وان قضيتي الكردية السورية ستبقى في سلم الأولويات أينما كنت، وحيث ما حللت، وهذا مبعث فخري واعتزازي، رغم ان البعض لم يكن يروق لهم ذلك .
وليعلم الجميع انني عندما ارفع شعار صيانة الشخصية الكردية السورية، وتعزيز وتوحيد الحركة الكردية السورية وإعادة بنائها، واستقلالية قرارنا، ورفض التبعية فقد بدأت من نفسي أولا، وطبقته على نهجي الفكري، وسلوكي السياسي منذ عقود وحتى الان.