ياسر إلياس
لا ريب أن كل من يجيل بنظره إلى الواقع المزري الذي تعيشه شعوب المنطقة منذ قرون لاسيما في القرن المنصرم و حتى يومنا هذا، يمكنه بسهولة شديدة وضع إصبعه على مكامن الخلل، و العوار، و الفساد من وراء طوفان الخراب العميم الذي يسود المنطقة .
مناسبة هذا الفيض السردي الفضاء الآسن المخنوق بثاني أكسيد فحم الفكر الدوغمائي في بعده القومجي و الديني كمسببات تثبيتية لكل الاستبداد و التخلف و الرجعية و الانحطاط طوال عهود من الزمن . يقول زهير سالم كبير سحرة جماعة الإخوان المسلمين:
((كل صباح…كل مساء…فلسطين من نهرها إلى بحرها مسلمة عربية شامية .. كانت وستبقى..))!
بطبيعة الحال كل ماعدا الإسلامي و العروبي هو دخيل غريب، عدو، و خطر يستوجب المعاداة و الحرابة .
زهير سالم
ليس في اسمه صوت واحد عربي
و لم يستطع ذووه المحافظة على عروبة اسمه
كما لم يستطع هو وحزبه الفاشي المحافظة على شجرة زيتون واحدة فكيف به و هو يتشدق بالمحافظة على عروبة (پالستاين) فلسطين! أهم شيء عروبة فلسطين!
بعض الناس
كلما زاد شيبهم زاد عيبهم
و كلما كبر رأسهُم زاد بؤسهُم
زهير سالم
Zahor: za+hor
شمس الظهيرة بالكردية، ضياء الشمس
زاهور
سالم = sax
Saxlem
موجودة الكلمات في الآفستا و اللغة الكردية كأصل لما انبثق عنها لاحقاً في اللغات الأخرى .
موجودة في السنسكريتية أيضاً .
هؤلاء دمروا كل حضارات الشرق بخيالاتهم المريضة
و أوهامهم التي لا تمت للواقع بأي سند !
أصعب شيء على البدو هو التعايش مع الآخر، هذا شيء يستحيل على البدوي الانسجام معه أو التأقلم عليه .
غزا البدوي الآخر منذ ١٤٠٠ سنة، و جثم على صدره و قلبه و بنى كل أمجاده الخلبية على حضارة الآخر ( ثرواته- ثقافته- جهده- دمائه) و مع ذلك لم يحاول البدوي و لو للحظة واحدة الالتفات إلى هذا الآخر، و لم يحاول أو يرد معرفته أو التعرف عليه برغم كونه في عقر داره، ينهل من ثمرات خيره و يتفيأ بجود فضله !
كل ما فكر فيه البدوي و جهد نفسه فيه على الدوام هو كيف يقضي و يفني و يمحي هذا الآخر !
البدوي دائماً قلق من فقدان ما امتلكه بالسطو و السلب و الغزو، نزعة قلق رهابية عصابية فطرية موروثة من قساوة العيش في القفار المجدبة لمئات السنين .
في الفكر البدوي كل المحيط الخارجي هو عدو طالماً أنه ليس من عرقه و لغته و دينه، و شكل العلاقة المرسومة في دماغه مع الآخر هو شكل الصراع الصفري ( إما أنا أو أنت ) أفنيك أو تفنيني، لا تهنأ له الحياة بالأنغام و الألحان و الأصوات و الألوان التي لم تندبغ برياح رمال الصحراء الجافة، لطالما شبع البدوي يوماً و جاع عشراً، فكان القتل للاقتيات حالة طبيعية لاستمرار دورة الحياة، فصيد البشر لم يختلف عن صيد الحيوانات، شظفٌ جعل من الموت في عرفه أمراً اعتيادياً طبيعياً، بل قيمة أخلاقية يفتخر بها البدوي في شعره و دينه، عبر الإعلاء من أهمية القتل و القتال، و صرع الرجال، و خوض الحروب، و الافتخار بكثرة إراقة الدماء .
إنها البداوة التي لم تمجد العنف من باب الشجاعة و البطولة و البسالة فحسب، لكنه العنف الذي ترتهن به الحياة و استمراريتها، و يتوقف عليه معاشه و رزقه اليومي (( جعل رزقي تحت ظل رمحي)) محمد
وَمَنْ لمْ يَذدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِـهِ * يُهَـدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمْ النَّاسَ يُظْلَـمِ
زهير بن أبي سلمى
لنَا الدّنيا ومن أضْحَى عليها * ونَبْطِشُ حين نَبْطِشُ قادرينا
بُغَاةٌ ظـالميـن، وما ظُلِمْنا * ولَـكِـنَّا سَنبْدأُ ظَـالِـميـنا
عمرو بن كلثوم
هنا يصبح العنف ضرورة حياة، بل وضرورة “معنى حياة”. ولهذا، كان العربي إذا لم يجد غرضا/ هدفا لعنفه من الآخرين، قام بتوجيه هذا العنف إلى الأقرب فالأقرب. يقول القطامي يصف غارات قومه الدائمة:
وأحياناً على بكر أخينا * إذا ما لم نجد إلا أخانا
فما أحقر الحياة، و ما أهون الموت في أمر صغير أو كبير !
لقد أوصلت العقلية البدوية الصحراوية العرب و العروبة حتى حينما استوطنوا أوطان الشعوب النهرية المدنية منذ مئات السنين إلى حالة دائمة من الاستنفار و الطوارئ، لا مجال فيها لغير ذوبان الفرد في القبيلة و القبيلة في الفرد، و كل ما هو خارج سياقها عدو مبين
السيف فيها لرؤوس الرجال، و النكاح فيها لفروج النساء، و الغلمان للخدمة و الاسترواح و المتعة .
القبيلة لم تعرف فكرة الوطن طوال التاريخ و لا تفهم معناه، فكرة الوطن ضبابية لكنها مرتبطة بشكل ما بروح الجماعة القبلية و عاداتها و تقاليدها و طوطمها، ترتحل كالهودج على ظهور الجمال، تتسع و تمتد بقوة السيف في أوقات الغلبة و تضيق و تتقلص بضعفه، لذلك فكوكب الأرض كله يمكن أن يكون وطناً عربياً، المريخ يمكن أن يكون وطناً عربياً،
العقلية البدوية تدور حول الرمز الطوطمي لذلك لا فرق عند البدوي بين الله، نبي، صحابي، جد من الأجداد، رئيس العشيرة، أحد أبناء العمومة، كلهم شيء واحد في ذهن البدوي، و بما أن الطواطم السابقة تم تعريبها بنجاح وأصبحت شيئاً كحمى القبيلة و أصبحت مع العروبة صنواً واحداً فقد غدت مستوجبة للدفاع العنيف و لذلك يمكن للبدوي أن يقتل بسبب أي انتقاد بسيط موجه نحو أي جهة مما سبقت !
مجرد طوطم غريزي يحرك نوازع الشر و الكراهية و العنف تجاه الآخر، يمكن لمقتل دجاجة أو صوص أو ناقة على يد فرد من طرف آخر، أن يستخفز القبيلة لقرون ضد قبيلة أخرى طالماً أن الناقة أو الدجاجة أو الصوص في الإعراب ( هي مضاف إلى القبيلة ) ( دجاجة هذيل- نعجة ربيعة- عنزة بكر الخ )
لذلك فنحن لم نتعجب و لا نتعجب حينما نرى العرب حتى يومنا هذا يصفقون و يمجدون المجرم صدام ابن وضحة التكريتي حينما قتل نصف مليون كردي بالغازات السامة و عمليات الأنفال عبر دفنهم أحياء في صحراء السماوة !
بل و يلعنون ضحايا الكرد في خضم غزواتهم البربرية المتوحشة .
كما يمجدون حتى يومنا هذا كل القتلة و السفاحين في التاريخ ! و حولوا كل جرائمهم و مجازرهم إلى دين يدرسونه لأبنائنا في المدارس و الجوامع و الجامعات !
كل ما هو غير بدوي هو هدف مشروع للاستباحة و الانتهاك و السخرية و الانتقاص أو التهكم، كل ما هو غير بدوي هو هدف مشروع للانقضاض و الاستحواذ و الاستملاك !
نجح البدو و للأسف في تحويل الشعوب التي أخضعوها لسلطان سيفهم و فكرهم إلى شعوب بدوية و هذا ما يفسر لنا عقلية البداوة السياسية و الاجتماعية للنخب التركية و الفارسية التي تلجأ للعنف و البطش في معالجة كل قضايا المنطقة !
إله البدوي الذي يستحق العبادة هو الإله الذي يغنيه و يشبعه و يكفيه، و يمنحه مطلق الحرية في اغتنام ما للأخرين من أراض و بيوت و مزارع و أموال ( حلال) و يمنحه مطلق الحق و الحرية في نكاح نساء العالمين
و يمنحه الحق و الحرية في انتزاع حياتهم و إزهاق أرواحهم، و مطلق الحق في استرقاق و استعباد أطفالهم
كان المجتمع الكردستاني الميدي مجتمعاً غنياً بموارده الجغرافية و الطبيعية ( أعظم أنهار العالم – جداول- ينابيع- أمطار، تطرح كل خيرات الأرض فنمت القرى و ازدهرت المدن، و اكتفى الناس في معاشهم و أرزاقهم )
و لأن الإنسان هو ابن الجغرافيا بشحها أو بغناها كما يقول ويل ديورانت في قصة الحضارة، و يشتق من رحم بيئته الفلسفة التي تمكنه من الاستمرار في صراع الفناء و البقاء فإن البيئة بكل معطياتها تصوغ مجمل تصوراتنا عن الكون و فلسفتنا في الحياة .
لذلك فقد حرم زرادشت على الكرد في الآفستا غزو الآخرين و الاعتداء عليهم و حرم القتل و السبي و السرقة تحت أي مسمى .
إن الإنسان ابن بيئته و نتاج جغرافيته، و نتفهم لماذا قام بعض الأنبياء بتمجيد القوة و العنف و الغزو في بيئات معينة افتقرت لأبسط شروط استمرارية الحياة فضلاً عن افتقارها لكل العوامل المساعدة لنهضة أو بناء أمة أو تأسيس دولة .
لكن هذا التفهم للواقع الجغرافي لمفرزات تلك البيئة الشحيحة الضنينة لا يعذرهم منا أو يمكنهم من أنفسنا كما لا يوقعنا في غرامهم و لا يجعلنا نقبل بتلك الثقافة أو نوافق عليها أو نتبناها كمنهج للفكر أو أسلوب في الحياة أو شريعة في العيش، و لا البناء عليها في في العلاقة مع الآخر !
ليس هناك أي أمل في انتهاء الحروب و حقن الدماء في الشرق لا في اليمن و لا لبنان و فلسطين و لا سوريا و لا العراق و لا غيرها من كل البلدان التي تسللت إليها ثقافة البداوة، و طالما أن السيادة و الصدارة للاهوت فكر البداوة و عمامتها .
عليكم بملاحظة قمة عشائر و قبائل الدول العربية الجاري انعقادها الآن !
هل هو إلا اجتماع منعقد منذ مئات السنين لجلاوزة قتلة ؟
يتبادلون القبل و الابتسامات على أشلاء الشعوب المنكوبة!
بالمختصر، في النهاية حينما تدقق في هذا التصور
لا يعود هناك أي فرق بين البدوي و الله.