تجريد الدكتور عبدالباسط سيدا من كرديته

 إبراهيم محمود
 
أخطأ الدكتور عبدالباسط سيدا خطأ قاتلاً في انضمامه إلى المجلس الوطني السوري، إذ كان عليه أن يدقّق في حساباته قبل أن يحدث ما حدث في اجتماعه الاستنانبولي الأخير بصدد الموقف من القضية الكردية، أي بصدد” وثيقة العهد”!

أخطأ الدكتور عبدالباسط سيدا خطأ قاتلاً مجدداً، لأنه لم يلتفت إلى أخوته الكرد ممن انسحبوا من المؤتمر، وكونه صرَّح بالطريقة التي تظهره مخالـِفاً للآخرين، وتضفي المزيد من المصداقية على بقائه في المجلس.
أخطأ الدكتور عبدالباسط أكثر من ذي قبل، لأنه لم يصغ إلى منتقديه، بقدر ما تمادى في رأيه بخصوص بقائه في المجلس.
نعم، أخطأ الدكتور والباحث الفلسفي عبدالباسط سيدا، لأنه آثر أن يحتفظ برأيه وموقفه الشخصي مما جرى، من سيرة القضية الكردية في يوميات المجلس الوطني الكردي، وتبدَّى معتداً بنفسه، كما لو أنه الممثل الوحيد للشعب الكردي.
خطأ سيدا الفاحش يتجلى في كونه ذهب بالموقف مما جرى صوب المختلف، باعتباره الشاق عصا الطاعة، والذي لم يشأ أن يلتزم بأعراف القبيلة الكردية، بعشائرها الكردية ورموزها المشيخية، ولم يحترم مواقعهم المشيخية هذه.
هذا يعني أن الذين شنَّوا عليه حملتهم الشعواء، كانوا يعبّرون عن روح القبيلة المسعورة، رغم عشائرياتها المتطاحنة، إلا إزاء من يتصرف خارج وعي أولي أمرها الثكناتيين، وكأنه نسي أن الكردية هي أن تدخل في طواعية هذه الروح.
وأن موقفهم” الشائن” يترتب عليه أول ما يترتب تجريده من كرديته، باعتبار الكردية لصقة ورقية أو كرتونية مصمغة تلصق على جبين أي كان، تحمل إمضاءة هذا المشيخي الكردي المتحزب أو سواه، وتنزعها تبعاً لنوع ولائه التحزبي.
هكذا يدير أولو أمر القبيلة الكردية شئون الكرد، معبّرين عن تحالفهم المشيخي فقط، إذا شعروا أن هناك من يتهددهم بوعي مختلف، وتصورات مختلفة، وليكون لدينا ” هجمة كرد”، على وزن” هجمة عرب”، لأن من غير المعقول بميزان التصريف الكردي السائد، أن نشهد ككرد تصرفاً غير مسبوق من هذا النوع، من قبل من يأتي ” لا أدري في أي درجة، في الترتيب الهرمي” بالنسبة للمشيخيين الكرد، وثمة من يعتبر نفسه أولى منه من نفسه، في الجلوس محله، أو التحدث في أمور في موقعه، شأن الذين حلُّوا خارج البلاد، ليظلوا تحت الأضواء، ولتوزّع أحزابهم الاستعراضية منشأً، سكاكر على الجيران، صحبة زغاريد النساء، أما أن يمضي أحدهم، مهما علت مرتبته، وهو في مقام سيدا، خارج السرب القبلي، فهذه جريمة لا تغتفر، وأن الذين سلطوا عليه عبر مضاربهم التحزبية بالقول والكتابة والتشهير، كلابهم وجراء كلابهم، فليس لأنهم كانوا حريصين على الكردايتي، وإنما خوفاً من ذهاب ريحهم، بينما يكون هناك كردي تحت الضوء دونهم مقاماً!
ليس ما أكتبه مديحاً لسيدا، ولا هجاء للمتحزبين من الكرد في هجمتهم الشعواء هنا وهناك، إنما هو نوع من التشريح لهذه النسخة الكردية التي يتمثلها سدنة الكرد، ولديهم استعداد في التخلص منها ولو في سوق الخردة، حيث لم يتجاوزا بعد تعصبهم التحزبي، ونفاجة الذاتية فيهم، كما لو أن الكردية هي أن الكل معاً، وأن أي اختلاف تجنٍّ على الكرد بالجملة.
وكم كنت أحاول تصديق شعارات من هذا النوع، ومنذ عقود زمنية، ولكن الوقائع ترينا بئس الودائع، وهي في حقيقتها تشهر جملة من الفظائع التي تترجم سلوكاتهم في سلسلة انقساماتهم وافتئاتهم التحزبي باضطراد.
في الاتجاه الواحد الأحد يتحرك سدنة الكرد: باتجاه المسلخ كالثيران التي تريد مناطحة الجلادين دون معرفة السكاكين التي تنتظرها، ذلك دأبهم منذ عشرات السنين، أما أن يتصرف أحدهم، ولديه من الأهلية ما يبرّر له بقاء، وما يشرّع لاستمراره هناك، تقديراً للمختلف وانطلاقاً من حسابات لا تسمّى ببساطة، بساطة وسذاجة الرافضين له، فهذا غير معهود في السجل التاريخي لمتحزبينا، ولأن ذلك من شأنه أن يقلل من أهميتهم لدى” قواعدهم” الرجراجة والسبخية واقعاً.
في المختلف السيداوي ليس ما يستدعي كل هذه الهستيريا التحزبية، سوى مرَض أو داء الأنوية النافقة، ولأن هناك من يريد أن يمثّل كرديته، أو بعضاً من الكردية بوعي تفلسفي، ومديني، وليس تحت سقف خيمة القبيلة الكردية.
لكنها الهستيريا التي تترجم ما لا يتوقف عنه أولو أمر التحزبيات واعتقادهم أن لديهم من النفوذ فيما بينهم، ومن القوى ما يجعلهم أهل سلطة، وفي تحويل أي كردي كان يتصرف من عنده، مهما تجلت إرادته مرونةً، إلى خائن أو عميل، أو سوى ذلك من الأحكام التي لم يتطهروا من لوثتها وعنفها المستدام.

لا بد إذاً من الدفاع عن المختلف قبل كل شيء.

نعم، إن الشمس، كما هو معروف، تشرق من الشرق، وبالتأكيد، فهي لن تشرق من بين أكتاف سدنتنا الكرد، حيث يسهل تحديدهم في مواقهم، وتسميتهم بأسمائهم، ومن هم خلفهم أو في ركابهم، وأيضاً، ككتاب مأمورين بائسين في خدمتهم…

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…