ومع قيادة البارزانيين لحركة التحرر الكردستانية تبلور مفهوم الأمة الكردية.
لقد بدأ البارزانيون معركتهم الأولى ضد الاحتلال العثماني عام 1907، واستشهد الشيخ عبد السلام البارزاني عام 1914، على أيدي الأتراك، ثم تتالت معارك البارزانيين على امتداد القرن العشرين، من معركة دولافازي الشهيرة، ومعركة ميدان موريك، ومعركة كورة تو، ومعركة مزنه، إلى معارك ثورتي أيلول وكولان وصولاً إلى ملحمة كوري.
شهدت هذه الأرض جحافل إسكندر العظيم، وداريوس، وسنابك خيول فرسان هولاكو، وتيمورلنك، وأصبحت بمثابة ديان بيان فو، وبرادينو كردستان لأنها حوّلت الهزيمة إلى نصر مظفّر.
فقد بدأت أحداثها عشية الهجرة المليونية إلى تركيا وإيران أثناء انتفاضة آذار 1991، فاضطرَّ حينها مئات الآلاف من المواطنين الكرد إلى الهرب خوفاً من هول آلة الحرب العراقية، فتصدّى لها الرئيس مسعود البارزاني بمهارة ودهاء نابليون، وشجاعة الخالد مصطفى البارزاني.
ألحقَ الرئيس البارزاني مع عناصر حمايته هزيمةً ساحقة بالقوات العراقية المهاجمة عند موقعة كوري على مشارف مدينة صلاح الدين، ولاذت القوات العراقية بالفرار تاركة آلة حربها مدمّرة في أرض المعركة، حيث صارت أسلحة العدو المدمّرة من معالم الحرب.
عندما انتشرَ النبأُ بين المهجّرين بأن البارزاني قد دخل المعركة وردّ العراقيين على أعقابهم بدؤوا بالعودة إلى مدنهم وقراهم.
لقد أثبتت ملحمةُ كوري مرة أخرى أنّ البارزانيين سادةٌ في الحرب، كما أنهم أمراء سلام، وكأنّهم خلقوا ليكونوا في المقدمة بشموخ مثل جبال شيرين، وبيران، وبرادوست، وكوري هوري، وزردنه، التي تعانق أرض اليباب الملأى بالحسرات والأحزان وأنين الأيامى والثكالى، أرض الخراب والحرائق والدماء والورود، فمن غمامة البرق نهض البارزاني الكبير ملا مصطفى كالمارد منقذاً أمّة الكرد.
ستبقى ملحمة كوري مفخرة معارك البارزانيين، وصفحة ناصعة في سجّل أمجاد الكرد، تغنّى بها الشعراء والفنانون، وألقيت بمناسبتها القصائد والأناشيد، وهدهدت بها الأمهات الكرديات أطفالهنّ تحت الخيم في المنافي المهجّرة والعراء.
هكذا يؤدي القادة التاريخيون دورهم لشعوبهم في المنعطفات والمواقف الحرجة.
وعلى الدوام، كان البارزانيون في المقدمة، مثالاً للشجاعة والشهامة والمهارة في العمل والتواضع والثقة بالنفس والصّدق مع الشعب.
عقيدتهم دفاعية، ليسوا هواة طبول الحرب والغزوات، بل هم عشّاق حرية وسلام يدافعون عن أرضهم بشرف، ويحاربون ملتزمين بأصول وأعراف الحرب.
ومن مآثر الرئيس مسعود البارزاني، ومواقفه الإنسانية أنه طالب بمعاملة الأسرى العراقيين معاملة إنسانية بعيداً عن روح الثأر والانتقام، وقد تمَّ إطلاق سراح الجميع.
عندما كنتُ في زيارة منطقة بارزان، أشار زميلي إلى بقايا أنقاض القرى المدمرة على جانبي الطريق من قبل الجحوش قائلاً: إن سيادة الرئيس قد أصدر عفواً عن جميع الجحوش ماعدا واحداً لأنه قام بتدمير جامع في إحدى القرى.
في ختام المقام، نتمنّى على الهاربين كافة من المواقف والمسؤولية والمحافل الدولية الانتقال إلى الجانب الصحيح من التاريخ حيث كانت ومازالت القافلة البارزنية.