في الظاهر، لم تخرج تصريحات الإبراهيمي عقب اجتماعه بالرئيس السوري، عن تكرار العموميات المتعلقة بمهمته وانطباعاته عن محادثاته مع الأسد وقراءاته المتشائمة عموماً للمشهد السوري التي حفظناها عن ظهر قلب..أما البيان الرئاسي المقتضب عن الاجتماع، فاكتفى بالقول بأن الأسد أبلغ الإبراهيمي بأنه على استعداد لتسهيل أي حل سياسي يخدم مصلحة الشعب السوري، ويحفظ لسوريا وحدتها وسيادتها واستقلالها.
لكن مما توفر لدينا من حصيلة لما أجريناه من اتصالات يؤكد أن الإبراهيمي، جاء هذه المرة، بسلة من الأسئلة التفصيلة، وهو طلب من الرئيس السوري، إجابات محددة على أسئلته المحددة..ولأنه يدرك حساسية الأمر، فقد امتنع عن الكشف عن تفاصيل ما دار بين الرجلين، كما أنه أمهل الجانب السوري بعض الوقت، للرد على أسئلته، وهذا ما استبقاه في دمشق، على أية حال.
الأسئلة في جوهرها تمحورت حور مصير السوري ودوره أو “لا دوره” بالأحرى، في مرحلة الانتقال السياسي..هل الرئيس مستعد لتفويض صلاحياته لحكومة انتقالية من النظام والمعارضة؟..عن أية صلاحيات نتحدث؟..هل هو مستعد للتخلي عن صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة السورية؟..ماذا عن مرجعية الأجهزة الأمنية الرئيس المرتبطة حالياً بالرئاسة (الاستخبارات الجوية والأمن العسكري)؟..هل يقبل الرئيس تفويض صلاحياته العسكرية والأمنية للحكومة؟..هل سيبقى الرئيس في منصبه “خالي الدسم والصلاحيات” إلى حين إجراء انتخابات رئاسية؟..هل يمكن تبكير موعد الانتخابات أم أنها ستجري في موعدها المقرر في 2014؟..هل يتعهد الرئيس بعدم الترشح للانتخابات القادمة؟.
ثم، ماذا عن آليات تشكيل الحكومة الانتقالية..ممن تتشكل وبأية نسب، وما هي مواصفات شخص رئيس الوزراء المقبل (من النظام، من معارضة الداخل، من معارضة الخارج، شخصية مستقلة)..ومن هم ممثلو النظام فيها (أسماء محددة)..ماذا عن أدوار وأوزان مختلف مكونات الشعب السوري، ديموغرافياً وسياسياً..أية ضمانات يمكن توفيرها لمختلف هذه المكونات، لكي تأمن على حاضرها ومستقبلها؟
وماذا عن آليات وقف إطلاق النار، خصوصاً في ظل وجود قوى متعددة تحمل السلاح، وغياب مرجعية موحدة للمعارضات السورية، وكيف سيتم التعامل مع الخروقات في حال حدوثها، وكيف سيتم التعامل مع الخارجين على كل حل سياسي (جبهة النصرة والجهاديين).
ماذا عن آلية نشر قوات حفظ السلام، تعدادها والدول المشاركة فيها وقيادتها، وأماكن انتشارها وصلاحياتها (تفويضها)، وعن الجهة التي ستشكلها وتكلفها بالانتشار، ومدة انتشارها، وكيف ستتعامل مع الخروقات والتجاوزات.
الإجابات التي سيخرج بها الإبراهيمي من دمشق، سيعود بها إلى موسكو وواشنطن، وقد تشكل أساساً لاتفاق جديد: “جنيف 2”..هذا في حال حصل على إجابات محددة، أما في حال استمر النظام على المماطلة، أو لم يتقدم بأية إجابات مقنعة للموفد الدولي كفيلة بأن تشكل أساساً للحل، فإن من المتوقع أن تشهد سوريا، وبالأخص دمشق، جولة طويلة جديدة، من العنف والقتال، لإنضاج شروط الحل الدولي الممكن.
مصادر المعارضة الداخلية التي التقت الإبراهيمي، أكدت أنه لم يعرض تفاصيل ما دار بينه وبين الرئيس الأسد عليها، مكتفياً بعرض الخطوط العامة لمبادرته وأفكاره، وهي في الوقت الذي لا تبدي فيه تفاؤلاً حقيقياً في إمكانية أن يقدم النظام إجابات “مقنعة” للموفد الدولي، لأن النظام لم يبرح بعد مربع الحل العسكري/الأمني، إلا أنها تراهن على تطورين اثنين: الأول، أن غالبية متعاظمة من السوريين، باتت تريد حلاً سياسياً يخرجها من دائرة القتل والدمار والخراب، سيما في ظل تقديرات مؤكدة بأن استمرار القتال سيؤدي لتدمير دمشق وسوريا، وسيفضي إلى تقسيم البلاد طائفياً ومذهبياً..والثاني، أن المعارضة المسلحة تحقق تقدماً ميدانياً مطرداً، وثمة أوساط عسكرية وأمنية قريبة من دوائر صنع القرار، بدأت تؤكد أن كسب المعركة وحسمها لصالح النظام، بات أمراً مستحيلاً، وأن القتال الذي يجري، يهدف إلى تحسين شروط “الحل/الصفقة” الدولية، وليس إلى إستعادة سوريا لما كانت عليه، ومن هنا تؤكد المصادر أن السؤال الذي بدأ يتردد في بعض أوساط النظام هو: هل تستحق “التحسينات” المطلوبة لشروط “الحل /الصفقة” كل هذه التضحيات والخسائر والمغامرات؟..أليس هذا هو جوهر الحديث الصحفي النادر لنائب الرئيس فاروق الشروع؟.
———-
مركز القدس للدراسات السياسية