هوشنك بروكا
منذ ما يقارب ال16 شهراً، لا يزال اللامعلوم أو المجهول أو اللامستقبل هو العنوان الأبرز للأزمة السورية.
هي، خصوصاً بعد تحوّل مسارها، على المستويين الإقليمي والدولي، من صراعٍ في سوريا إلى صراعٍ عليها، لا تكاد تخرج من نفق دولي أو إقليمي أو سوري معطّل، حتى تدخل في نفق آخر أكثر تعطيلاً.
منذ ما يقارب ال16 شهراً، لا يزال اللامعلوم أو المجهول أو اللامستقبل هو العنوان الأبرز للأزمة السورية.
هي، خصوصاً بعد تحوّل مسارها، على المستويين الإقليمي والدولي، من صراعٍ في سوريا إلى صراعٍ عليها، لا تكاد تخرج من نفق دولي أو إقليمي أو سوري معطّل، حتى تدخل في نفق آخر أكثر تعطيلاً.
“التعطيل” يكاد يكون عنوان كل المؤتمرات الدولية والإقليمية، التي عقدت حتى الآن بشأن الأزمة السورية، بما فيها تلك التي حملت إسم “أصدقاء الشعب السوري”.
على الأرض لم تأتِ هذه المؤتمرات واللقاءات بأيّ جديد من شأنه يدفع الإستعصاء السوري نحو بعضٍ حلّ، أو بعض أمل.
كلّ الخطط والمبادرات، سواء العربية منها أو الأممية، التي طُرحت حتى الآن لحل الأزمة السورية ومعالجتها ب”السياسة التي هي أحسن”، فشلت فشلاً ذريعاً.
آخر هذا الفشل على المنحى الأممي، انتهى في “نفق جينف” الذي اتفق فيه “أصدقاء الشعب السوري” مع “أعدائه”، على كلّ شيء إلا على سوريا.
هم، اتفقوا على “سوريا انتقالية”، لكنهم لم يتفقوا على “ما قبلها”، وكيف يمكن للشعب السوري أن ينتقل من “سوريا الأسد” إلى ما بعدها.
هم، اتفقوا على “سوريا المشكلة”، لكنهم لم يتفقوا على “سوريا الحل”.
هم، اتفقوا على “سوريا الضحية”، لكنهم لم يتفقوا على “سوريا الجلاد”.
هم، اتفقوا على “سوريا الوحدة الوطنية” لكنهم لم يتفقوا على كيفية أو إمكانية جمع المعارضة والنظام في “وحدة وطنية” تكاد تكون أكثر من مستحيلة.
هم، اتفقوا على “ضرورة تجنب الحرب السورية ـ السورية”، لكنهم لم يتفقوا على نزع فتيل هذه الحرب، وتنحية سيدها الأول بشار الأسد ونظامه.
هم، اتفقوا على الجريمة في سوريا، لكنهم لم يتفقوا على تسمية الجاني والمجني عليه، الجلاد والضحية، القاتل والمقتول.
هم، اتفقوا على العموميات، لكنهم اختلفوا على التفاصيل، التي يكمن الشيطان كعادته فيها.
هم اتفقوا على “خارطة سوريا”، لكنهم لم يتفقوا على الطريق إليها.
ككلّ “الأنفاق” الأممية التي دخلتها الأزمة السورية حتى الآن، يمكن إضافة ” نفق جينف”، كنفق دولي آخر إلى قائمة الفشل الأممي، التي بدأت بإسطانبول ولن تنتهي في جينف.
الفشلُ لا يزال هو العنوان الأبرز لكلّ المبادرات والخطط واللقاءات والمؤتمرات التي عّقدت بخصوص الأزمة السورية، التي لا تكاد تخرج من عقدة، حتى تدخل أخرى أكثر تعقيداً.
هذا الفشل يكاد يكون متساوياً بين الجميع، فمثلما للخارج الأممي والإقليمي والعربي فيه نصيب، كذا للداخل السوري، بمختلف معارضاته، فيه نصيب.
الكلّ فشل حتى الآن في سوريا.
الخارج، كالداخل، فشل.
العالم فشل، والعرب فشلوا، والسوريون لا يزالون يذهبون من فشلٍ إلى فشل.
بالأمس خرجت سوريا من “نفق جينف”، لتدخل اليوم إلى “نفق القاهرة”.
مؤتمر أو “نفق” القاهرة الذي بدأ أعماله أمس برعاية الجامعة العربية ل”توحيد” المعارضة السورية، لن يأتِ، على ما أذهب، بأي جديد، لا على صعيد “توحيد” المعارضة، ولا على صعيد رسم ملامح سوريا ما بعد الأسد، ولا على مستوى “وثيقة العهد الوطني”، كما هو مقرر في جدول الأعمال الذي أعدته اللجنة التحضيرية.
العلامة الأبرز لهذا المؤتمر/ النفق، هو أنه سيبحث في رسم ملامح “سوريا ما بعد الأسد”، في الوقت الذي لا اتفاق بين هذه المعارضات، على “سوريا الأسد”.
لا اتفاق بين هذه المعارضات على الأسد بإعتباره أساً للمشكلة السورية وأساسها.
ففي الوقت الذي تصنفه بعضٌ من هذه المعارضات في خانة “القاتل الذي لا حوار معه”، تصنفه معارضات أخرى في خانة “المحاور الضروري”، بإعتباره “جزءاً من الحل أكثر من أن يكون جزءاً من المشكلة”.
المؤتمر سيناقش على جدول أعماله، ملامح “سوريا الإنتقالية” و”حكومتها الإنتقالية” و”عدالتها الإنتقالية” و”وثيقة عهدها الوطني الإنتقالية”، دون التطرق إلى سبل وطرق الخلاص من “سوريا الأسد” الراهنة.
وهو الأمر الذي يعني تكرار ما تمّ الإتفاق عليه في “نفق جينف” أممياً، واجتراره في “نفق القاهرة” سورياً وعربياً.
العملية بإختصار، هي عبارة عن نقل للقضية السورية من تحت “دلف” جينف، إلى تحت “مزراب” القاهرة.
لا أريد ههنا استباق الأمور، أو إطلاق “حكم مسبق”، كما قد يظنن البعض، وإنما “مكتوب” المؤتمر/ النفق واضحٌ من عنوانه.
جميل أن تجتمع حوالي 250 شخصية معارضة تمثل الموزاييك السوري بمختلف طوائفه وقومياته وتياراته وأحزابه، تحت سقف واحد، للعبور من ثمّ على جسر “معارضة موحدة” إلى سوريا موحدة.
هذا ليس هدف مطلوب، في الداخل السوري وخارجه فحسب، وأنما هو مسعى ضروري وملحّ أيضاً.
لكن الواقع شيء، وما يتمناه المرء هو شيء آخر.
رياح العالم تجري بما لا تشتهي سفن الثورة السورية.
هذه باتت حقيقة مفروغ منها.
لا شكّ أن هذا المؤتمر يشكل “خطوة نوعية”، هي الأولى من نوعها منذ بدء الثورة السورية في 15 آذار 2011، ل”توحيد” صفوف كافة أطياف المعارضة السورية، لكن الطريق إلى هذه “الوحدة المفترضة” لا يزال محفوفاً بالكثير من الفرقة والفرقة المضادة، سيما وأنّ ما يفرق المجتمع الدولي بشأن سوريا، يكاد يكون هو ذاته الذي يفرّق بين الفرقاء السوريين.
ما يفرّق الغرب الأوروبي وأميركا ودول الخليج العربي وتركيا من جهة، وروسيا والصين والعراق وإيران من جهة أخرى، هو ذاته ما يفرّق بين المعارضات السورية.
أولى إشارات فشل هذا المؤتمر/ النفق المنعقد الآن في القاهرة، أتت من الداخل السوري، وتحديداً من الحراك الثوري، الممثل ب”الهيئة العامة للثورة السورية”، وجناحها العسكري الممثل ب”الجيش السوري الحر”.
الأولى، هاجمت المؤتمر واصفةً إياه بأنه “امتدادٌ لمؤتمر جينف”، أما قيادة الثاني فقاطعت المؤتمر واصفةً إياه ب”المؤامرة”.
بسام جعارة الناطق بإسم “الهيئة العامة للثورة السورية في أوروبا”، ذهب في حواره أمس على قناة العربية أبعد من ذلك، قائلاً: “أنّ الجلوس مع المعارضة التي صنعها النظام في دوائر استخبارته هو خيانة”.
جعارة قال بحضور رئيس “المجلس الوطني السوري” د.
عبد الباسط سيدا، بكلّ وضوح، أن ما يجري في القاهرة هو “مؤامرة” على الشعب السوري وثورته، ما يعكس خلافاً كبيراً بين “المجلس الوطني السوري” وقوى الحراك الثوري في الداخل، وعلى رأسها “الجيش السوري الحرّ”.
جعارة أكدّ بلهجةٍ لم تخلُ من التهديد، بأنّ “الجيش السوري الحر سيقوم خلال الأيام القريبة القادمة بتشكيل مكتب سياسي له”، ما يعني سحب الإعتراف من “المجلس الوطني السوري”، بإعتباره “ممثلاً سياسياً” للحراك الثوري في الداخل.
الجمعة القادمة، ستحمل معها الكثير من الرسائل، للداخل والخارج، وستضع في هذا المنحى، الكثير من النقاط على الكثير من الحروف.
الخلاف بين “الجيش السوري الحرّ” و”المجلس الوطني السوري”، هو خلاف قديم جديد.
الخلاف الأساس هو على القيادة؛ قيادة سوريا.
“الحرّ” لا يقبل ل”معارضة الفنادق” أن تقود سوريا على حساب دماء “معارضة الخنادق”، وهو ما أعلنته قيادته أكثر من مرّة، وفي أكثر من مناسبة.
“الحرّ” لن يقبل لا من “المجلس الوطني السوري” ولا من غيره من المعارضات السورية، لا سيما تلك المقيمة في “حرير” الخارج، أن ترسم له سياساته، أو تقوده سياسياً في المحافل الدولبة.
السياسة من وجهة نظر، أهل الثورة، هي أن تضحي أو تموت أكثر، لا أن تفكّر أو تسيّس اكثر.
السياسة، وفقاً لمنطق شعب الثورة، هي أن تكون في الميدان، وأن تصنع الميدان، وأن تموت في الميدان، وأن تقيم وتقعد الميدان، متى وأنى وأينما تشاء.
السياسة، وفقاً لشرعية الثوار، هي أن تكون على الأرض، وأن تموت لأجل الأرض.
من يُقتل على الأرض أكثر، وفقاً لشرع أهل الثورة، هو الأولى بإدارة شئونها، وشئون البلاد والعباد عليها.
من هنا، لا أعتقد بأنّ “الجيش السوري الحرّ” الذي يسيطر عملياً على الأرض ويقودها في سوريا، سيقبل بالعمل تحت مظلة “المجلس الوطني السوري”، بإعتباره “مظلته السياسية” ومصدر قراراته.
قد يحصل اتفاقٌ هنا وتفاهمٌ هناك، أو يتم التأسيس ل”تنسيق” بين الطرفين في “مكتبٍ” وهنا ودائرةٍ هناك، لكنّ القول الفصل على الأرض، يبقى للقابض على زمام الأمور عليها، والمتحكم بها، أي ل”جيش الثورة”.
ما حدث ولا يزال يحدث في ليبيبا، حيث صوت السلاح لا يزال يعلو على صوت السياسة، سيحدث في سوريا أيضاً.
سوريا التي اختار لها الأسد أن تذهب إلى السلاح، سيعلو فيها صوت السلاح والمسلحين فوق كلّ صوتٍ آخر.
سوريا الآن، هي أبعد ما تكون عن “الحلول السياسية” وحسابات السياسيين.
كلّ الحساب الآن في سوريا هو حساب السلاح وحساب العسكر.
سوريا كلها الان تتعسكر: النظام متعسكر، والثورة تتعسكر، والشعب يتعسكر، والطوائف تتعسكر.
الكلّ بات يتعسكر الآن ضد الكلّ.
الكلّ سيتسلح ضد الكلّ.
الكلّ سيحسب حساباً للكل.
سوريا كلها ذاهبةٌ إلى السلاح، شاء من شاء وأبى من أبى.
السياسة ما عاد لها أيّ محلّ من الإعراب في جملة العسكرة السورية.
سوريا كلها تحوّلت إلى نفق؛ نفقٌ لن يخرج منه أحد، إلا خاسراً.
كلّ شيءٍ فيها نفق: النظام نفق، والمعارضة نفق، والجار نفق، والعالم كله من سوريا إلى سوريا، صار إلى نفق.
سوريا، آلَت إلى نفقٌ مظلم مستمر، عابر للحدود، ممتد من العالم إلى العالم.
كلّ الخطط والمبادرات، سواء العربية منها أو الأممية، التي طُرحت حتى الآن لحل الأزمة السورية ومعالجتها ب”السياسة التي هي أحسن”، فشلت فشلاً ذريعاً.
آخر هذا الفشل على المنحى الأممي، انتهى في “نفق جينف” الذي اتفق فيه “أصدقاء الشعب السوري” مع “أعدائه”، على كلّ شيء إلا على سوريا.
هم، اتفقوا على “سوريا انتقالية”، لكنهم لم يتفقوا على “ما قبلها”، وكيف يمكن للشعب السوري أن ينتقل من “سوريا الأسد” إلى ما بعدها.
هم، اتفقوا على “سوريا المشكلة”، لكنهم لم يتفقوا على “سوريا الحل”.
هم، اتفقوا على “سوريا الضحية”، لكنهم لم يتفقوا على “سوريا الجلاد”.
هم، اتفقوا على “سوريا الوحدة الوطنية” لكنهم لم يتفقوا على كيفية أو إمكانية جمع المعارضة والنظام في “وحدة وطنية” تكاد تكون أكثر من مستحيلة.
هم، اتفقوا على “ضرورة تجنب الحرب السورية ـ السورية”، لكنهم لم يتفقوا على نزع فتيل هذه الحرب، وتنحية سيدها الأول بشار الأسد ونظامه.
هم، اتفقوا على الجريمة في سوريا، لكنهم لم يتفقوا على تسمية الجاني والمجني عليه، الجلاد والضحية، القاتل والمقتول.
هم، اتفقوا على العموميات، لكنهم اختلفوا على التفاصيل، التي يكمن الشيطان كعادته فيها.
هم اتفقوا على “خارطة سوريا”، لكنهم لم يتفقوا على الطريق إليها.
ككلّ “الأنفاق” الأممية التي دخلتها الأزمة السورية حتى الآن، يمكن إضافة ” نفق جينف”، كنفق دولي آخر إلى قائمة الفشل الأممي، التي بدأت بإسطانبول ولن تنتهي في جينف.
الفشلُ لا يزال هو العنوان الأبرز لكلّ المبادرات والخطط واللقاءات والمؤتمرات التي عّقدت بخصوص الأزمة السورية، التي لا تكاد تخرج من عقدة، حتى تدخل أخرى أكثر تعقيداً.
هذا الفشل يكاد يكون متساوياً بين الجميع، فمثلما للخارج الأممي والإقليمي والعربي فيه نصيب، كذا للداخل السوري، بمختلف معارضاته، فيه نصيب.
الكلّ فشل حتى الآن في سوريا.
الخارج، كالداخل، فشل.
العالم فشل، والعرب فشلوا، والسوريون لا يزالون يذهبون من فشلٍ إلى فشل.
بالأمس خرجت سوريا من “نفق جينف”، لتدخل اليوم إلى “نفق القاهرة”.
مؤتمر أو “نفق” القاهرة الذي بدأ أعماله أمس برعاية الجامعة العربية ل”توحيد” المعارضة السورية، لن يأتِ، على ما أذهب، بأي جديد، لا على صعيد “توحيد” المعارضة، ولا على صعيد رسم ملامح سوريا ما بعد الأسد، ولا على مستوى “وثيقة العهد الوطني”، كما هو مقرر في جدول الأعمال الذي أعدته اللجنة التحضيرية.
العلامة الأبرز لهذا المؤتمر/ النفق، هو أنه سيبحث في رسم ملامح “سوريا ما بعد الأسد”، في الوقت الذي لا اتفاق بين هذه المعارضات، على “سوريا الأسد”.
لا اتفاق بين هذه المعارضات على الأسد بإعتباره أساً للمشكلة السورية وأساسها.
ففي الوقت الذي تصنفه بعضٌ من هذه المعارضات في خانة “القاتل الذي لا حوار معه”، تصنفه معارضات أخرى في خانة “المحاور الضروري”، بإعتباره “جزءاً من الحل أكثر من أن يكون جزءاً من المشكلة”.
المؤتمر سيناقش على جدول أعماله، ملامح “سوريا الإنتقالية” و”حكومتها الإنتقالية” و”عدالتها الإنتقالية” و”وثيقة عهدها الوطني الإنتقالية”، دون التطرق إلى سبل وطرق الخلاص من “سوريا الأسد” الراهنة.
وهو الأمر الذي يعني تكرار ما تمّ الإتفاق عليه في “نفق جينف” أممياً، واجتراره في “نفق القاهرة” سورياً وعربياً.
العملية بإختصار، هي عبارة عن نقل للقضية السورية من تحت “دلف” جينف، إلى تحت “مزراب” القاهرة.
لا أريد ههنا استباق الأمور، أو إطلاق “حكم مسبق”، كما قد يظنن البعض، وإنما “مكتوب” المؤتمر/ النفق واضحٌ من عنوانه.
جميل أن تجتمع حوالي 250 شخصية معارضة تمثل الموزاييك السوري بمختلف طوائفه وقومياته وتياراته وأحزابه، تحت سقف واحد، للعبور من ثمّ على جسر “معارضة موحدة” إلى سوريا موحدة.
هذا ليس هدف مطلوب، في الداخل السوري وخارجه فحسب، وأنما هو مسعى ضروري وملحّ أيضاً.
لكن الواقع شيء، وما يتمناه المرء هو شيء آخر.
رياح العالم تجري بما لا تشتهي سفن الثورة السورية.
هذه باتت حقيقة مفروغ منها.
لا شكّ أن هذا المؤتمر يشكل “خطوة نوعية”، هي الأولى من نوعها منذ بدء الثورة السورية في 15 آذار 2011، ل”توحيد” صفوف كافة أطياف المعارضة السورية، لكن الطريق إلى هذه “الوحدة المفترضة” لا يزال محفوفاً بالكثير من الفرقة والفرقة المضادة، سيما وأنّ ما يفرق المجتمع الدولي بشأن سوريا، يكاد يكون هو ذاته الذي يفرّق بين الفرقاء السوريين.
ما يفرّق الغرب الأوروبي وأميركا ودول الخليج العربي وتركيا من جهة، وروسيا والصين والعراق وإيران من جهة أخرى، هو ذاته ما يفرّق بين المعارضات السورية.
أولى إشارات فشل هذا المؤتمر/ النفق المنعقد الآن في القاهرة، أتت من الداخل السوري، وتحديداً من الحراك الثوري، الممثل ب”الهيئة العامة للثورة السورية”، وجناحها العسكري الممثل ب”الجيش السوري الحر”.
الأولى، هاجمت المؤتمر واصفةً إياه بأنه “امتدادٌ لمؤتمر جينف”، أما قيادة الثاني فقاطعت المؤتمر واصفةً إياه ب”المؤامرة”.
بسام جعارة الناطق بإسم “الهيئة العامة للثورة السورية في أوروبا”، ذهب في حواره أمس على قناة العربية أبعد من ذلك، قائلاً: “أنّ الجلوس مع المعارضة التي صنعها النظام في دوائر استخبارته هو خيانة”.
جعارة قال بحضور رئيس “المجلس الوطني السوري” د.
عبد الباسط سيدا، بكلّ وضوح، أن ما يجري في القاهرة هو “مؤامرة” على الشعب السوري وثورته، ما يعكس خلافاً كبيراً بين “المجلس الوطني السوري” وقوى الحراك الثوري في الداخل، وعلى رأسها “الجيش السوري الحرّ”.
جعارة أكدّ بلهجةٍ لم تخلُ من التهديد، بأنّ “الجيش السوري الحر سيقوم خلال الأيام القريبة القادمة بتشكيل مكتب سياسي له”، ما يعني سحب الإعتراف من “المجلس الوطني السوري”، بإعتباره “ممثلاً سياسياً” للحراك الثوري في الداخل.
الجمعة القادمة، ستحمل معها الكثير من الرسائل، للداخل والخارج، وستضع في هذا المنحى، الكثير من النقاط على الكثير من الحروف.
الخلاف بين “الجيش السوري الحرّ” و”المجلس الوطني السوري”، هو خلاف قديم جديد.
الخلاف الأساس هو على القيادة؛ قيادة سوريا.
“الحرّ” لا يقبل ل”معارضة الفنادق” أن تقود سوريا على حساب دماء “معارضة الخنادق”، وهو ما أعلنته قيادته أكثر من مرّة، وفي أكثر من مناسبة.
“الحرّ” لن يقبل لا من “المجلس الوطني السوري” ولا من غيره من المعارضات السورية، لا سيما تلك المقيمة في “حرير” الخارج، أن ترسم له سياساته، أو تقوده سياسياً في المحافل الدولبة.
السياسة من وجهة نظر، أهل الثورة، هي أن تضحي أو تموت أكثر، لا أن تفكّر أو تسيّس اكثر.
السياسة، وفقاً لمنطق شعب الثورة، هي أن تكون في الميدان، وأن تصنع الميدان، وأن تموت في الميدان، وأن تقيم وتقعد الميدان، متى وأنى وأينما تشاء.
السياسة، وفقاً لشرعية الثوار، هي أن تكون على الأرض، وأن تموت لأجل الأرض.
من يُقتل على الأرض أكثر، وفقاً لشرع أهل الثورة، هو الأولى بإدارة شئونها، وشئون البلاد والعباد عليها.
من هنا، لا أعتقد بأنّ “الجيش السوري الحرّ” الذي يسيطر عملياً على الأرض ويقودها في سوريا، سيقبل بالعمل تحت مظلة “المجلس الوطني السوري”، بإعتباره “مظلته السياسية” ومصدر قراراته.
قد يحصل اتفاقٌ هنا وتفاهمٌ هناك، أو يتم التأسيس ل”تنسيق” بين الطرفين في “مكتبٍ” وهنا ودائرةٍ هناك، لكنّ القول الفصل على الأرض، يبقى للقابض على زمام الأمور عليها، والمتحكم بها، أي ل”جيش الثورة”.
ما حدث ولا يزال يحدث في ليبيبا، حيث صوت السلاح لا يزال يعلو على صوت السياسة، سيحدث في سوريا أيضاً.
سوريا التي اختار لها الأسد أن تذهب إلى السلاح، سيعلو فيها صوت السلاح والمسلحين فوق كلّ صوتٍ آخر.
سوريا الآن، هي أبعد ما تكون عن “الحلول السياسية” وحسابات السياسيين.
كلّ الحساب الآن في سوريا هو حساب السلاح وحساب العسكر.
سوريا كلها الان تتعسكر: النظام متعسكر، والثورة تتعسكر، والشعب يتعسكر، والطوائف تتعسكر.
الكلّ بات يتعسكر الآن ضد الكلّ.
الكلّ سيتسلح ضد الكلّ.
الكلّ سيحسب حساباً للكل.
سوريا كلها ذاهبةٌ إلى السلاح، شاء من شاء وأبى من أبى.
السياسة ما عاد لها أيّ محلّ من الإعراب في جملة العسكرة السورية.
سوريا كلها تحوّلت إلى نفق؛ نفقٌ لن يخرج منه أحد، إلا خاسراً.
كلّ شيءٍ فيها نفق: النظام نفق، والمعارضة نفق، والجار نفق، والعالم كله من سوريا إلى سوريا، صار إلى نفق.
سوريا، آلَت إلى نفقٌ مظلم مستمر، عابر للحدود، ممتد من العالم إلى العالم.