كرد سوريا بين عقلية الإقصاء وثقافة التشنج

عمر كوجري

أثناء تداولات أطراف كبيرة في المعارضة السورية واجتماعهم الذي عقد في استانبول أواخر الشهر الماضي، وانضمام الكرد إليهم بقوة، تناقشت مع عدد من الزملاء المداولات القائمة للذهاب إلى القاهرة بأقل الأخطاء وخمنت أن الكرد ربما ينسحبون في مؤتمر القاهرة لأسباب عديدة، لعل أهمها أن الانسحاب الكردي في مؤتمر استنبول وما تلا ذلك، وعددته استعجالاً في حينه، وتأكد أن تحجر العقل الشوفيني عند البعض لن يسعفه الوقت حتى يرى الموضوع الكردي بعين أوضح، وينسجم مع مطاليبه.
فهؤلاء الذين جعلوا الفريق الكردي ينسحب في مؤتمر استنبول هم أنفسهم لم يتغيروا، وهنا زعم البعض أن المؤتمر ذاك كان ” إخواني” الهوى، ولأن المؤتمر عقد في تركيا، فمن الجلي أنها لن تجعل الكرد يهنؤون في أي إطار للمعارضة، وذلك بالضغط على “الإخوانيين” لتهميشهم، وتجاوز برامجهم غير البعيدة عن الواقع بكل الأحوال.
في القاهرة- وكما توقعنا- انسحب الكرد في آخر حلقات ماراثون المناقشات المستفيضة برعاية الجامعة العربية، وضغط إقليمي ودولي لخروج المعارضة السورية بنجاح ووحدة رؤى وتقارب أفكار رغم صعوبة ذلك، وخاصة أن المجتمع الدولي وحتى الآن يتوارى تحت حجة أنه طالما أن المعارضة السورية غير موحدة فلا ضير بأن “ننأى” بأنفسنا من هذه المشكلة العويصة والمستعصية على أفق الحل حتى الوقت الآن!!
الكرد خرجوا قبيل انتهاء أعمال المؤتمر بوقت قريب بطريقة لا تنم عن دبلوماسية وحنكة سياسية يفترض انهم اكتسبوها خلال عقود من ” النضال” السياسي في هذه الساحة، وظهرت العصبية غير المقبولة على الوجوه والتلاسن والتصارخ، وبدا الجميع يريد أن توجه عدسات الكاميرا إليه ليبدو لحظتها بطلاً “قومياً” وكان بمقدور شخص واحد الاحتجاج، أما أن يحتج الجميع بهذه الطريقة، فكان دليلاً عن قلة مراس الحاضرين مع وافر التقدير للجميع.
وكان الاحتجاج على عدم تفصيح “الشعب الكردي” وزج القومية الكردية مع القومية التركمانية “لأول مرة” في إشارة لتمييع القومية الكردية وتسطيح رؤاها وتطلعاتها القومية المشروعية ضمن الوطن السوري.
 إذاً المعارضة الوطنية السورية لم تتخلص بعد من عقلية الإقصاء “العروبية” عقلية الاعتزاز القومي الاستعلائي، ونبذ الآخر المختلف والنظر إليه بعين الريبة والشك والاستهدام، لكن، الوضع على الأرض لم يختلف بعد، والنظام مازال ممسكاً بزمام الأمور، فعلام التناحر البغيض على كعكة لم تعجن بعد، ولم توضع في الفرن بعد، حتى يتباطح على الظفر بها هذا الفريق أو ذاك.
المعارضة بكل أطيافها بحاجة لقراءة الواقع جيداً، وعدم بيع الأوهام لجمهورها، وكان على الاخ الأكبر أن يكون أكثر مرونة تجاه مطالب الكرد، وعدم التشنج تجاه تلك المطالب، وفي الوقت عينه، على الحضور الكردي في المؤتمرات وحتى في أماكن الغليان الداخلي أن تكون أكثر فاعلية، وأقل رغبة في الانسحاب لهذا السبب أو ذاك، فمؤتمر القاهرة لم يفشل جراء انسحاب الكرد وغيرهم منه، وكل نجومه كانوا حاضرين في مؤتمر أصدقاء دمشق الذي عقد في باريس جمعة 5 تموز الجاري.
على الأرض الثوار كانوا أكثر تعقلاً من المعارضين السياسيين العرب والكرد أيضاً، فثوار حمص ودير الزور حيوا إخوانهم الكرد، ورفعوا لافتات في جمعة” حرب التحرير الشعبية” أنهم مع جميع مطالب أشقائهم الكرد منددين بانفعال الساسة العرب، وبالمقابل الثوار الكرد في ساحات المظاهرات في المناطق الكردية إن انسحاب الوفود الكردية من مؤتمر القاهرة لا يعني تخلفهم عن ركب الثورة.
 الفريق العربي السوري بحاجة إلى التخلص من عقلية الإقصاء، والفريق الكردي السوري بحاجة إلى دبلوماسية وفهم السياسة بعيداً عن التشنُّج والزعل المجاني اللامبرر.


يبقى السؤال: هل كان العربي نبيل، يتقصَّد بشكل ما إفشال مؤتمر المعارضة السورية  وزجَّ المؤتمرين في القاهرة، وهم يحملون كل خلافاتهم التي تسربت معلومات أن مؤتمر استنبول لم يقم بحلحلة جميع الإشكالات العالقة بين الفرقاء؟ وهل تعمد ذلك رداً على عدم انسجام المجلس الوطني السوري معه في المؤتمر الذي أراد عقده قبل مدة؟
omarkojari@gmail.com

  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…