حيدر عمر
الاستكراد على وزن الاستشراق، علم له أصول يعلمها القائمون عليه، الذين يعملون في ميادين تاريخ الكرد و آثارهم و آدابهم ممن هم ليسوا كرداً، وعليه تطلق عليهم تسمية (المستكردون)، كما تُطلق تسمية (المستشرقون) على العلماء الذين يشتغلون على تاريخ الشرق و آثاره و آدابه.
و تاريخ العلم يذخر بأسماء علماء كثيرين أدوا خدمات كبيرة للكرد في ميدان علم الاستكراد.
و تاريخ العلم يذخر بأسماء علماء كثيرين أدوا خدمات كبيرة للكرد في ميدان علم الاستكراد.
و في الحقيقة، إن الاستشراق و الاستكراد، في هذا المقام، مصطلحان يحملان مدلولاً واحداً، إلا أن الأول أوسع مدلولاً من الثاني، بحيث يشمل كل العلماء الذين يشتغلون على موضوعة الشرق، و هو بهذا يشمل العاملين منهم في ما يخص الكرد أيضاً، ولكن الثاني أضيق مدلولاً بحيث يشمل المشتغلين في ما يخص الكرد.
و إذا غادرنا ميدان العلوم، فإن لفظة (استكرد) تواجهنا، بمعناها اللغوي، في تعبير آخر يُوجَّه إلى غير الكردي.
و هذا ما يدفعنا إلى البحث في معاني الفعل الثلاثي الذي يأتي في علم الصرف العربي مزيداً بالحروف الثلاثة ( الألف و السين والتاء)، لنقف على معناه في هذا المجال.
من المعرف أن اللغة العربية هي لغة اشتقاقية، كل كلمة فيها تعود إلى جذرها الثلاثي أو الرباعي أو الخماسي، و من هنا تُشتقُّ من الكلمة الواحدة كلمات كثيرة، و كل كلمة مشتقة تضيف جديداً على معنى الجذر.
و من هنا بذل المشتغلون في علم الصرف العربي جهوداً جبارة في ميدان عملهم الذي يشتغل على بنية الكلمة ، فازدحمت المكتبة العربية بمصنفات ضخمة في هذا الموضوع، تدل على غيرة أولئك العلماء على لغتهم.
و بالرجوع إلى أبحاث و أعمال أولئك الصرفيين، نرى أن الفعل الثلاثي يمكن أن يأتي مزيداً بحرف واحد و بحرفين و بثلاثة حروف، و كل زيادة تضيف على الفعل معاني جديدة، و من هنا أفردوا في ثنايا أبحاثهم بحثاً خاصاً يتناول معاني حروف الزيادة.
و هو بحث تجاوز الصفحات القليلة إلى استغراق كتب و مؤلفات عديدة.
لست هنا في معرض البحث في ثنايا تلك الكتب، فذلك ليس ما دفعني إلى كتابة هذه المقالة، بل ما دفعني إلى هذه الكتابة هو ورود كلمة (استكرد) في مقالة للكاتب وليد عبد القادر منشورة في موقع (ولاتي مه) بتاريخ 7.
7.
2012 تحت عنوان (عزيزنا الاستاذ موسى موسى)، و قد ورد فيها قوله: (… و أظنه ما هكذا أو لهذه الدرجة يتوجب – استكرادنا- …).
الأصل في هذا المصدر هو الفعل (كَرَدَ) الثلاثي، و قد جاء هنا مزيداً بثلاثة حروف هي الألف و السين و التاء، على وزن (استفعل) الذي يأتي مصدره على وزن (استفعال)، أي (استكرد / استكراد).
و هذه الحروف الثلاثة حين تُزاد على الفعل الثلاثي في اللغة العربية، تمنح هذا الفعل ثماني مدلولات، و أحد هذه المدلولات هو (الاستحقار)، كأن يقول أحدهم : ( إن فلاناً استصغرني)، أي قلّل من شأني و قيمتي.
و منه القول الذي يُتردد كثيراً في اللغة الدارجة (فلان استوطى حَيْطي) بمعني قَلَّل من قوتي و رآني ضعيفاً.
إن (استكرد / استكراد ) و في السياق الذي وردت فيه في مقالة وليد عبد القادر، تحمل المعنى المشار إليه أعلاه.
و ترد كثيراً في المسلسلات التلفزيونية المصرية بهذا المعنى ، حين يرد أحد الممثلين على آخر قّلَّل من شأنه، قائلاً: ( لا تستكردني)، لا تحسبني كردياً، أي لستُ غبياً كما ترى.
أذكر أنني، قبل ما يقارب عشرين عاماً، قرأت في إحدى الدوريات مقالةً لأحد الأصدقاء، وقف فيه عند هذه الظاهرة في المسلسلات التلفزيونية المصرية، و أهاب بالمصريين كُتَّـاباً و مفكرين أن يتصَدَّوْا لهذه الظاهرة بالوقوف و الاطلاع على منجزات الكرد الثقافية و الأدبية و العلمية التي منحوها الحضارة الإسلامية.
أنا لا أشك في أن الكردي يتألم كثيراً حين يسمع هذه الكلمة من غير الكردي، و إذا كان الأمر كذلك، فلنا أن نتصور مدى الألم الذي تسببه حين يواجه بها كردي زميله الكردي، على غرار قول الشاعر العربي: و ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقْع الحسام المهند.
و بالتالي هي ليست مقبولة من الكردي إذ يوجهها لصنوه الكردي، لأنها في معناها القريب (تحسبني كردياً) لا تناسب أن تُقال للكردي، أما في معناها المقصود حتماً و هو التحقير، فهي إهانة للقائل الكردي قبل أن تكون إهانة للمقول له.
إن أحد أنجح السبل ، على ما أرى، في الرد على أولئك الذين يرون الكرد أغبياء، يقع على عاتق الكُتَّـاب الكرد الذين يكتبون باللغات الأخرى، و لاسيما باللغة العربية.
عليهم، و على الكاتب بوجه عام، أن يعنى بكتابته من جميع جوانبها، لأنه يتوجَّه فيها، أول ما يتوجَّه، إلى قُرَّاء تلك اللغة التي لاتعدم قُرَّاءً على دراية واسعة بأسرارها و نحوها و صرفها، فضلاً عن المختصين في علومها.
و من هنا أرى أن دفاع بعض الكُتَّـاب الكرد عن زملاء يرتكبون أغلاطاً لغوية في بعض كتاباتهم باللغة العربية، بدعوى أنها ليست لغتهم الأم، إنما هو مشاركة في الإساءة إلى أولئك الزملاء و إلى الكرد أيضاً.
و تزداد حاجتنا اليوم في سوريا إلى معرفة اللغة العربية ليس إلماماً فقط، بل معرفة دقيقة بأسرارها، خاصة و نحن في هذه الظروف نتوجَّه إلى شركاء لنا في السعي لبناء دولة القانون و إحقاق الحقوق و الواجبات، و اللغة العربية هي وسيلتنا الأولى للتفاهم و التواصل معهم، ووسيلتنا الوحيدة لكتابة البيانات و الاتفاقات و التعهدات.
خلال الثورة السورية التي ما تزال على أشدها، و التي لا بد أن تنتصر لأنها أرادت الحياة، وفق ما قاله الشاعر التونسي قبل عشرات السنين، شاركت وفود كردية في مؤتمرات و حوارات كثيرة مع شركائنا في الثورة و الوطن السوري، ولكنك باستعراض سريع لأسماء أعضاء الوفود و تخصصاتهم، تراهم ينتمون إلى الأحزاب و لن ترى بينهم مختصين في التاريخ والجغرافيا و القانون و اللغة العربية، الشيئ الذي يدل على أمرين اثنين؛ أولهما تضخم الذات الحزبية لدى هؤلاء، و الثاني ادعاء هؤلاء، ضمنياً، بأن أحدهم يختزل في نفسه المؤرخ و الجغرافي و القانوني و اللغوي في آن معاً.
و لا أحسبك أخي القارئ، كما لا أحسب هؤلاء، لا يعرفون مدى الضرر الذي يُلحقونه بما هم يتحاورون من أجله.
من هنا، أرى أن يكون بين وفود الكرد إلى مؤتمرات المعارضة السورية لغويون و قانونيون و مؤرخون و جغرافيون ، بصفة أعضاء أو مستشارين، لينظر كل واحد في صيغ الاتفاقات و التعهدات من زاوية اختصاصه، ليس شكاً بنوايا الآخرين، بل للوقوف على جميع الجوانب و سد الطريق أمام اجتهادات قد تظهر مستقبلاً، و تكون سبباً لخلافات قد تضر بالنوايا الحسنة والمساعي النبيلة.
و هذا ما يدفعنا إلى البحث في معاني الفعل الثلاثي الذي يأتي في علم الصرف العربي مزيداً بالحروف الثلاثة ( الألف و السين والتاء)، لنقف على معناه في هذا المجال.
من المعرف أن اللغة العربية هي لغة اشتقاقية، كل كلمة فيها تعود إلى جذرها الثلاثي أو الرباعي أو الخماسي، و من هنا تُشتقُّ من الكلمة الواحدة كلمات كثيرة، و كل كلمة مشتقة تضيف جديداً على معنى الجذر.
و من هنا بذل المشتغلون في علم الصرف العربي جهوداً جبارة في ميدان عملهم الذي يشتغل على بنية الكلمة ، فازدحمت المكتبة العربية بمصنفات ضخمة في هذا الموضوع، تدل على غيرة أولئك العلماء على لغتهم.
و بالرجوع إلى أبحاث و أعمال أولئك الصرفيين، نرى أن الفعل الثلاثي يمكن أن يأتي مزيداً بحرف واحد و بحرفين و بثلاثة حروف، و كل زيادة تضيف على الفعل معاني جديدة، و من هنا أفردوا في ثنايا أبحاثهم بحثاً خاصاً يتناول معاني حروف الزيادة.
و هو بحث تجاوز الصفحات القليلة إلى استغراق كتب و مؤلفات عديدة.
لست هنا في معرض البحث في ثنايا تلك الكتب، فذلك ليس ما دفعني إلى كتابة هذه المقالة، بل ما دفعني إلى هذه الكتابة هو ورود كلمة (استكرد) في مقالة للكاتب وليد عبد القادر منشورة في موقع (ولاتي مه) بتاريخ 7.
7.
2012 تحت عنوان (عزيزنا الاستاذ موسى موسى)، و قد ورد فيها قوله: (… و أظنه ما هكذا أو لهذه الدرجة يتوجب – استكرادنا- …).
الأصل في هذا المصدر هو الفعل (كَرَدَ) الثلاثي، و قد جاء هنا مزيداً بثلاثة حروف هي الألف و السين و التاء، على وزن (استفعل) الذي يأتي مصدره على وزن (استفعال)، أي (استكرد / استكراد).
و هذه الحروف الثلاثة حين تُزاد على الفعل الثلاثي في اللغة العربية، تمنح هذا الفعل ثماني مدلولات، و أحد هذه المدلولات هو (الاستحقار)، كأن يقول أحدهم : ( إن فلاناً استصغرني)، أي قلّل من شأني و قيمتي.
و منه القول الذي يُتردد كثيراً في اللغة الدارجة (فلان استوطى حَيْطي) بمعني قَلَّل من قوتي و رآني ضعيفاً.
إن (استكرد / استكراد ) و في السياق الذي وردت فيه في مقالة وليد عبد القادر، تحمل المعنى المشار إليه أعلاه.
و ترد كثيراً في المسلسلات التلفزيونية المصرية بهذا المعنى ، حين يرد أحد الممثلين على آخر قّلَّل من شأنه، قائلاً: ( لا تستكردني)، لا تحسبني كردياً، أي لستُ غبياً كما ترى.
أذكر أنني، قبل ما يقارب عشرين عاماً، قرأت في إحدى الدوريات مقالةً لأحد الأصدقاء، وقف فيه عند هذه الظاهرة في المسلسلات التلفزيونية المصرية، و أهاب بالمصريين كُتَّـاباً و مفكرين أن يتصَدَّوْا لهذه الظاهرة بالوقوف و الاطلاع على منجزات الكرد الثقافية و الأدبية و العلمية التي منحوها الحضارة الإسلامية.
أنا لا أشك في أن الكردي يتألم كثيراً حين يسمع هذه الكلمة من غير الكردي، و إذا كان الأمر كذلك، فلنا أن نتصور مدى الألم الذي تسببه حين يواجه بها كردي زميله الكردي، على غرار قول الشاعر العربي: و ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقْع الحسام المهند.
و بالتالي هي ليست مقبولة من الكردي إذ يوجهها لصنوه الكردي، لأنها في معناها القريب (تحسبني كردياً) لا تناسب أن تُقال للكردي، أما في معناها المقصود حتماً و هو التحقير، فهي إهانة للقائل الكردي قبل أن تكون إهانة للمقول له.
إن أحد أنجح السبل ، على ما أرى، في الرد على أولئك الذين يرون الكرد أغبياء، يقع على عاتق الكُتَّـاب الكرد الذين يكتبون باللغات الأخرى، و لاسيما باللغة العربية.
عليهم، و على الكاتب بوجه عام، أن يعنى بكتابته من جميع جوانبها، لأنه يتوجَّه فيها، أول ما يتوجَّه، إلى قُرَّاء تلك اللغة التي لاتعدم قُرَّاءً على دراية واسعة بأسرارها و نحوها و صرفها، فضلاً عن المختصين في علومها.
و من هنا أرى أن دفاع بعض الكُتَّـاب الكرد عن زملاء يرتكبون أغلاطاً لغوية في بعض كتاباتهم باللغة العربية، بدعوى أنها ليست لغتهم الأم، إنما هو مشاركة في الإساءة إلى أولئك الزملاء و إلى الكرد أيضاً.
و تزداد حاجتنا اليوم في سوريا إلى معرفة اللغة العربية ليس إلماماً فقط، بل معرفة دقيقة بأسرارها، خاصة و نحن في هذه الظروف نتوجَّه إلى شركاء لنا في السعي لبناء دولة القانون و إحقاق الحقوق و الواجبات، و اللغة العربية هي وسيلتنا الأولى للتفاهم و التواصل معهم، ووسيلتنا الوحيدة لكتابة البيانات و الاتفاقات و التعهدات.
خلال الثورة السورية التي ما تزال على أشدها، و التي لا بد أن تنتصر لأنها أرادت الحياة، وفق ما قاله الشاعر التونسي قبل عشرات السنين، شاركت وفود كردية في مؤتمرات و حوارات كثيرة مع شركائنا في الثورة و الوطن السوري، ولكنك باستعراض سريع لأسماء أعضاء الوفود و تخصصاتهم، تراهم ينتمون إلى الأحزاب و لن ترى بينهم مختصين في التاريخ والجغرافيا و القانون و اللغة العربية، الشيئ الذي يدل على أمرين اثنين؛ أولهما تضخم الذات الحزبية لدى هؤلاء، و الثاني ادعاء هؤلاء، ضمنياً، بأن أحدهم يختزل في نفسه المؤرخ و الجغرافي و القانوني و اللغوي في آن معاً.
و لا أحسبك أخي القارئ، كما لا أحسب هؤلاء، لا يعرفون مدى الضرر الذي يُلحقونه بما هم يتحاورون من أجله.
من هنا، أرى أن يكون بين وفود الكرد إلى مؤتمرات المعارضة السورية لغويون و قانونيون و مؤرخون و جغرافيون ، بصفة أعضاء أو مستشارين، لينظر كل واحد في صيغ الاتفاقات و التعهدات من زاوية اختصاصه، ليس شكاً بنوايا الآخرين، بل للوقوف على جميع الجوانب و سد الطريق أمام اجتهادات قد تظهر مستقبلاً، و تكون سبباً لخلافات قد تضر بالنوايا الحسنة والمساعي النبيلة.
إذا كانت القصيدة الشعرية، في أية لغة كانت، تغض الطرف عن بعض الزلات اللغوية التي تصيب تركيب الجملة، و التي قد ترد في قصائد بعض الشعراء، بدعوى أن اللغة الشعرية هي لغة المشاعر و الأحاسيس التي كثيراً ما تتمرد على الانتظام، أي كثيراً ما تكون غير منتظمة، و عليه إذا أراد التعبير الشعري أن يكون صادقاً، فعليه أن يكون أيضاً غير منتظم.
إلا أن النثر، بمختلف أجناسه، و هو لغة العقل و المنطق ،لا يمنح الكاتب أو الباحث هذه الرُّخصة، فما بالك في كتابة مقالة فكرية أو صياغة بيان أو تعهد سياسي!
إلا أن النثر، بمختلف أجناسه، و هو لغة العقل و المنطق ،لا يمنح الكاتب أو الباحث هذه الرُّخصة، فما بالك في كتابة مقالة فكرية أو صياغة بيان أو تعهد سياسي!