ففي القاهرة عالج المتشددون الأسلاميون خطأً بخطأً، أما بالنسبة الى اولئك التتار، فلقد قاموا بخطوة كبيرة الى الوراء.
ولما كانت القاعدة في اليمن الاكثر نفوذا مقارنة بنفوذها في بلدان عربية واسلامية اخرى، فان الهجوم على السفارة الامريكية في صنعاء تلا من حيث الشدة نظيره في القاهرة أن لم نقل فاقه، وهنا أيضاً فان الرابح الاكبر القاعدة.
لما تقدم نستنتج ان الاستنكارات والاحتجاجات العنيفة على الفلم، بالمقارنة مع الاحتجاجات على (تيري جونز) وقبله الرسام الكاريكياتيري الدنماركي، حصلت في بلدان ما يسمى بـ(الربيع العربي) بدرجة رئيسة: (مصر، اليمن، ليبيا، تونس) والتي بلغ العنف فيها حد مقتل السفير الامريكي بليبيا اضافة الى 3 من موظفين امريكيين آخرين، وفي اليمن اضطرت الشرطة الى اطلاق النار على المتظاهرين ما أسفر عنه، حسب الاخبار، مقتل وجرح بعضهم.
وهكذا فأن من ثمار وبركات (الربيع العربي) تفشي ظاهرة العنف في البلدان التي شهدته، واذكر انه بعد نشر سلمان رشدي لكتابه (ايات شيطانية) الذي تزامن مع كتاب للكاتبة البنغلادشية (تسليمة نسرين)، اللذان تعرضا الى الاسلام بالسوء، ومن بعدهما الرسام الدنماركي فالقس جونز، كانت الاحتجاجات في البلدان الاسلامية غير العربية، على الاساءات بحق الاسلام، تتقدم على الاحتجاجات العربية بكثير.
والذي يثير الاستغراب في احتجاج العرب والمسلمين، على الانتهاكات بحق دينهم ورموزهم الدينية، انهم يغضون الطرف عن الاساءات التي يلحقها الملحدون العرب والمسلمون بشكل شبه يومي وجد صارخ بالدين الاسلامي والقرآن الكريم والنبي محمد(ص)، وبوسع المرء الاطلاع على العشرات من المقالات وباقلام كتاب عرب ومسلمين وبالأخص في الانترنيت يهاجمون فيها الله ورسوله والقرآن الكريم والدين الأسلامي، ليس هذا فقط بل أن للملحدين العرب مواقعهم في الانترنيت، ومع ذلك لا تنظم التظاهرات والاحتجاجات ضدهم، في وقت تعد فيه الأساءات للاسلام لدى الغربيين تكاد تكون نادرة، ويخضع قسم منها للتأويل والتفسيرات المتناقضة، فعلى سبيل المثال نفى الرسام الدانماركي في حينه انه بفعله قصد النيل من النبي محمد (ص) أما (جونز) فلقد صرح بأنه لم يكن ينوي حرق القرآن، انما لفت انظار العالم الى التعصب الديني المهيمن على المسلمين، وكيف انهم يفقدون توازنهم والسيطرة على اعصابهم امام اقل هزة يعتقد انها تستهدف الدين الاسلامي، وكان واضحا منذ الاعلان عن اعتزامه حرق القران الكريم، انه لن يقدم على فعلته، بدليل عدم تدخل السلطات الامريكية لأيقافه وكأنها كانت تعلم مسبقاً بعدم اقدامه على الفعل المنكر.
ومع هذا، من الصعب نفي ايادي خفية في ترتيب الاساءات إلى الأسلام، والملاحظ، ان الايديولوجيا واداوتها غالباً ما تكون منطلقاً لتلك الاساءات: (رسم كاريكاتيري، حرق القرآن، فلم سينمائي، آيات شيطانية، كتابات تسليمة نسرين…)الخ.
في حين نجد رد فعل المسلمين، نسف الكنائس، قتل المسيحيين، تحطيم تماثيل بوذا كما حصل في افغانستان، مهاجمة السفارات…الخ.
لقد كان الأولى بالمسلمين مجابهة الاساءات الى دينهم باساليب حضارية لا تتعدى الندوات والمناقشات والمقالات، لا اللجوء إلى القنابل والسكاكين والتفجيرات.
واذا توخينا الانصاف، فا الدعوات الى الشدة والعنف جاءت من المسلمين، لا ضد الغرب فحسب بل ضد المسلمين ايضا فقبل ايام من الاعلان عن الفلم المسيء، كانت مساجد للسنة وحسينيات للشيعة ومصلوهما قد تعرضوا إلى الهجمات الأرهابية في بغداد وكركوك وقبلهما في الموصل، وعلى يد مسلمين طبعاً.
ومن الاهداف التي تتوخى الجهات الراعية لاستفزاز مشاعر المسلمين المتوترة أصلاً، أبقاء العالمين العربي والاسلامي في حالة من الأظطرابات والقلاقل والحروب والأجواء المشحونة بالتوتر والتأزم والهيجان بشكل يصرفهما عن التفكير بالبناء والعمران والتقدم، لذا نجدها، أي الجهات، تقوم بين آن وآن بتفجير أزمة وافتعال خصومة، لكي يظل الاضطراب والهيجان قائماً لا يتوقف، ونجد المسلمين يستجيبون لها بغباء، فهم بدلاً من لن يتقبلوا التجاوزات عليهم باعصاب باردة ومواقف حضارية تكفل احراج المتجاوز وفضحه وبالتالي كسب الرأي العام العالمي الى جانب المسلمين تراهم يمعنون في الأخطاء اكثر.
لقد أستفز الرسام الكاريكاتيري الدنماركي للنبي محمد (ص) الكثيرين، بيد ان المسلمين نسوا، كيف ان رسامين مسلمين قبل أكثر من (40) عاماً كانوا قد أساؤا الى شخص المسيح (ع) فعند قيام الفاتيكان بتبرئة اليهود من دم المسيح ثارت ثائرة المسلمين.
حتى أن صحيفة (الثورة العربية) البغدادية التي كانت تنطق باسم الاتحاد الاشتراكي العربي قامت بنشر رسم كاريكاتيري للمسيح وبيده مسدس وقد صوب فوهته الى جبينه، وكتب تحته: (اذا لم يقتله اليهود فمعنى انه أنتحر)! علماً ان الدين الاسلامي نفسه ينفي صلب المسيح، بعد ذلك نشرت الصحيفة نفسها رسماً كاريكاتيرياً لقداسة البابا وقد بدت عليه الحيرة بين كيس للنقود والصليب! لقد انزعج المسلمون والعرب منهم بالأخص في منتصف الستينات من القرن الماضي من تبرئة الفاتيكان لليهود من دم المسيح، في حين كان الأولى بهم ( المسلمين) وما يزال ان يبرؤا الامويين وبالتالي السنة من دم الحسين (ع) لاجل طي الخلاف الدموي بين السنة والشيعة والذي راح يحتدم اكثر في ايامنا هذه.
نعم لقد كان اولى بالمسلمين وما يزال ان يحذوا حذو الفاتيكان في أظهار التسامح والعفو وازالة الخصومات والبغضاء بينهم أو نسيتم في حينه عناوين كتب في واجهات المكتبات مثل: (الله في قفص الأتهام) و (أرني الله) وو..الخ من الكتب التي تم الترويج لها على يد الكتاب العرب والمسلمين؟ ولكن من غير ان تثير التعصب والكراهية لدى الناس.
لقد كان على العالم الاسلامي، والذي كان بادئاً بالظلم وما يزال، ان يحصد نتائج تعصبه وتطرفه الديني، ولقد قيل (من يزرع الريح يحصد العاصفة).
فها هي العاصفة تهب على المسلمين في كل مكان، في ميانمار التي فر منها الالاف من المسلمين الابرياء، من ضحايا افعال القاعدة والتطرف الديني، وفي ولاية اسام الهندية التي انتشرت فيها خيام اللاجئين المسلمين قبل ايام، وقبل ايام تشكى مسلمو بغاريا من ممارسات تمييزية ضدهم، وفي نيجيريا تعيث (يوكو حرام) فسادا والتي تقتل المسيحيين وتسيء الى المسلمين في ان.
وهاهي طلائع الاضطهادات للمسلمين تطل برأسها في كينيا واثيوبيا، اما في البلدان الاسلامية فان انتهاكات المسلمين ضد بعضهم بعضهم تفوق تلك التي يعتقدون ان غربيين يمارسونها ضدهم، ففي مالى لم تسلم حتى قبور اولياء الله الصالحين من شر المتطرفين الاسلاميين، وفي العراق تتعرض المساجد والكنائس والحسينيات الى اعتداءات من قبل المسلمين..
الخ.
ختاما على العرب والمسلمين ان يترفعوا عن الصغائر التي تستخدم ضدهم.
رئيس تحرير صحيفة راية الموصل – العراق