النقد ليس انتقاداً

حيدر عمر
heyder52@hotmail.de  

قبل اسبوعين كتبت مقالاً (هل هو البيان رقم واحد؟) تعقيباً على بيان صادر عن (وحدات الحماية الشعبية) التي بدت في بيانها مُلِحَّة في طلبها أن تكون هي وحدها “الطرف الشرعي في الدفاع عن الشعب الكردي و مكتسباته في غرب كردستان”، و قد نشرته بعض المواقع التي أرسلته لها، و أخرى بينها  (صوت كوردستان) لم تنشره، و بعد استفساري عن السبب، عللت إدارة (صوت كوردستان) موقفها في رسالة قصيرة بـ”الوضع الحساس و الخطير في غرب كردستان”، الأمر الذي يدعونا، أو بالأحرى يدعو الموقع إلى اتخاذ قرار بـ”عدم نشر انتقاداتنا و ملاحظاتنا” التي هي بالآلاف.
رغم اختلافي مع إدارة الموقع في هذا التبرير، فإنني أحترم رأيها، ولكن الذي يلفت الانتباه أكثر، و حزَّ في نفسي أن الموقع اتهمني مباشرة بأن مقالي يؤدي إلى خلق صراع و” اقتتال بين الأخوة الكورد” و أن ما كتبته لا يدخل ” في خدمة وحدة الصف الكوردستاني” إذ تقول في رسالتها التبريرية :”  في مقالة حضرتكم تدعون الى  الرد على بيان لجهة عسكرية كوردية و أي رد غير هادئ لربما ينجم عنه قتال  بين الاخوة الكورد..

صوت كوردستان هي ضد الحرب بين القوى الكوردية أيا كانت تلك القوى و الاحزاب.

لذا  نرجوا من حضرتكم أعادة صياغة الموضوع بشكل  يكون في خدمة وحدة الصف الكوردستاني”.
أعتقد أن الآلاف من الزملاء الكتَّاب و القرَّاء، و بينهم مَن هو كثير الاهتمام بالوضع في غرب كردستان، قد قرأوا المقال المشار إليه أعلاه من خلال نشره في عدة مواقع إلكترونية، ولكن أحداً منهم لم يصل إلى النتيجة التي وصلت إليها إدارة (صوت كوردستان) من حيث أنه ربما ينجم عنه اقتتال الأخوة، و أنه ليس في خدمة وحدة الصف الكوردستاني.
رغم ما ندعيه من تحضُّرٍ و قبول النقد و الرأي المغاير، لا يزال النقد بالنسبة لنا نحن الكرد بعبعاً مخيفاً و معولاً هدَّاماً.

أو بمعنى آخر، لا زلنا نعمل على حَرْف النقد عن أسمى و أرفع وظيفة له، و هي البناء على أسس سليمة، ليكون هذا البناء قادراً على مواجهة ما يعترضنا من معوِّقات و تحدياتٍ، و ما أكثرها!.
 و أنا ما ادعيت أنني في مقالي أرد على بيان من أية جهة كان، بل أردت الإشارة إلى ما يمكن أن ينتج عن هذا البيان من تناحر بين القوى الكردية التي توصلت للتو إلى لمَّ الصفوف لمَّاً  لا زلنا  ندعو إليه منذ عقود.

وإذا كان (صوت كوردستان) “ضد الحرب بين القوى الكردية أياً كانت تلك القوى و الأحزاب”، فإنني، في الوقت الذي أحييه على هذا الموقف النبيل، لست أقل منه في موقف الضد من تلك الحرب، بل ساشجبها و أستنكرها، إن حصلت لا سمح الله، و أقف إلى جانب كل مَن يسعى إلى عدم حدوثها ما بقيت حياً.

 
إن جميع القوى و الفصائل الحزبية بالإضافة إلى التنسقيات الشبابية الكردية  التي أفرزتها الثورة السورية، رغم ما بينها من اختلافات، تتفق على أن الساحة تتسع للجميع، و لايمكن لفصيل أو حزب، مهما تكن قوته و جماهيره، أن يقود  الساحة  وحده أو يستفرد بها، بل هي في حاجة ماسة، و لاسيما في هذه الظروف، إلى تكاتف الجميع، لأنها جميعاً ركاب سفينة واحدة، إن غرقت غرقوا، و إن نجت نجَوْا.

وهنا تكمن القيمة الحقيقية لاتفاق هولير و الغاية من إبرامه، و هو الاتفاق الذي جمع بين المجلس الوطني الكردي بجميع عناصره و مكوناته، و مجلس الشعب في غرب كردستان أيضاً بجميع عناصره و مكوناته، و أنتج (الهيئة الكردية العليا).
طالما أن كلا المجلسين، و كذلك مكوناتهما، يدركان أن أياً منهما ليس الوحيد في هذه الساحة، فإن هذا الإدراك يملي عليهما و على جميع مكوناتهما الالتزام بروح الاتفاق، الذي لولا وجود هذا التعدد، لَما كانت ثمة حاجة إلى إبرامه، أو بالأحرى، لَانتفت الحاجة إلى وجوده.من هنا تأتي أهميته، و ضرورة السير وفق مقتضى بنوده، و من هنا أيضاً سنظل ندعو إلى الحفاظ عليه، و في الوقت نفسه، سنظل ننقد كل مَن يتخذ خطوة من شأنها أن تلحق الضرر به.
أعتقد أن كل المراقبين، و كذلك كل مَن يهمه شأن الكرد في سوريا، يتفقون معي في أن أي خلل يعتري هذا الاتفاق، حتى و لو كان من جهة مكون واحد من مكونات المجلسين، سوف ينعكس سلباً على الاتفاق كله، و على “الهيئة الكردية العليا” التي انبثقت عن ذلك الاتفاق، و التي بنى الكرد في سوريا عليها آمالاً كبيرة ليس فقط خلاصهم من نير الاستبداد و الظلم و الإنكار، بل حصولهم على كامل حقوقهم القومية التي ناضلوا، ولا يزالون، من أجلها.
 إن البيان المشار إليه، موضوع مقالي السابق، يدخل في هذا الباب، أي في باب الخلل الذي لا يريد أي مُنصِفٍ و كل مَن يهتم بهذا الأمر، أن يعتري الهيئة الكردية العليا، و يسبب ضعفها أو يعترض سبل نجاحها في مهماتها.
و من هنا، من منطلق الحفاظ على هذا الإنجاز الذي حققته القوى الكردية في سوريا، جاء مقالي السابق و موقفي من البيان، بحيث أردت أن ألفت انتباه أصحابه إلى أنه يغَيِّب الآخرين في وقت نحن بأمسِّ الحاجة إلى تضافر الجهود و تضامُنها، و أن ما سينتج عنه من عواقب  غير محمودة ربما كانت غائبة عنهم لحظة إعداده.
جميعنا، و معنا القوى السياسية الكردية كلها، ندرك صعوبة تكيُّفنا مع ظروف و متطلبات العمل المشترك بعد ما يزيد عن أربعين عاماً من التشرذم و الانشقاقات الحزبية  التي أفرزت أحزاباً، كثيرٌ منها تعترف بضعفها، ولكنها لا تستطيع  الخروج من مأزقها، و التي ملَّ منها الحزبيون أنفسهم قبل الشارع الكردي، و جميعنا ندرك أيضاً أن كثيراً من المعوقات الذاتية و الموضوعية ستعترض سبيلنا إلى وحدة العمل و الموقف.

و هنا تكمن وظيفة النقد في أن يضع الاصبع على مكامن الأخطاء، و الدعوة إلى تصحيح المسار.


ها هو أحد طرفَيْ الهيئة الكردية العليا، و هو المجلس الوطني الكردي، يؤكد، في اجتماع هيئته التنفيذية المنعقد يومَيْ  28 و 29.

09.

2012  “ضرورة التزام لجان الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي بقرارات الهيئة الكردية العليا و ضرورة مشاركة الشباب الكرد المتدربين في الاقليم للجان الحماية الشعبية الحدود”.

أليس تمَسُّك أحد طرفَيْ الهيئة العليا ببنود الاتفاق و إلحاح مكون من مكونات الطرف الآخر على اعتباره “الطرف الشرعي في الدفاع عن الشعب الكردي و حماية مكتسباته”، إن حصل هذا، أليس يعتبر تهديداً للهيئة التي بنينا و نبني عليها الآمال؟.

ألا يدعو هذا إلى تدخُّل المثقفين و الخيِّرين من أبناء هذا الشعب قبل أن يقع الفأس في الرأس؟ هل  تؤدي الإشارة إلى ذلك في مقال، و نقد الجهة التي يشكل تصرفها خروجاً عن قرارات الهيئة العليا، إلى اقتتال الأخوة الكورد؟
إن التزام الصمت تجاه الأخطاء، و لاسيما في هذه الظروف الحساسة، التي يحتاج فيها شعبنا إلى أي مساعدة مهما كان حجمها صغيراً، لا يقل في تأثيره السلبي عن الأخطاء نفسها، بل قد يفوقها في هذا الاتجاه السلبي، لأن الصمت يزيين تلك الأخطاء بلبوس جميل قد يكون قادراً على إخفاء عيوبها و آثارها المدمرة.
أما أن نأتي و نصف ذلك النقد بأنه لا يدخل “في خدمة وحدة الصف الكوردستاني” أو ينتج عنه “اقتتال الأخوة”، فهذا لَعَمري، هو الأمر الذي يساعد في توليد الخطأ أخطاءً، و انحيازاً لا يدخل لا في باب النقد، و لا في باب الدعوة إلى إصلاح مكامن الخطأ، و لا في باب ” خدمة وحدة الصف الكوردستاني”.
النقد ليس انتقاداً يدفع إلى التنابز و التراشق، و يؤدي إلى “اقتتال الأخوة”، النقد يرى الأخطاء، و يعمل على تقويمها ما وَسِعَه العمل، و هو يبني اطروحاته على واقع موجود يراه مختلاً،  لا على واقع مُفتَرَض، يخلقه أو يتصوره بنفسه، ثم يبني عليه.

و هنا تكمن أنبل و أسمى وظائف النقد.

أما الانتقاد، فهو بعيد عن النقد، من حيث أنه يختلق الأمور، بل يفتعلها، و يتصورها حقائق موجودة على الأرض، ثم يبني عليها.

و من هنا يكون عاملاً مهماً من عوامل الهدم و ليس البناء.و هنا يكمن الفرق بين النقد و الانتقاد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…