مصائب الهيئة الكردية العليا – 3

د.

محمود عباس

  الحراك الكردي العسكري في المنطقة (وعلى رأسهم لجان الحماية الشعبية) وما يثار في الاجواء حول عمليات التفعيل والتأكيد على القوة العسكرية الأحادية الجانب، وما يرافقها من لهجة قاسية، والتي فيها من العنجهية تجاه الاخر الكردي، يبعث بالفكر إلى  أعماق أيديولوجية الانتماء الواحد، والحزب الواحد، والقائد الاوحد، والأنا المطلقة الملغية للآخر جملة وتفصيلا.

أدت هذه الأمواج المثيرة للشارع إلى ظهور بيانات خجولة من المجلسين الكرديين، وخمول في نشاط الهيئة الكردية العليا، الباهت أصلاً، كما وادخلتها في حيرة وأرتباك في مضمون البيانات سميت بحسن دراية، غلفتها خوف من المجهول وحذر من الغامض المحاط المسيطر، شرح على أنه بعد نظر وتحليل منطقي للواقع والمستقبل القادم،
لكن الواقع بعث بأغلبية اعضاء الهيئة الكردية (العليا)، إلى ضياع الثقة بالهيئة، وبعلوها، فبدأت تظهر تلميحات خجولة في القضايا الرئيسية مع الإدراك التام بأنها تقع خارج مجالهم؟!.
 القوة العسكرية الكردية التي بدأت تعكس مطلب القائد الكردي في امرالي، خمسة عشر ألف مسلح كردي، لتشكيل قوة ثالثة في المنطقة، حراك فيه عزيمة على تكوين الكيان الكردي، لكن دون السماح لقوى اخرى بالمشاركة في بناء هذا الصرح، وفي فترة لا تزال المنطقة ومصيرها في مهب الزوابع السياسية المتلاطمة خطأ مصيري قد يؤدي بالمنطقة إلى ضياع مفزع وقتال كردي – كردي، حتى ولو لم تكن هناك قوى كردية موازية الأن، لكنها ستأتي في القادم من الزمن وستنافس.

بدون مشاركة القوى أو منافسة سياسية سوف تجرف بالقوة المتشكلة إلى سيطرة شمولية، بعقائدية جامدة، مشابهة للسلطات التي يثير شعوب الشرق ضدها الان في كل الزوايا.


  التصريحات التي انبثقت ببيانات وتلميحات متنوعة، من قادة لجان الحماية الشعبية، أهدت إلى الهيئة الكردية العليا طلقة الرحمة، بدأتها في الوجود العسكري المنفرد  ورفض التحدث عن وجود مشترك بشكل منطقي، كل ذلك يعد انذار الى القوى الكردية الموجودة في معسكرات دوميز في كردستان الجنوبية، بل وإلى حكومة الاقليم التي تدعم تلك القوة، وإلى الشعب الكردي في المنطقة، أوامرهم هي الصمت أو الرضوخ.

 لسنا بصدد دراسة الاشكاليات السياسية التي تظهر على السطح أو المخفية خلف المسرح، أو الاتفاقيات التي تحدث ما وراء المبان بين هذه القوى، ولا عن العمليات الجارية لخلق السيطرة، اننا ننظر الى الوجود الحاضر والبيانات التي تعيدنا إلى الماضي المأساوي وتجعلنا نتذكر المادة (الثامنة) من الدستور السوري السابق، حيث الوجود الواحد الاحد الكلي في المنطقة.
   يتوضح هناك في الوطن بوادر صراع مباشر قادم، مهما كانت الجهة المقابلة ضعيفة في هذا الوقت إلا انها ستنبثق يوما كقوة منافسة، ترفض الرضوخ  لهيمنة وسيطرة عسكرية، المنطق البشري – الالهي المطلق والاوحد، لا يتناسب والمجتمعات البشرية التي عانت من الدكتاتوريات ومظالمهم عهوداً، مهما كانت التبريرات، كمشاركتهم الفعالة، وبطرقهم الخاصة، على ابقاء المنطقة الكردية بعيدة عن شرور الدمار والحرب، ومهما علت شأن المفاهيم والايديولوجية، واثبت صحة الاستراتيجية أو تكتيك النضال، تبقى الإنفرادية في تسيير الامة مهلكة، ستؤدي في نهاية المطاف الى مستنقع الضياع والثقافة الدكتاتورية.
 قبل فترة انغمس حسن عبد العظيم رئيس هيئة التنسيق الوطنية في قضية حساسة انتبهنا وانتبهت اليه منظومة المجتمع الكردستاني و ال ب ي د، حول انتماء اللجان الشعبية والوجود العسكري الكردي التابع لوجستيا ل (ب ك ك) ونظريا ل (ب ي د) الرجل العروبي ذاك يرفض هذا الوجود من منطق المعارضة السلمية الداخلية، التي يمثلها هيئة التنسيق (الوطنية!) المتبجحة على الحقل الاعلامي تحت خيمة الاسد في دمشق، والرافض للوجود الكردي على خلفية البنية الثقافية العروبية العنصرية، والتي هي انعكاس مطلق للبعث السني المتخفي تحت جلباب المعارضة الداخلية، حتى ولو  كانوا في هيئة حسن عبد العظيم وحزبه.

تهافت مليء بالخداع على عرابه من التيار الكردي الذي لايزال يلفه الصمت أمام هذه العنجهية السياسية، والتحليل المغرض بكل رناته!.

القوة العسكرية التي بحث فيها، ينتمي الى ذاتها المتكونة من داخل المنطقة الكردية في سوريا، علما أن النواة الاساسية والمكونة للموجود الظاهر الأن في بعض المدن الكردية نزلت من قنديل، والكل  يدرك ذلك، أما الانتماء السياسي الفكري هي للقيادة العليا هناك، حيث رسم التكتيك المخطط سابقاً.

 من عمق هذه الاختلافات، وعلى اطراف التناقضات تبقى الهيئة الكردية العليا ووجودها شكلي، اسم قوي بدون فعل، اصبحت لا تمثل حتى المجلسين، فكل طرف منهم  له اجنداته المنعزلة،  باستثناء مشاورات هناك في الابعاد، في وقت تراكمت الآمال عليها كهيئة مشتركة عليا متفقة عليها في احضان هولير المجاورة لقنديل.
يتبع…..
د.

محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…