في دحض مزاعم جماعة ( ب ك ك ) السورية

صلاح بدرالدين

  من أخطر مايواجه النخب القيادية المسؤولة في حركات الشعوب الوطنية وثوراتها التحررية الخطأ في تشخيص قضايا الصراع وطبيعته وحدوده ووسائله وأطرافه من نظم وقوى وتيارات سياسية والأهداف الاستراتيجية والمرحلية من النزال سياسيا كان أم بوسائل أخرى والعجز عن تميز الرئيسي من الثانوي والتناحري من خلافه أو القفز الى المجهول بحرق المراحل التي تتوالى بحسب قوانين التطور الاجتماعي والبشري ومحاولة تطبيق معادلات في غير بيئتها المواتية الناضجة .
  فسوريا مثل سائر بلدان الشرق الأوسط الأوسع مازالت لم تغادر مرحلة التحرر الوطني بسماتها العامة وتحاول انجاز مهامها التاريخية الآن من بوابة التغيير الديموقراطي وثورتها المندلعة منذ عشرين شهرا تهدف الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية وتمس مباشرة مصالح ومستقبل جميع الطبقات الوطنية وغالبية الفئات والمكونات والشرائح والأطياف التي تنشد حياة أفضل واذا كان من حق الغالبية الساحقة كما أسلفنا أن تعتز بثورتها الواعدة وتعتبرها المدافعة عنها والمعبرة عن آمالها فمن واجبها وحقها أيضا أن تساهم في تعزيزها وتأمين مستلزمات انتصارها بالطريقة التي تراها مناسبة وتحت العناوين والشعارات التي ترتئيها فكما نحن الكرد نتظاهر ونحتج ونطالب باسقاط النظام ونرفع علم الثورة بيد وشعارنا القومي بألوانه ( الأحمر والأصفر والأخضر والأبيض ) باليد الأخرى فان المكونات والفئات والتيارات الأخرى من السوريين من حقها أن تستظل بشعاراتها القومية والدينية والمذهبية والسياسية وألوانها الى جانب مايرمز للثورة وأهدافها فنحن جميعا نعيش في مجتمع تعددي وننشد حياة أفضل كما يراها كل طرف بحسب اجتهاداته وطموحاته .

  كشفت ثورات الربيع العربي عن المستور والمخفي في واقع الشعوب وأفرزت خلال مرحلة تنامي الانتفاضات الثورية وحتى قبل سقوط الدكتاتوريات والأنظمة المستبدة نوعين من خنادق الاستقطاب متناقضان ومختلفان واحد يتحصن فيه الاسلام السياسي بجماعاته المتعددة وقوتها الأساسية الآيديولوجية حركات الاخوان المسلمين الساعية الى خيار الدولة الدينية على مبدأ – الاسلام هو الحل – وآخر علماني مدني يجمع مختلف التيارات الديموقراطية والليبرالية واليسارية واذا كانت تونس ومصر قد اجتازتا تجربة خاصة بهما تحت ظل ” تحالف الأضداد ” في اسقاط بعض البنى الفوقية وخاصة موقع الرئاسة والسلطة التنفيذية على وجه الخصوص من دون تحقيق عملية تفكيك سلطة وقاعدة وأعمدة الدولة بصورة جذرية ثم نتجت عن عملية الانتخابات سيطرة الاخوان المسلمين بمشهد ائتلاف هش مع باقي قوى الخندق المواجه فان مسألة الصراع على السلطة لم تحسم بعد نهائيا لافي تجربة  البلدين ولا  في التجربة الليبية .
 تجربة الثورة السورية التي لم تحسم بعد مهمة اسقاط النظام وهي مستمرة تحمل في جوهرها الى جانب خصوصياتها نفس القضايا والتحديات التي أفرزتها ثورات الربيع بعناوينها الرئيسية وخاصة الصراع بين العلمانيين والاسلام السياسي ولكن في اطار التحالف الوقتي والتنافسي في الوقت ذاته لحين الانتهاء من عملية اسقاط النظام الذي يشكل الخطر الأكبر على الجميع وبوسع الوطنيين السوريين العلمانيين وبسبب اطالة أمد الثورة أن يعززوا من قناعاتهم ويناقشوا مصيرهم ويختبروا السياسات المطروحة في الساحة بمافي ذلك العمل الاستباقي من أجل التقليل من نفوذ جماعات الاسلام السياسي ضمن الأطر المعارضة السياسية وكذلك في صفوف الثورة والحراك ولكن بالطرق السلمية والديموقراطية لأن على الجميع وفي نهاية المطاف الارتهان لنتائج صندوق الانتخاب وصون السلم الأهلي والوحدة الوطنية .


  وهكذا نلمس أن جوهر الصراع القائم في سوريا هو بين الشعب من جهة والنظام من الجهة الأخرى وبين الحرية والاستبداد والعدالة والقمع وهي مواجهة تناحرية سيلغي الواحد الآخر أما التناقضات والخلافات الأخرى في أوساط الشعب ذات الطابع الطبقي الاجتماعي والفكري والثقافي والسياسي والناشبة الآن بين أبناء الخندق الواحد المواجه لخندق النظام بمافيها المواجهة مع الاسلام السياسي فهي تعبر عن صراع ذات طبيعة غير تناحرية تحل بوسائل الحوار التنافسي والتعايش السلمي في اطار الاختلاف .
  هذه الحقيقة التاريخية العلمية الموضوعية تفند بالجملة والتفصيل مايسعى اليه البعض في تزييف الواقع بتبديل عوامل وجوهر وأسس وشكل الصراع الدائر في بلادنا وعلى خطى اعلام النظام المضلل الذي ينفي وجود ثورة وطنية شاملة بآفاق ديموقراطية ويعتبر مايحصل عبارة عن ملاحقة مسلحين ارهابيين تكفيريين خارجين على القانون تنبري جماعات حزب العمال الكردستاني التركي عبر اعلامها في معرض نفيها التورط مع السلطة ضد الثورة الزعم بأن ” معاركها المسلحة ” مع الثوار في عفرين وكوباني وحلب ورأس العين مع القاعدة والسلفيين والاسلاميين الأردوغانيين تماما كما خطاب سلطة الاستبداد وحتى لو سلمنا مجازا بوجود مجموعة مسلحة موتورة برأس العين وغيرها فهل نسق مسلحو ب ك ك مع القوى الكردية والعربية والمسيحية والتنسيقيات الشبابية وقيادة الجيش الحر لحل الاشكال بالطرق السلمية اذا كانوا حريصين فعلا على وحدة صفوف الثورة وانتصارها ؟  .
  أضاليل جماعات ب ك ك في ادعاء التقدمية والحرص على مواجهة الاسلاميين والسلفيين والرجعيين  لن تنطلي على أحد عندما نعلم تعاونها الكامل مع نظام جمهورية ايران الاسلامية المركز الاقليمي للارهاب والمصدر الوحيد عقيدة وأموالا وتسليحا لحزب الله ولكافة جماعات الاسلام السياسي الشيعي في المنطقة والعالم خاصة حول الملف السوري ووقف نشاطات وعمليات حزبها الكردي الايراني – بزاك – اضافة الى مد الجسور مع حكومة المالكي المذهبية المستفزة لقيادة الاقليم الكردستاني ثم عمل جماعات ب ك ك  المشترك على أرض الواقع مع النظام السوري الغارق في أوحال الطائفية حتى أخمص القدمين فهل هذه هي التقدمية ؟

  ان مايشاع ويتردد في وسائل الاعلام السورية الرسمية والايرانية واعلام حزب الله وجماعات ب ك ك في محاولة  تبديل وجه الصراع الحقيقي على الساحة السورية زورا وتشويه جوهر الثورة السورية جزء من سلسلة الحرب النفسية التي لاتنفصل عن عمليات القتل والدمار التي ينفذها النظام للنيل من الثورة وخنق ارادة السوريين ولن تحصد الحملة هذه سوى الفشل والخسران .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…