مع عدم الموافقة.. بالبريد العالمي السريع: إلى الصديق حسين جلبي

إبراهيم اليوسف

تحية طيبة

قرأت مقالك المعنون ب”إعلان استقالة من الشأن الكُردي العام“* أكثر من مرَّة، ووجدتني-فوراً-أقدِّم على كتابة هذه الرسالة إليك، عبرالبريد العالمي السريع، حيث أنك أحد كتابنا الذين يكتبون بدماء قلوبهم، سواء أتفقنا معك، أم لا، لأن ما يدفعك إلى الكتابة في كلِّ مرة، هو حرقة قلب، وجرح روح، وحرص بيِّن على أهلك، حيث تقدم رؤيتك عن كل ما حولك، بجرأة، ومن دون أي تردُّد عن قول ماتشعر به، وما أحوجنا -الآن- إلى مثل هذه الكتابات، الباسلة، حتى وإن كانت تستفز، وتجرح…!
عزيزي حسين
أعترف، أنني واحد من هؤلاء الكتاب الذين غضوا النظر عن سوءات كثيرة، كانت تتم -هنا وهناك- من قبل أولي أمرنا الكرد، وكنت أحد من يؤمنون، وينشرون ثقافة خاصة، في هذا الصدد، مفادها في حال وجود “ظالم ومظلوم”، فإن النقد يجب أن ينصب على الظالم، وإن ملاحظاتنا على المظلوم، إن أخطأ، فهي يجب أن تكون ناعمة، وأن توجه إليه -مباشرة- بعيداً عن وسائل الإعلام، وهو ما فعلته شخصياً، إلى وقت قريب وأنا أواصل نصرتي للحركة الكردية، ولقضيتي، عبر كتاباتي، على امتداد الشريط الزماني لتجربتي الكتابية، وكنت أصبُّ وابل نقدي على الاستبداد، وهو ماتمت مواجهتي به في أحد التحقيقات الماراثونية، وأعلمت الأصدقاء به-آنذاك- وأشار إليه صديقي وليد عبدالقادر في أحد مقالاته، بعد أن حدثته عن تفاصيل ذلك…
والآن، وأنا أقوِّم تلك المرحلة، من تعاملي النّقدي مع الحركة الكردية، فأنا واثقٌ أنني لم أخطأ، وإن كنت أريد مع بدء الثورة السورية، أن أوجِّه نقدي إلى الأهلين، نظراً لضرورته، وفي ظلِّ السقوط الميداني لآلة الخوف، بجهد شباب الثورة الكرد، الأبطال، الذين سبقونا، مؤسسات، ومثقفين، على حدِّ سواء، بيد أنني وجدت -أحياناً- أن توجيه النقد إلى حركتنا الكردية، إنّما يعطي عنها الصورة التي لانريد، فبدأت أميل إلى غضِّ النظر عن بعض ما كان يجب أن ننتقده، إلى أن وجدت، منذ انطلاقة الهيئة الكردية العليا، وجوب ممارسة النقد لدواعِ حقيقية، بل وجدت أن هناك غطرسة حزبية  تتم بحق أبناء شعبنا، ولابدّ من رفع الصوت عالياً، ولكن بموضوعية، وبدافع روح الحرص، وهو ما قمت به، وذلك بعد مراسلات ماراثونية مع بعض الشخصيات التي لم تبدل الثورة شيئاً مما فيهم للأسف.
بعد كل هذا، أرى أن مهمة المثقفين بدأت للتو، لتكون”فرض عين لافرض كفاية” بلغة الإسلام، وإن من لم يكتب من قبل، فلا عذرله إن لم يكتب، وإن من دأب على الكتابة، عليه  الاستمرارفي ذلك،وتجاوز كل العثرات والعقبات، على أن تكون كتابته منطلقة من رؤية سليمة، تتفهم الواقع، وتتفاعل معه، لاسيَّما وأن “الخطرأصبح على الباب”، ولامجال للتراجع، الكرامة أصبحت مستهدفة، التراب أصبح مستهدفاً، رقاب الأهلين صارت مستهدفة، أمام مخطط لاعلاقة له ب” الجيش الحر” الذين نجله وهو يواجه النظام المجرم الذي قتل  ويقتل أهله، ودمر ويدمر مدنه، لأن ما يجري في المناطق الكردية أمر آخر، وإن كنت أدري أي خطأ وقعت فيه الأطراف الكردية التي عولنا عليها الكثير، وهي المجلسان، واتحاد القوى الديمقراطية، كل منها لداع خاص، وقد كان التغوُّل على تنسيقيات شبابنا، عاملاً حاسماً لامسؤولاً في شقِّ الصف الكردي، كما أن إيذاء الأطراف الأخرى لشبابنا لا يقلّ عن بعضها بعضاً: سكوتاً على مايتم، واستمالة لبعضهم، ونبذاً لبعضهم الآخر،  من قبل هذا الطرف أو ذاك، أو التوغل بينهم والاتكاء على كدهم من قبل غيرهما، لنكون كلناً مسؤولين أمام مايتم…!
من هنا، فإنَّني وكما تخاطبني -مازحاً- بصفة تنمُّ عن روحك الساخرة، أجدني في موقع الردّ على طلبك، كموظف صغير في”ديوان الكتابة” قائلاً لك: مع عدم الموافقة، ويطلب إليك مواصلة مهماتك، بروح محايدة، بحيث تجد نفسك ممثلاً عن كل الأطراف على حدِّ سواء، انطلاقاً من الحيادية المطلوبة منا معاشر الكتاب، وأرجو أن أقرأ مقالك التالي، ليكون في”عمق الشأن الكردي العام” فلا مجال لرمي أقلامنا، مادمنا لانحمل البنادق، ولقد سبقك الكاتب الكبير إبراهيم محمود، في سحب انسحابه من الكتابة”، وإن كان الآن يمر في ظرف صحيِّ، شفاه الله….
أجل، صديقي، فرحٌ جداً، وأنا أعقب على “كتاب استقالتك”، لأنّني أجدني، ولدواع كثيرة، مؤهلاً عليه، انطلاقاً مما بيننا، وذلك كي أوجه رسالتي إلى معاشر كتابنا، خارج الوطن وداخله، في آن، على أن يمارسوا مهماتهم، في أن يتحابوا، وأن يجسروا مابينهم، ليتجاوزوا كلّ خلافات صغيرة شائنة، ولينطلقوا بعد ذلك لرأب أيِّ صدع بين أهليكم، من جهة، وبينهم وشركائهم في المكان، من جهة أخرى، من دون أي تناسِ أو نسيانِ لمهمَّتهم الأولى: الكتابة، ورصد مايتم، وتسمية الأشياء بأسمائها، مادام أن جدار الخوف قد سقط حقاً…!
أخوك
إبراهيم اليوسف  

*راجع موقع ولاتي مه مقال الصديق حسين جلبي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…