ولابد أن تتسم هذه المسألة بأهمية بالغة لمستقبل حركة التحرر الوطني الكردية سياسيا وأيديولوجيا، نحو تعميق أطر الفعل الكردي والإرتقاء به إلى المستوى المطلوب،لأن الفرص التاريخية لاتتكررإلا بمنعطفات تاريخية.
لاشك أن إحدي ميزات السياسة التركية تكمن في تلقينها صوب الهدف بتخطيط مسبق ودقيق، هذا الخط السياسي- الإستراتيجي إلتقت حوله وإلتزمت به جميع الأطر السياسية الحاكمة منذ مئة عام، والمعارضة الساعية إلى كرسي الحكم، بغض النظر عن إختلافاتها في الرؤى العامة وبنيانها وتوجهاتها السياسية وإختلافاتها في التكتيك، إذن هناك مشروع قومي تركي ، يعتبر خطا أحمر للجميع، ولايسمح بشكل من الأشكال تجاوزه، وهذا المشروع هو سر ديمومة تركيا الحديثة ونجاحاتها كلاعب مهم في السياستين الإقليمية والدولية.
وبالعودة إلى الحركة السياسية الكردية منذ إنطلاقتها الأولى وحسب التجارب، تبينت أن جوانب ضعف الحركة الكردية هي التي مكنت القوى المعادية من السيطرة والنجاح، حيث كانت النزاعات الداخلية بين الأطراف الكردية ومنذ النصف الأول من القرن التاسع عشر كانت ملازمة للحركة القومية الكردية، إستغلتها إيران وتركيا على الدوام.وكان غياب برنامج سياسي واضح ومايناسبه من آليات سياسية، وضعف الأداء السياسي من أهم تلك السمات التي مازالت طاغية على الوضع السياسي الكردي .
ولإلقاء الضؤ على السياسة الكردية الحميدية، فإلى جانب العسف الحميدي، سعت إستانبول إلى إستمالة القيادة الكردية إلى جانبها وجعلها حليفة للسلطات التركية، بهدف إخماد الحركة التحررية الكردية المتصاعدة بيد الكرد أنفسهم، وإستخدمت لأجل ذلك وسائل مالية وسياسية وأيديولوجية، ولتحقيق هذا الهدف الدنئ، أولى الباب العالي إهتماما خاصا بوجهاء الأسر الكردية ومنحهم الرتب والألقاب والأوسمة والمناصب وامتيازات مالية وإسكانهم في العاصمة.
ولهذا الغرض تأسست في إستانبول وبغداد ” مدرسة العشائر” لأبناء الوجهاء بهدف زرع ثقافة الولاء للدولة التركية.
وأهم من هذا وذاك، كانت الخطة الأساسية للسياسة التركية ربط القيادة الكردية سياسيا بمصالح الدولة العليا.
ولتحقيق هذا الهدف المنشود، راحت القيادة التركية (العثمانية) تستغل فكرة “الجامعة الإسلامية” على نطاق واسع والتي أصبحت من معالم سياسة عبدالحميد الثاني، بهدف مواجهة الدول الكبرى الساعية إلى تقسيم الإمبراطورية، هذه الفكرة التي كانت بمثابة خنجر في خاصرة الشعب الكردي وحركته التحررية .وقد نجح مصطفى كمال في إنقاذ تركيا معتمدا على الفكرة ذاتها .
ومنذ عام 1890 بدأ عبدالحميد الثاني في تشكيل قوات الفرسان غير النظامية والخفيفة من الكرد والمعروفة “بالحميدية” نسبة إلى السلطان عبدالحميد، التي أستخدمت لأهداف سياسية وعسكرية، فمن جهة أستخدمت لمواجهة القوات الروسية ومن جهة أخرى لإخماد التمرد الداخلي ضد السلطة المركزية.
سارت الأمور الدولية لصالح نجاح المشروع التركي الذي قاده مصطفى كمال في تلك المرحلة الحرجة بالنسبة لتاريخ تركيا.
ففي 25 تشرين الأول 1917 إستولى البلاشفة على السلطة في روسيا ، و في 27 منه انتخب مؤتمر السوفييت الثاني لعموم روسيا مجلس المفوَّضين الشعبيين، فقرر المؤتمر في جلسته الأولى نشر جميع المعاهدات السرية للدول الإستعمارية كافة.
و بدأتِ الحكومة الجديدة العمل بسرعة في هذا المجال، و لم تمضِ ستة أسابيع على هذا القرار حتى كانت الوثائق السرية قد نُشِرَت ْفي سبعة أجزاء تحوي على أكثر من مائة معاهدة و إتفاقية و حلف و غيرها.
و نُشِرَت في هذا السياق أيضاً المعاهدات السرية كافة المتعلقة بتقسيم تركيا…
ففي عام 1924 نَشَرَ الكرملين هذه المعاهدات الأخيرة مع إضافاتٍ مختلفة عليها في كتابٍ ضخمٍ و ثمين تحت إسم “الدول الأوروبية و تركيا في أثناء الحرب العالمية الأولى.
تقسيم تركيا الآسيوية مع الوثائق السرية لوزارة الخارجية السابقة”.
و قد ضمَّ المؤلَّفُ أيضاً خريطة نادرة تتناول تقسيم تركيا رسمها السير مارك سايكس، وزير خارجية إنكلترا آنذاك، و جورج بيكو، نظيره الفرنسي.
لم تؤخذ الخريطة الأصلية من دواوين وزارة الخارجية الروسية و لكن تم تصوير الخريطة الملحقة بالكتاب من جديد من الأُنموذج الموجود في أوراق السفارة الفرنسية في بيتروغراد، و هي تتناول صيف 1917 عندما كانت الدول الكبرى تفاوض ايطاليا حول تقسيم ممتلكات تركية الآسيوية ثانية…و الغريب في الأمر أن الأنطقة الفرنسية و الإنكليزية و الإيطالية فقط حُدِّدَت على النسخة الأصلية من الخريطة، أما النطاق الروسي…فلم يُحَدَّد عليها.
وتم التأكيد على اتفاقية سايكس- بيكو مجدداً في مؤتمر سان ريمو عام 1920.
بعدها، أقر مجلس عصبة الأمم وثائق الانتداب على المناطق المعنية في 24 حزيران 1922.
لإرضاء كمال أتاتورك واستكمالاً لمخطط تقسيم غرب آسيا، عقدت في عام 1923 اتفاقية جديدة عرفت باسم معاهدة لوزان لتعديل الحدود التي أقرت في معاهدة سيفر عام 1920 تم بموجب معاهدة لوزان التنازل عن بنود سيفر وترسيخ عملية تقسيم كردستان العثمانية بين بريطانيا وفرنسا وتركيا الكمالية .
– ونتيجة لهذه الإتفاقيات السرية رسمت خارطة المنطقة وفق مصالح هذه الدول دون مراعاة للتوزع السكاني ومصالح شعوب المنطقة، وكان من نتيجة هذه الاتفاقية تقسيم كردستان بين بريطانيا وفرنسا، فوضعت فرنسا جزءا من كردستان(العثمانية) تحت الانتداب الفرنسي على سوريا، هكذا ألحق هذا الجزء من كردستان بالدولة السورية التي شهدت النور بعد خروج الفرنسيين في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
.
ففي الوقت الذي بدأت قوات الحلفاء تتقدم من كردستان وسوريا مشددة الخناق على القوات العثمانية ، فتحت التغيرات السياسية لعام 1917 في روسيا آفاقا جديدة وآمالا جديدة للطورانيين .
فقد “أسعف الحظ” مصطفى كمال بإندلاع الثورة في روسيا عام 1917 ،مما أدى إلى إضطراب الجيوش الروسية،فإنتهز الفرصة وهاجم بقواته وواصل تقدمه في القوقاز.وبعد ذلك،تسلم مصطفى كمال قيادة الجيش السابع في الجبهة السورية ،ووضعت معاهدة بريست – ليتوفسك الماروتينية نهاية للخلاف الروسي – العثماني وعودة الأخيرة إلى حدود ماقبل عام 1876 مما مهدت لها ببزوغ فجر جديد وإنقاذها من الموت .
ورغم محاولات العثمانيين في تحقيق إنتصارات على الجبهات الشمالية فيما وراء القوقاز،تضمنت ((إتفاق مودروس))الموقع في 30 تشرين الأول 1918 بنودا شديدة القسوة.
فالإتفاق يفرض بشكل خاص تسريح الجيش التركي،وإحتجاز جميع السفن الحربية،وإستسلام الحاميات العثمانية في سوريا وفي طرابلس الغرب وفي بلاد النهرين،والجلاء عن الأراضي عبر القوقازية (بإستثناء الجزء الجنوبي – الغربي الذي يبقى تحت الإدارة العسكرية التركية إلى حين التوصل إلى إتفاق جديد) .وينص البند الأول على أن الملاحة في الدردنيل وفي البوسفور سوف تكون حرة ويعترف للحلفاء بحق الإحتفاظ بقوات في منطقة المضائق.كما يمكن لقوات دول الوفاق أن تحتل،عند الحاجة،الولايات التي يسكنها الأرمن في الأناضول الشرقية،وعلاوة على ذلك،فإن الإتفاق يجيز لها السيطرة على ممرات طوروس والإستيلاء على منشآت الموانئ وحرية إستخدام السكك الحديدية والسفن التجارية العثمانية،ويتعين على الحكومة التركية تزويد حاميات الحلفاء مجانا بالفحم والمواد الغذائية وعموما،بجميع المنتجات التي تطلبها.وبموجب البند السابع،تحتفظ دول الوفاق لنفسها بالحق في إحتلال بعض النقاط الإستراتيجية التي تختارها … وهو يكفي، بمفرده،لإضفاء طابع إستسلام غير مشروط على الهدنة .
وبإرغام الدولة العثمانية الخضوع للحلفاء، بقيت دولة وهمية على الورق .
فقد طلب الجنرال مارشال،قائد القوات البريطانية في بلاد الرافدين،سحب قواتها المكلفة بالدفاع عن الموصل،حيث حقق الجيش البريطاني مآربه في إحتلال جميع أراضي كردستان الجنوبية في بداية تشرين الثاني 1918 أي بعد هدنة ((مودرس)) وهزيمة تركيا العثمانية ،وإلتقى في حزيران العام ذاته بيرسي كوكس الذي أصبح فيما بعد أول كوميسار إنكليزي في العراق، بالجنرال الكردي شريف باشا لمناقشة مشروع الإستقلال الكردي .
وفي الوقت ذاته يحتل قوات الجنرال اللينبي الأسكندرونة.وفي كانون الأول 1918،وتمشيا مع المعاهدات السرية التي أبرمتها الحلفاء خلال الحرب،يستولي الفرنسيون على قليقيا.وفي 8 شباط 1919 دخل الجنرال فرانشيه ديسبيري على رأس قواته أستانبول،وأصبح العالم المسيحي أمام عودة بيزنطة.
وكان لابد لمختلف القوميات والأقليات في الإمبراطورية بالتفكير بحدود جديدة مرسومة بالأذهان منها “كردستان ذات حكم ذاتي منتشرة في قلب آسيا الصغرى،بين جبال طوروس وزاغروس…
وتحول الجيش العثماني إلى أشلاء في كل مكان، وبدأت الإمبراطورية المنهارة تتعرض إلى التقسيم على يد المنتصرين،فقد إحتل الفرنسيون ولاية أضنة،وأورفا وماراش وعينتاب محتلة من قبل الإنجليز.
وفي هذا الأثناء نجح مصطفى كمال أتاتورك المكلف من قبل محمد السادس بإعادة النظام في الأناضول في كسب ثقة الزعماء الأكراد الثائرين في شرقي الأناضول، الأمر الذي سيقوض المشروع القومي الكردي فيما بعد .
لاسيما بعد أن إنعقد المؤتمرفي آب 1919م في أرزروم حضره أربعة وخمسون مندوبا عن ولايات كردستان،إعتمد فيه المندوبون مشروع قرارسينقذ تركيا من السقوط والتقوقع ((الوطن واحد ولايقبل التجزئة)).إن ولايات الشرق سوف تتصدى بإتفاق مشترك لأي إحتلال أو تدخل أجنبي، وإذا ماظهر عجزحكومة السلطان عن حماية إستقلال الأمة ووحدة أراضي الوطن،فسوف يجري تشكيل حكومة مؤقتة لتسيير شؤون الدولة.
وأنه لايجوز ان تمنح الأقليات غير العثمانية أي إمتيازات أو حقوق تضر بسيادة الأمة أو بكيانها الإجتماعي ، ومنذ ذلك الحين، إحتلت النزعة الطورانية والقومية التركية مكانة الإمبراطورية المتبقية التي شكلت كردستان قاعدتها الرئيسة.
أن معاهدة سيفرالموقعة في 10 آب 1920، قد “كرست تمزيق الإمبراطورية العثمانية، والواقع ان تركيا،المجردة من كردستان،ومن الولايات التي يسكنها الأرمن،ومن ثراس،ومن إقليم إزمير،ومن سوريا ،ومن شبه الجزيرة العربية،ومن بلاد الرافدين،إنما تجد نفسها مختزلة إلى دولة أناضولية صغيرة محصورة بين بلدين ماتزال حدودهما غير محددة،أرمينيا واليونان ، لكن سيفر ولد ميتا في باريس، مادام بنودها لاتتجاوب ومصالح الكبار.
نجح كمال اتاتورك في تسوية النزاع التركي- الفرنسي،عبر إتفاقية أنقرة المبرمة بين الدولتين في 20 تشرين الأول 1920 والذي ينص بشكل خاص على جلاء الفرنسيين عن قليقيا .وفي آذار 1921 ابرمت موسكووأنقرة “معاهدة صداقة وإخاء”تسوي جميع الخلافات الحدودية بين تركيا وجمهورية السوفيتيات.وحتى تتوصل حكومة أنقرة إلى هذا الإتفاق،الذي يكفل لها حدودا مستقرة عبر القوقاز ومساعدة بلشفية متزايدة،فإنها تضطر إلى دفع ثمن متواضع نسبيا: التنازل عن باطوم لجيورجيا الموعودة بتحول سوفياتي وشيك،الأمر الذي وطدت أقدام الدولة الجديدة،ومن ثم ظهور هدنة مودانيا مع الحلفاء في 11 تشرين الأول 1922 التي دفنت مودروس ومهدت الطريق إلى لوزان.
شكلت معاهدة لوزان قمة إنتصار الدبلوماسية التركية التي تزامنت مع إنتصارات أتاتورك العسكرية،وخذلان مواقف الحلفاء،ودفن الطموح الكردي،فقد إتخذ مؤتمر لوزان طابعا ماروثينيا إمتد أعماله ثمانية أشهر من 20 تشرين الثاني 1922 وحتى 24 تموز 1923.
لقد أعادت لوزان الإعتبار لتركيا بعد أن ضمنت إعترافا دوليا بحدود مستقرة لها في المناطق المتنازع عليها ومن ضمنها أقاليم الشرق أي كردستان.فالفرنسيون سيحتفظون بسنجق الأسكندرونة بعد جلائها الإضطراري عن قليقية مع بقاء الإنجليز في الموصل.
وباد للعيان ملامح تكريس تجزئة كردستان،لاسيما بعد ميلاد الجمهورية التركية في 29 تشرين الأول 1923.
وعلى مايبدو فقد لعب مصطفى وبنجاح على ثلاثة محاور، فهو استطاع اقناع الكورد مؤقتاً واخراجهم من اللعبة الدولية وتحويلهم الى أداة وورقة رابحة في يده ضد التحالف الدولي.
خطط كمال أتاتورك بالتخلص من القضية الكوردية ودفنها بطريقة تآمرية لعوبة محكمة نجح فيها بإمتياز.
وحول سياسة تركيا- الأردوغانية في المسألة الكردية، قمت بنشر مقالة في آذار 2008 في “صوت الآخر” والمواقع الكردية منها”Gemya Kurda” وغيرها تحت عنوان “حذارى أن أردوغان بصدد تطبيق خطة اتاتورك مع الكرد”جاءت فيها: ” وفيما لو قارنا مايقوم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه عبدالله غول وحزبه – حزب العدالة والتنمية ، ليس سوى إعادة لفصل من التاريخ الذي نفذه يوما ما باني تركيا الحديثة كمال أتاتورك ضد الشعب الكوردي وحركته التحررية .
فقد قام هؤلاء بجولات إلى ولايات كوردستان كما فعل أتاتورك ، لكسب العاطفة الكوردية وإستمالة الشعب في هذه المناطق إلى جانبه عبر كلام منمق ووعود وهمية والتحدث عن الوحدة وحقوق المواطنة وعن ضرورة الإصلاحات في الولايات الشرقية أي في كــوردسـتان ، والدعوة إلى المشاركة في المجلس الوطني الكبير الذي اسسه اتاتورك والتبجح باسماء البرلمانيين الكورد الذين نجحوا عن الولايات الكوردية ” .
تعد تركيا في الوقت الحاضر، حاضنة الملف الكردي(دوسية الكرد)، كونها تحتل الجزء الأكبر من كردستان الطبيعية والسكانية، وبالتالي فأنها تحرك جميع إمكانياتها الإستخباراتية والدبلوماسية والمادية لمواجهة أي مد كردي، لأنها ترى في الحركة القومية الكردية خطرا على مصالحها القومية ووحدتها التي تشكل كردستان الشمالية قاعدتها البنيوية- التحتية.
وهي إستراتيجية خاطئة على العموم لأنه على العكس من ذلك، فأن أمن وإستقرار تركيا مرتبط بحل القضية الكردية حلا جذريا نهائيا.
أن مايحدث اليوم في سوريا تثير إلى حد كبير القلق لدى الأوساط الحاكمة في أنقرة، مادامت التحولات الجديدة ستغير مؤكدا معادلة موازين القوى في المنطقة، فمن جهة ستطيح ثورة الشعب بنظام حزب البعث الذي تعاون أمنيا مع جميع الأنظمة المقسمة لكردستان، لاسيما وأن سوريا تشكل بوابة أنقرة في العالمين العربي والإسلامي، بحدود تبلغ حوالي 900 كم، وستؤسس لبروز كيان كردي في غرب كردستان، مماثل لكردستان الجنوبية، في إطار نظام دمقراطي تعددي برلماني سوري.
وهذا يعني أن تركيا ستحاط بقوس كردي محصن يمتد من قنديل وزاكروس صوب البحر المتوسط، وهذه الخارطة الجديدة بطبيعة الحال ستمهد لمقدمات جيو- بوليتيكية جدية في الشرقين الأوسط والأدنى وغرب آسيا.
وفي هذا الإطار تسعى القيادة التركية إلى المشاركة وبفعالية في ترتيبات الوضع الجديد وفي ملئ الفراغ الذي قد يترتب عليه بعد سقوط الدكتاتورية، محاولة منها لحماية التوازن الدولي والإقليمي في المنطقة وبالتالي منع قيام أي نوع من اشكال الإدارات الذاتية لكورد سوريا، الذي سيؤثر مباشرة على الوضع الداخلي التركي.
وأن مشكلة السلطات الحاكمة التركية منذ العهد الأتاتوركي وليومنا تكمن في عقلية الجنرالات – العسكر الذين ينظرون إلى الشعب الكردي وحركته التحررية من منظار خاطئ، ألم تكتب صحيفة تركية منذ عدة عقود بما معناه:”سنحارب قيام الدولة الكردية حتى لو قامت في جنوب أفريقيا”.
وجاءت لقاءات وزير الخارجية التركي د.أحمد أوغلو المؤخرة مع رئيس إقليم كردستان العراق وبعض قادة الأحزاب الكردية في غرب كردستان تكريسا للدور التركي المحتمل في المتغيرات القادمة واللعب بالورقة الكردية، ومحاولة زرع الشقاق في صفوف الحركة السياسية الكردية، والرجل مدفوع بمصالح بلاده العليا، ولكن بالمقابل ماهو المطلوب كرديا في هذا الإطار.
لابد من توحيد الكلمة والموقف الكرديين إزاء الأحداث، والعمل بعقلانية وإستخدام الدبلوماسية الممنهجة، وإزالة جميع أسباب التوتر من الشارع الكردي ضد تركيا، لاسيما فيما يتعلق بتلك المظاهر التي تثير المخاوف التركية بحجج وجود حزب العمال الكردستاني في سوريا، والتركيز على المطاليب الكردية في سوريا، طبقا للظروف الخاصة والمشخصة للمسألة الكردية.
ولابد من الإشارة إلى أن الأوضاع قد تغيرت كثيرا في المنطقة، بإنتهاء الحرب الباردة ومع قيام ثورات الشعوب في العالم العربي، وبالتالي فأنقرة مضطرة التعامل مع هذا الوضع الجديد، فقد دخلت القضية الكردية في تركيا مرحلة خطيرة جدا، لابد للقيادة التركية الإلتفات إليها بكل عقلانية والتفكير مليا بحلها، ناهيك عن إزدياد المصالح القومية التركية عبر المئات من شركاتها، في إقليم كردستان العراق الذي قد يعلن كدولة مستقلة، بحكم مجموعة عوامل داخلية وإقليمية ودولية، فالشركات التركية لن تتخلى عن مصالحها بسهولة، وتتفهم القيادة في أنقرة ضرورة التعامل الإقتصادي مع الشعب الكردي، الذي لم يعد يشكل ذلك الكابوس، فقد بينت تجربة كردستان العراق خلال عقدين ونيف، ان الشعب الكردي يشكل عامل تقدم وإزدهار بالنسبة لجميع شعوب المنطقة، وليس معولا للهدم والتدمير، كما كانت تصوره العقليات العنصرية من الترك والفرس والعرب.
إضافة إلى أن تركيا مرشحة للدخول في الإتحاد الأوروبي، وهذا يعني أن كردستان ستصبح بوابة أوربا ومنفذها مع الشعوب والدول المجاورة من العالمين العربي والإسلامي .
وعليه لابد لتركيا الجديدة أن تعمل في إطار العقلية الأوربية، وأولى خطواتها الإعتراف بالشعب الكردي كقومية أصيلة ومميزة وحل المسألة الكردية حلا نهائيا ودمقراطيا ، وهو الطريق الوحيد نحو نهضة والسلام والدمقراطية.
لاسيما وأن تركيا عضوة في حلف الناتو وملتزمة بأطرها السياسية.
وعليه إذا كانت تركيا تبحث عن الإستقرار والتقدم لابد القيام :
– الشروع بحل المسألة الكردية لديها أولا ومنح أكثر من (30) مليون كردي وفي (23) ولاية الحقوق القومية بشكل كامل في إطار إتحاد فدرالي أو كونفدرالي وهو الطريق إلى اوروبا.
– الضغط على المعارضة العربية السورية بمنح الكرد السوريين حقوقهم القومية دستوريا في إطار دولة دمقراطية تعددية .
وبناء جسر التواصل مع الكيان الكردي في شمال وشمال شرق سوريا ، كما فعلت مع كردستان العراق وهنا تكمن مصالح جميع الأمم في المنطقة وفي مقدمتها الأمن الإستراتيجي التركي.
– إذا لم تسرع حكام دمشق الجدد في وضع آلية عملية بحل المسألة الكردية في البلاد ووضعها على رأس جدولها.لأنه بعكس ذلك قد تظهر مشاريع جديدة في المنطقة من شاكلة العودة إلى إتفاقية سيفر، إذ لازالت تركيا تحلم بضم كردستان العراق وسوريا إلى كرد تركيا ومنحهم كيانا قوميا في إطارإتحاد فدرالي أو كونفدرالي أو إتحاد جمهوريتي كردستان وتركيا في دولة موحدة، وهذه الخطوة إن تحققت ستوحد ثلاثة أجزاء من كردستان، وستقوي النفوذ التركي إقتصاديا وجيوبوليتيكيا.
آخذة بعين الإعتبار أن أي تحرك تركي عسكري واسع النطاق ضد الكرد السوريين سوف لن يكون ممكنا دون العودة إلى حليفاتها في الناتو وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية الكبرى.