هيبت بافي حلبجة
في مقال له تحت عنوان ( رؤية للمرحلة الإنتقالية بعد الأسد ) حاول برهان غليون أن يحلل بعض حيثيات الثورة السورية بأسلوب أكاديمي نابع من مفهوم الثورة نفسها ليضفي إليها مساحة جمالية معرفية متواضعة بعد أن تكسرت الأحداق وجفت المحابر من خشخشة المقالات السياسية السطحية اللامعرفية التي ضاقت بها الدنيا ذرعاً وقياساً وفيسبوكياً .
في هذه المادة التي تحتسب من حيث القيمة التحليلية الأولى في معالجة أبعاد الثورة ، ركز غليون على نقاط عديدة نذكر تلك التي هي في رأينا الأكثر قيمة ومنطقاً ، ونذكرها بتعابيره الخاصة حفاظاً على الأمانة العلمية :
في هذه المادة التي تحتسب من حيث القيمة التحليلية الأولى في معالجة أبعاد الثورة ، ركز غليون على نقاط عديدة نذكر تلك التي هي في رأينا الأكثر قيمة ومنطقاً ، ونذكرها بتعابيره الخاصة حفاظاً على الأمانة العلمية :
النقطة الأولى : يقول ” أريد أن أشير إلى أستخدام مصطلح المعارضة بوصفها الطرف المناقض للسلطة الذي درجت عليه الدبلوماسية الدولية عموماً ووسائل الأعلام الأجنبية والكثير من الأعلام العربي ، والذي يغيب تماماً مفهوم الثورة ومنطقها ومفرداتها … فالأطراف الدولية التي أختصرت كل ما يحصل في سورية ( سوريا ) اليوم من أحتجاج شعبي واسع النطاق بنشاط المعارضة بالمعنى السياسي والحزبي للكلمة ، وجعلت من التفكير فيها وتحليل مواقفها والتشديد على عيوبها محور أهتمامها ، أنتهت إلى تجاهل ديناميكيات الثورة التي تسيطر على الأرض وتتحكم بالتحولات والأحداث ، وجعلت من توحيد المعارضة القليلة التأثير في الوقت الراهن لازمة يومية ، فأخطأت في فهم آليات التحول الجارية ، ووجدت نفسها تدور في حلقة مفرغة ” .
النقطة الثانية : يردف ” وهي لم تدرك إن إنقسام المعارضة ذاته لاينبع من الأختلاف السياسي أو الأيديولوجي وإنما من علاقتها بقوى الثورة وأحداثها ومن التنافس في ما بينها على إعطاء معنى لحدث الثورة الكبير أو أحياناً كثيرة من أستخدامها لتأمين مواقع في حركة التغيير تضمن لها في المستقبل الحصول على مناصب قيادية ” .
النقطة الثالثة : يستطرد ” هناك بالتأكيد معارضة سياسية في سورية ( سوريا ) مرتبطة اليوم أكثر فأكثر بالثورة لكنها لاتشكل القوة المحركة فيها ، ولايمكن أن تشكل مثل هذه القوة ، لإنها بالأحرى تابعة للثورة ولايمكن إلا أن تكون كذلك .
والفرق ما بين الثورة والمعارضة هو الفرق بين منطقين وديناميكيتين إجتماعيتين مختلفتين تماماً ، فلا تعمل المعارضة إلا بمنطق السياسة القائم هو نفسه على الحوار والتفاوض للوصول إلى تسويات أو حلول وسط .
وبالعكس ، تشكل الثورة ظاهرة من نوع الظواهر الطبيعية التي لاتخضع لمعايير العقلانية السياسية العادية ، ولكنها تستمر هويتها من منطق آخر تماماً هو منطق الإنفجار ، فهي ظاهرة موضوعية لاترتبط بأي وعي نظري صوري أو إعداد مسبق أو مسار مخطط له ، ولايتحكم بها أي إدراك سياسي أو غير سياسي ، هي تعبير عن حالة إستثنائية بكل المعاني … هو منطق البركان الذي يتفجر فجأة وعندما يتفجر لايستطيع أحد أن يقوده أو يتحكم به ….
في منطق الثورة ترمي الشعوب نفسها بكليتها وتضع مصيرها بأكمله في الرهان فإما النصر أو الموت …من هنا لاتنبثق الثورة من التأمل المسبق وإنما بالعكس من حالة تفقد فيها كل التنظيرات والحسابات السياسية معناها سوى حساب كسر الطوق والخروج من الأسر والأنتصار … ” .
النقطة الرابعة : يتابع ” لم يبرز الإختلاف بقوة في البداية بين منطق الثورة السورية ومنطق المعارضة ، فقد كانت المعارضة في طريق مسدود ، وجاءت الثورة لتفتح أمامها جميع الآفاق ..
وقد أخذ هذا التمايز يعبر عن نفسه في البداية في المقابلة بين معارضة الداخل والخارج ، ثم في التباعد بين مواقف المعارضة نفسها ” .
النقطة الخامسة : يؤكد ” وهذا ما يفسر أنهيار مواقع هيئة التنسيق التي لم تنجح في مواكبة التحول الداخلي للثورة وتعلقت بحلم السلمية الدائمة مهما كان الوضع … لكن فيما بعد سوف يؤثر هذا التعارض بين منطق الثورة ومنطق السياسة على مكانة المجلس الوطني نفسه الذي أعلنت الثورة ممثلاً لها في الفترة الأولى ، وقد باءت محاولتي ، كأول رئيس للمجلس ، لرسم طريق وسط يؤلف بين منطق الثورة الذي لايساوم ومنطق السياسة الذي يطمح إلى بناء معادلات وتوازنات داخلية … بالفشل بسبب سد النظام الطريق أمام أي حل سياسي وأعتماده سياسة الأستئصال المطلق للثورة ، وبهذا الفشل تم أيضاً القضاء على أي أمل في تحويل المعارضة السياسية إلى قيادة سياسية للثورة ” .
من المؤكد أنه ما كنا تعرضنا لهذا التحليل الضبابي لو لم يكن صادراً عن شخصية مثل برهان غليون وذلك لسببين أساسيين : السبب الأول : إنه يمثل حالة مثقفة متعلمة سورية ليبرالية متواضعة .
السبب الثاني : إنه كان أول رئيس للمجلس الوطني وما زال عضواً فيه .
لندقق في مجمل حيثيات هذا التحليل من خلال إبداء الملاحظات التالية :
الملاحظة الأولى : لقد أصاب غليون كبد الحقيقة عندما ميز ما بين منطق الثورة ومنطق المعارضة الحزبية (السياسية ) العربية والكوردية .
وطالما إنه أدرك ذاك التمايز فلماذا لم يعتنقه ، ولماذا لم يسر وراء منطق الثورة ، وكيف سمح لنفسه ، كأول رئيس للمجلس أن يرسم طريقاً وسطاً ، وهل هنالك أصلاً طريق وسط في مفهوم الثورة ، طالما إن هذه الأخيرة ، وحسب تعريفه هو ، حالة من الأنفجار الذي لايمكن لأحد قيادته أو التحكم به !! أو ليس رسم أي طريق يغاير منطق الثورة هو طعن سياسي في كرامة مفهوم الحراك الثوري نفسه !! ثم ياترى ، وهذا هو الأصعب ، ما الذي أجبر غليون على رسم ذلك الطريق الوسط ، ولماذا لم يذهب مباشرة إلى تطبيق منطق الثورة نفسه طالما يدركه إدراكاً إبستمولوجياً !!
الملاحظة الثانية : لقد أصاب غليون كبد الحقيقة حينما فارق ما بين مفهوم المعارضة ومفهوم الثورة الشعبية ، وحسناً ما فعل حينما أكد إن جهات كثيرة تستخدم مصطلح المعارضة في الوضع السوري القائم الحالي لتتهرب من أستحقاقات الثورة .
ولكن لماذا وقف هو في جانب المعارضة عملياُ ولم يقف في جانب الثورة ، فهل أذكره تماماً بما جرى بينه وبين هيئة التنسيق التي حاولت وتحاول حتى الآن أغتيال الثورة ، وهل أذكره بما كان يجري في كل جلسات المجلس ، سيما الأولى منها ، وهل أذكره بما كان يقول عن القضية الكوردية !! ثم لو إنه راجع كل أموره ومنذ اليوم الأول وحتى يوم تنحيه عن رئاسة المجلس ، أفلا يستنتج منها إنه هو أيضاً حسب ( الحراك الشعبي ) أمراً ما بين المعارضة والنظام !! ودعوني أهمس في أذنيه وأقول له بربك ياغليون متى أدركت إن المعارضة هي شيء يختلف نوعاً ما عن منطق الثورة الشعبية !! أأقول لك متى كان ذلك ، أأقول لك إن معركة حلب هي التي جعلتك تراجع معلوماتك الأكاديمية التي كانت ضائعة في سراديب اللحظات الشخصية !!
ومن جانب آخر ، إن قوله عن تلك الجهات من إنها ” فأخطأت في فهم آليات التحول الجارية ، ووجدت نفسها تدور في حلقة مفرغة ” لايمت إلى التحليل الصادق في تفسير العلاقة ما بين تلك الجهات والثورة السورية ، لإن تلك الجهات أدركت تماماً وجود ثلاثة أطراف في الوضع السوري ، النظام ، المعارضة بكل أمزجتها ، الثورة الشعبية ، وهي تقصدت في البداية دعم المعارضة وليس الثورة ، لذلك هي لم تخطىء إنما تعمدت الخطأ .
وأما الآن ، وحتى هذه اللحظات ، مازال السؤال غير محسوم في الدوائر الغربية ، لإنها بكل بساطة إزاء عدة مسائل في غاية التعقيد ، نذكر منها فقط ، تغيير مفهوم النظام الرأسمالي ، البنية التحتية لعلاقات النظام السوري ( الحلقة الضيقة جداً ) ، الأمن الأسرائيلي ، التاثير العالمي للثورة السورية ، المخطط القومي الفارسي ، تهافت التيار الليبرالي ، التيارات الأصولية ، تنامي قوة روسيا والصين ، تضعضع الحالة الأوربية ، سيطرة المصالح الإقتصادية على جوهر العلاقات الدولية .
الملاحظة الثالثة : هو يعزو إنهيار مواقع هيئة التنسيق إلى تعلقها بحلم السلمية الدائمة ، وهذه مجافاة للواقع الموضوعي ، فهيئة التنسيق لم تكن يوماً من المعارضة ( الحقيقية أو الكاذبة ) للسلطة ، إذ كل ما سعت إليه هذه الهيئة هو قيام السلطة نفسها بمضمون الإصلاحات ، وكلنا نعلم ، علم اليقين ، وإستناداً إلى طبيعة النظام ، من إن هذا الأخير لايمكن ، ومن باب المحظور المطلق ، القيام بأي خطوة تمهيدية في مجال الإصلاحات ، لسبب بسيط ، لإنه قائم على مشروع خاص جداً مخطط له منذ الولادة ، وليس أدل على ذلك من تماسك ألوية خاصىة من الجيش بالنظام حتى الرمق الأخير !!
الملاحظة الرابعة : هو يعزو فشل خطته الوسطية إلى ” بسبب سد النظام الطريق أمام أي حل سياسي وإعتماده سياسة الإستئصال المطلق للثورة ” .
بربكم أيها السادة هل هنالك أغرب من هذا التحليل !!
إذن عندما وضع غليون خطته هذه كان يرى أنه لامناص من حل سياسي ( إنظروا إلى مدى الجهل بطبيعة النظام ) ثم لا مندوحة من أن يكون النظام ككل شريكاً في هذا الحل السياسي ( إنظروا إلى مدى الإلتفاف على الثورة ) ثم لامحيص من أن يكون الأمر إصلاحياً تحت راية بشار لإنه من غير المعقول أن يهتف صارخاً : تفضلوا أيها السادة بإستلام السلطة وأنا أتنحى عن السلطة لإنكم وضعت خطة وسطية وما كنتم تدرون إنني سوف أجتث الثورة إجتثاثاً .
والأنكى من ذلك ، بل الأكثر إيلاجاً في الهزل التحليلي ، هو تأكيده ” وبهذا الفشل تم أيضاً القضاء على أي أمل في تحويل المعارضة السياسية إلى قيادة سياسية للثورة ” .
والله يا بشار ( ما لك حق ) ، فلماذا لم تدع أن تتحول المعارضة السياسية إلى قيادة سياسية للثورة !!
الملاحظة الرابعة : ياترى متى عرف غليون إن خطته هذه أصيبت بالفشل ( بسبب سد النظام … ) !! ألم يدرك ذلك قبل تنحيه أي بعد أكثر من سنة من عمر الثورة !! ألم تكن نية النظام وإرادته واضحتان تماماً منذ التصريحات الأولى أو على الأقل منذ المجازر الأولى التي حينها كان غليون في رئاسة المجلس !! فما الذي منع غليون من تغيير خطته ووضع خطة أخرى بديلة تنسجم تماماً مع منطق الثورة ، ذاك المنطق الذي يؤمن به غليون أتم وأشد الإيمان !!
الملاحظة الخامسة : يؤكد غليون إن الإنقسام ( المقدمة الأولى ) ليس بسبب الأختلاف السياسي أو الإيديولوجي ( المقدمة الثانية ) ، إنما بسبب علاقة كل طرف بقوى الثورة ( المقدمة الثالثة ) .
إذن نحن إزاء ثلاثة مقولات : الإنقسام ، الموقف السياسي ، العلاقة مع قوى الثورة .
وياترى ما التي منها تحدد الأخرى ، ثمت إحتمالان :
إما أنني رأيت نفسي في نقطة محددة من الخط البياني في العلاقة مع قوى الثورة ، ثم على أثر ذلك ، أي على ضوء تلك النقطة من الخط البياني ، حددت موقفي السياسي ، ثم كان ذلك ، هو بعينه ، مصدر الإنقسام أم الوئام !! أي بتعبير فيزيولوجي ، إنني خفت ، ثم رأيت النمر ، فهرعت .
وإما أنني حددت موقفي ( كما فعلت هيئة التنسيق والأحزاب الكوردية والإتحاد الديمقراطي ) ، ثم حددت ذلك في نقطة معينة من ذلك الخط البياني ، وهذا كان بعينه مصدر الإنقسام أو الوئام ، أي بتعبير فيزيولوجي رأيت النمر ، فخفت ، فهرعت .
فإذا صدقت الحالة الأولى ، وهو ما يعاكس منطق الماركسية والتاريخ وعلم الفيزيولوجيا ، فإن ذلك يعني إن المعارضة السورية هي خارج التاريخ ولاتبحث إلا عن مناصب قيادية كما قال غليون فيما بعد ، وللأسف فإن الكثيرين من الشخصيات الموجودة حالياً ( العربية والكوردية ) لاتهمها إلا تلك المناصب التي لاتنسجم معها لا على مستوى الكفاءة ولا على مستوى المعرفة الأكاديمية .
وإذا ما صدقت الحالة الثانية ، وهي تحتسب حالة صحيحة من حيث المبدأ ، لكنها تنقسم إلى ما هو سلبي ، وإلى ما هو إيجابي :
الموقف السلبي : هو القيام بأسم المعارضة بدور الشبيحة السياسية للنظام ، وهذا واضح في إنسجامها مع الدور الإيراني والروسي وعدم التدخل الدولي أو العسكري !!
الموقف الإيجابي : هو القيام بخطوات صائبة تقترب من بعض ملامح الثورة السورية .
النقطة الثانية : يردف ” وهي لم تدرك إن إنقسام المعارضة ذاته لاينبع من الأختلاف السياسي أو الأيديولوجي وإنما من علاقتها بقوى الثورة وأحداثها ومن التنافس في ما بينها على إعطاء معنى لحدث الثورة الكبير أو أحياناً كثيرة من أستخدامها لتأمين مواقع في حركة التغيير تضمن لها في المستقبل الحصول على مناصب قيادية ” .
النقطة الثالثة : يستطرد ” هناك بالتأكيد معارضة سياسية في سورية ( سوريا ) مرتبطة اليوم أكثر فأكثر بالثورة لكنها لاتشكل القوة المحركة فيها ، ولايمكن أن تشكل مثل هذه القوة ، لإنها بالأحرى تابعة للثورة ولايمكن إلا أن تكون كذلك .
والفرق ما بين الثورة والمعارضة هو الفرق بين منطقين وديناميكيتين إجتماعيتين مختلفتين تماماً ، فلا تعمل المعارضة إلا بمنطق السياسة القائم هو نفسه على الحوار والتفاوض للوصول إلى تسويات أو حلول وسط .
وبالعكس ، تشكل الثورة ظاهرة من نوع الظواهر الطبيعية التي لاتخضع لمعايير العقلانية السياسية العادية ، ولكنها تستمر هويتها من منطق آخر تماماً هو منطق الإنفجار ، فهي ظاهرة موضوعية لاترتبط بأي وعي نظري صوري أو إعداد مسبق أو مسار مخطط له ، ولايتحكم بها أي إدراك سياسي أو غير سياسي ، هي تعبير عن حالة إستثنائية بكل المعاني … هو منطق البركان الذي يتفجر فجأة وعندما يتفجر لايستطيع أحد أن يقوده أو يتحكم به ….
في منطق الثورة ترمي الشعوب نفسها بكليتها وتضع مصيرها بأكمله في الرهان فإما النصر أو الموت …من هنا لاتنبثق الثورة من التأمل المسبق وإنما بالعكس من حالة تفقد فيها كل التنظيرات والحسابات السياسية معناها سوى حساب كسر الطوق والخروج من الأسر والأنتصار … ” .
النقطة الرابعة : يتابع ” لم يبرز الإختلاف بقوة في البداية بين منطق الثورة السورية ومنطق المعارضة ، فقد كانت المعارضة في طريق مسدود ، وجاءت الثورة لتفتح أمامها جميع الآفاق ..
وقد أخذ هذا التمايز يعبر عن نفسه في البداية في المقابلة بين معارضة الداخل والخارج ، ثم في التباعد بين مواقف المعارضة نفسها ” .
النقطة الخامسة : يؤكد ” وهذا ما يفسر أنهيار مواقع هيئة التنسيق التي لم تنجح في مواكبة التحول الداخلي للثورة وتعلقت بحلم السلمية الدائمة مهما كان الوضع … لكن فيما بعد سوف يؤثر هذا التعارض بين منطق الثورة ومنطق السياسة على مكانة المجلس الوطني نفسه الذي أعلنت الثورة ممثلاً لها في الفترة الأولى ، وقد باءت محاولتي ، كأول رئيس للمجلس ، لرسم طريق وسط يؤلف بين منطق الثورة الذي لايساوم ومنطق السياسة الذي يطمح إلى بناء معادلات وتوازنات داخلية … بالفشل بسبب سد النظام الطريق أمام أي حل سياسي وأعتماده سياسة الأستئصال المطلق للثورة ، وبهذا الفشل تم أيضاً القضاء على أي أمل في تحويل المعارضة السياسية إلى قيادة سياسية للثورة ” .
من المؤكد أنه ما كنا تعرضنا لهذا التحليل الضبابي لو لم يكن صادراً عن شخصية مثل برهان غليون وذلك لسببين أساسيين : السبب الأول : إنه يمثل حالة مثقفة متعلمة سورية ليبرالية متواضعة .
السبب الثاني : إنه كان أول رئيس للمجلس الوطني وما زال عضواً فيه .
لندقق في مجمل حيثيات هذا التحليل من خلال إبداء الملاحظات التالية :
الملاحظة الأولى : لقد أصاب غليون كبد الحقيقة عندما ميز ما بين منطق الثورة ومنطق المعارضة الحزبية (السياسية ) العربية والكوردية .
وطالما إنه أدرك ذاك التمايز فلماذا لم يعتنقه ، ولماذا لم يسر وراء منطق الثورة ، وكيف سمح لنفسه ، كأول رئيس للمجلس أن يرسم طريقاً وسطاً ، وهل هنالك أصلاً طريق وسط في مفهوم الثورة ، طالما إن هذه الأخيرة ، وحسب تعريفه هو ، حالة من الأنفجار الذي لايمكن لأحد قيادته أو التحكم به !! أو ليس رسم أي طريق يغاير منطق الثورة هو طعن سياسي في كرامة مفهوم الحراك الثوري نفسه !! ثم ياترى ، وهذا هو الأصعب ، ما الذي أجبر غليون على رسم ذلك الطريق الوسط ، ولماذا لم يذهب مباشرة إلى تطبيق منطق الثورة نفسه طالما يدركه إدراكاً إبستمولوجياً !!
الملاحظة الثانية : لقد أصاب غليون كبد الحقيقة حينما فارق ما بين مفهوم المعارضة ومفهوم الثورة الشعبية ، وحسناً ما فعل حينما أكد إن جهات كثيرة تستخدم مصطلح المعارضة في الوضع السوري القائم الحالي لتتهرب من أستحقاقات الثورة .
ولكن لماذا وقف هو في جانب المعارضة عملياُ ولم يقف في جانب الثورة ، فهل أذكره تماماً بما جرى بينه وبين هيئة التنسيق التي حاولت وتحاول حتى الآن أغتيال الثورة ، وهل أذكره بما كان يجري في كل جلسات المجلس ، سيما الأولى منها ، وهل أذكره بما كان يقول عن القضية الكوردية !! ثم لو إنه راجع كل أموره ومنذ اليوم الأول وحتى يوم تنحيه عن رئاسة المجلس ، أفلا يستنتج منها إنه هو أيضاً حسب ( الحراك الشعبي ) أمراً ما بين المعارضة والنظام !! ودعوني أهمس في أذنيه وأقول له بربك ياغليون متى أدركت إن المعارضة هي شيء يختلف نوعاً ما عن منطق الثورة الشعبية !! أأقول لك متى كان ذلك ، أأقول لك إن معركة حلب هي التي جعلتك تراجع معلوماتك الأكاديمية التي كانت ضائعة في سراديب اللحظات الشخصية !!
ومن جانب آخر ، إن قوله عن تلك الجهات من إنها ” فأخطأت في فهم آليات التحول الجارية ، ووجدت نفسها تدور في حلقة مفرغة ” لايمت إلى التحليل الصادق في تفسير العلاقة ما بين تلك الجهات والثورة السورية ، لإن تلك الجهات أدركت تماماً وجود ثلاثة أطراف في الوضع السوري ، النظام ، المعارضة بكل أمزجتها ، الثورة الشعبية ، وهي تقصدت في البداية دعم المعارضة وليس الثورة ، لذلك هي لم تخطىء إنما تعمدت الخطأ .
وأما الآن ، وحتى هذه اللحظات ، مازال السؤال غير محسوم في الدوائر الغربية ، لإنها بكل بساطة إزاء عدة مسائل في غاية التعقيد ، نذكر منها فقط ، تغيير مفهوم النظام الرأسمالي ، البنية التحتية لعلاقات النظام السوري ( الحلقة الضيقة جداً ) ، الأمن الأسرائيلي ، التاثير العالمي للثورة السورية ، المخطط القومي الفارسي ، تهافت التيار الليبرالي ، التيارات الأصولية ، تنامي قوة روسيا والصين ، تضعضع الحالة الأوربية ، سيطرة المصالح الإقتصادية على جوهر العلاقات الدولية .
الملاحظة الثالثة : هو يعزو إنهيار مواقع هيئة التنسيق إلى تعلقها بحلم السلمية الدائمة ، وهذه مجافاة للواقع الموضوعي ، فهيئة التنسيق لم تكن يوماً من المعارضة ( الحقيقية أو الكاذبة ) للسلطة ، إذ كل ما سعت إليه هذه الهيئة هو قيام السلطة نفسها بمضمون الإصلاحات ، وكلنا نعلم ، علم اليقين ، وإستناداً إلى طبيعة النظام ، من إن هذا الأخير لايمكن ، ومن باب المحظور المطلق ، القيام بأي خطوة تمهيدية في مجال الإصلاحات ، لسبب بسيط ، لإنه قائم على مشروع خاص جداً مخطط له منذ الولادة ، وليس أدل على ذلك من تماسك ألوية خاصىة من الجيش بالنظام حتى الرمق الأخير !!
الملاحظة الرابعة : هو يعزو فشل خطته الوسطية إلى ” بسبب سد النظام الطريق أمام أي حل سياسي وإعتماده سياسة الإستئصال المطلق للثورة ” .
بربكم أيها السادة هل هنالك أغرب من هذا التحليل !!
إذن عندما وضع غليون خطته هذه كان يرى أنه لامناص من حل سياسي ( إنظروا إلى مدى الجهل بطبيعة النظام ) ثم لا مندوحة من أن يكون النظام ككل شريكاً في هذا الحل السياسي ( إنظروا إلى مدى الإلتفاف على الثورة ) ثم لامحيص من أن يكون الأمر إصلاحياً تحت راية بشار لإنه من غير المعقول أن يهتف صارخاً : تفضلوا أيها السادة بإستلام السلطة وأنا أتنحى عن السلطة لإنكم وضعت خطة وسطية وما كنتم تدرون إنني سوف أجتث الثورة إجتثاثاً .
والأنكى من ذلك ، بل الأكثر إيلاجاً في الهزل التحليلي ، هو تأكيده ” وبهذا الفشل تم أيضاً القضاء على أي أمل في تحويل المعارضة السياسية إلى قيادة سياسية للثورة ” .
والله يا بشار ( ما لك حق ) ، فلماذا لم تدع أن تتحول المعارضة السياسية إلى قيادة سياسية للثورة !!
الملاحظة الرابعة : ياترى متى عرف غليون إن خطته هذه أصيبت بالفشل ( بسبب سد النظام … ) !! ألم يدرك ذلك قبل تنحيه أي بعد أكثر من سنة من عمر الثورة !! ألم تكن نية النظام وإرادته واضحتان تماماً منذ التصريحات الأولى أو على الأقل منذ المجازر الأولى التي حينها كان غليون في رئاسة المجلس !! فما الذي منع غليون من تغيير خطته ووضع خطة أخرى بديلة تنسجم تماماً مع منطق الثورة ، ذاك المنطق الذي يؤمن به غليون أتم وأشد الإيمان !!
الملاحظة الخامسة : يؤكد غليون إن الإنقسام ( المقدمة الأولى ) ليس بسبب الأختلاف السياسي أو الإيديولوجي ( المقدمة الثانية ) ، إنما بسبب علاقة كل طرف بقوى الثورة ( المقدمة الثالثة ) .
إذن نحن إزاء ثلاثة مقولات : الإنقسام ، الموقف السياسي ، العلاقة مع قوى الثورة .
وياترى ما التي منها تحدد الأخرى ، ثمت إحتمالان :
إما أنني رأيت نفسي في نقطة محددة من الخط البياني في العلاقة مع قوى الثورة ، ثم على أثر ذلك ، أي على ضوء تلك النقطة من الخط البياني ، حددت موقفي السياسي ، ثم كان ذلك ، هو بعينه ، مصدر الإنقسام أم الوئام !! أي بتعبير فيزيولوجي ، إنني خفت ، ثم رأيت النمر ، فهرعت .
وإما أنني حددت موقفي ( كما فعلت هيئة التنسيق والأحزاب الكوردية والإتحاد الديمقراطي ) ، ثم حددت ذلك في نقطة معينة من ذلك الخط البياني ، وهذا كان بعينه مصدر الإنقسام أو الوئام ، أي بتعبير فيزيولوجي رأيت النمر ، فخفت ، فهرعت .
فإذا صدقت الحالة الأولى ، وهو ما يعاكس منطق الماركسية والتاريخ وعلم الفيزيولوجيا ، فإن ذلك يعني إن المعارضة السورية هي خارج التاريخ ولاتبحث إلا عن مناصب قيادية كما قال غليون فيما بعد ، وللأسف فإن الكثيرين من الشخصيات الموجودة حالياً ( العربية والكوردية ) لاتهمها إلا تلك المناصب التي لاتنسجم معها لا على مستوى الكفاءة ولا على مستوى المعرفة الأكاديمية .
وإذا ما صدقت الحالة الثانية ، وهي تحتسب حالة صحيحة من حيث المبدأ ، لكنها تنقسم إلى ما هو سلبي ، وإلى ما هو إيجابي :
الموقف السلبي : هو القيام بأسم المعارضة بدور الشبيحة السياسية للنظام ، وهذا واضح في إنسجامها مع الدور الإيراني والروسي وعدم التدخل الدولي أو العسكري !!
الموقف الإيجابي : هو القيام بخطوات صائبة تقترب من بعض ملامح الثورة السورية .