نحو تشكيل قوة عسكرية كُردية سورية

حسين جلبي

تثير المناطق الكُردية في سوريا إشكاليةً خاصة لكونها خاصرة البلاد الرخوة المفتوحة على كل الإحتمالات، لذلك يسيل لُعاب الكثيرين و هم يضعون أجنداتهم الخاصة لوراثة النظام السوري الذي أصبح سقوطه وشيكاً.

في جميع المناطق السورية هناك تقاليد إدارية لا بأس بها، وهناك كذلك نسبة من السوريين يعملون بصورة إحترافية في الجيش السوري حيث يحوزون على رتب عسكرية عُليا، بغض النظر عن فاعلية المواقع التي يحتلونها، و كذلك فإن هناك نسبة كبيرة من المجندين الذين تم تدريبهم على مستوى عال و خدموا في مواقع عسكرية حساسة، فتشكلت لديهم خبرة ممتازة أهلتهم لفهم الكثير من الأمور العسكرية و خاصةً بعض جوانب الحرب الحديثة.
في المناطق الكُردية هناك الكثير من الوظائف مُنع على الكُرد الإقتراب منها، فمن النادر أن تجد مديراً من أصول كًردية في دائرة ما، أما منصب رئيس بلدية فهو من رابع المستحيلات و الحديث ينطبق بطبيعة الحال على مركز المحافظ و ما بعده.

أما في الشأن العسكري فقد سبق أن شغل في سوريا ما قبل البعث كُردي سوري منصب رئيس أركان الجيش السوري و هو توفيق نظام الدين، و بعد ذلك بأعوام أُجري تعداد سكاني خاص في محافظة الحسكة جُرد بموجبه مثل مئات الآلاف من الكُرد من الجنسية السورية و أعتبر و إياهم من أجانب الحسكة الذين ينبغي دراسة وضعهم! و هكذا و منذ ذلك الحين مُنع على الكُرد التطوع في الجيش و كانت أعلى رتبة حازها الكُردي و لفترة مؤقتة هي رتبة ملازم، و ذلك نتيجة إلتحاقة بالخدمة العسكرية الإلزامية بعد إنهائه الدراسة الجامعية في كليات محددة، لكن هناك بالطبع حالات إستثنائية لبعض من باع نفسه و يستخدمه النظام كحذاء في بعضٍ من أقذر أعماله.
شهدت الخدمة الإلزامية للكُرد في الجيش قبل بدء الثورة السورية حوادث مأساوية، إذ تم و بصورة ممنهجة قتل العشرات من المجندين الكًرد، و أُرسلت جثثهم إلى ذويهم و عليها آثار تعذيب، كان تبرير النظام لجميع حوادث القتل واحداً و هو أن هؤلاء أقدموا على الإنتحار، و رغم ذلك القتل المكشوف على الهوية إلا أن الجنود الكُرد واجهوا قدرهم بشجاعة منقطعة النظير، و لم تسجل حالة فرار واحدة من الجيش.
منذ إنطلاقة الثورة السورية أصبح العسكري و كما هو معروف مُخيراً بين البقاء في جيش النظام و بذلك فإن عليه إما أن يقتُل السوريين أو يُقتل برصاصة من الخلف في حال إمتناعه عن ذلك، و بين الإنشقاق عن ذلك الجيش و بذلك يكون قد حافظ على شرفه العسكري من عار التلوث بدماء أهله من جهة و كذلك يكون قد ساهم في تفكيك جيش النظام من جهةٍ أخرى.

بعد قيام الثورة و عودة النظام إلى الغدر بالجنود الكُرد و إلصاق التهمة هذه المرة بالعصابات الإرهابية المسلحة، توالت الإنشقاقات عن الجيش الأسدي.
و قد ورد في الأنباء اليوم أن هناك حالة إنشقاق جماعي وصل عدد المنشقين فيه إلى ثلاثين جندياً كُردياً وصلوا إلى إقليم كُردستان.

و الحقيقة أنه بسبب طبيعة المناطق الكُردية السورية، و صعوبة جعلها منطقة آمنة يأمن فيها المنشقون على حياتهم، و نظراً للصراعات السياسية الموجودة على الأرض، يمكن إعتبار إقليم كُردستان منطقة آمنة بديلة، و قد لجأ إليها بهذا المعنى الكثير من الكًرد بسبب ملاحقة السلطات السورية لهم، و كان ذلك منذُ مدة طويلة و خاصةً بعد إنتفاضة 2004، و لذلك يمكن الإستفادة من مجمل هذه الظروف في جعل هؤلاء المنشقين و من سبقهم نواة لتشكيل لواء عسكري كُردي و تدريبه على يد قوات البشمركة و تجهيزه من قبل سلطات الإقليم ليصبح جاهزاً لإستلام ملف المناطق الكُردية بعد سقوط النظام تجنباً لحدوث فراغ أمني و ما ينتج عن ذلك من سلبيات.
إن هذا الإنشقاق النوعي لن يكون الأخير، كما أن هناك العديد ممن رفض الإلتحاق بالخدمة الإلزامية منذ البداية، و في حال تشكيل مثل هذه القوة العسكرية فإنه من المتوقع أن ينضم لهؤلاء جميعاً الكثير من المتطوعين أيضاً لحماية المناطق الكُردية لحين إستتباب الأمر في سوريا، ليكونوا فيما بعد جزءاً من الجيش السوري الذي سيتم إعادة تشكيله و هيكلته.
هل سنشهد مثل هذا التطور الذي سيجلب الإطمئنان للمناطق الكُردية التي بدأت تشهد منذ الآن حوادث قتل و إرهاب و فوضى تجعل الكثيرين في خوفٍ من المستقبل، ثم من يمكن أن يكون أحرص على الشعب الكُردي من أبنائه الشجعان الذين رفضوا تلويث أياديهم بدماء السوريين، و تلويث شرفهم العسكري بخدمة طاغية قاتل.
الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال، و لكن يبقى الأمل في أن يكون لإحفاد يوسف العظمة قوة بشمركة يكون لها دورٌ في الدفاع عن المناطق الكُردية السورية، و الحفاظ على أمنها، شبيه بالدور الذي يلعبه أشقائهم البشمركة في إقليم كُردستان.
jelebi@hormail.de

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…