هوشنك بروكا
عامٌ أو أقل مضى على النزيف السوري وثورة أهله، ولا يزال الدم هو سيد الموقف، كما القتل لا يزال هو الحلُّ الذي لا حلّ فوقه، حسبما يخبرنا قيام وقعود النظام، يومياً، من أقصى سوريا إلى أقصاها.
عامٌ أو أقل مضى على النزيف السوري وثورة أهله، ولا يزال الدم هو سيد الموقف، كما القتل لا يزال هو الحلُّ الذي لا حلّ فوقه، حسبما يخبرنا قيام وقعود النظام، يومياً، من أقصى سوريا إلى أقصاها.
تمادي النظام السوري في قمعه، وهروبه الأمني إلى المزيد من اللاحل، وارتكابه المزيد من القتل المنظّم، واستخدامه للجيش وقواته الأمنية والشبيحة، لفرض المزيد من الحصار على المدن ودكها، وصناعة المزيد من القتل والمجازر بحق المدنيين العزّل، كلّ ذلك زاد من نقمة الشعب السوري على النظام، ما أدى إلى حدوث انشقاقات في صفوف الجيش السوري،
وولادة “الجيش السوري الحرّ”، الذي تحوّل في الآونة الأخيرة إلى قوة منظمة، لا يمكن الإستهانة بها، خصوصاً بعد بسطه السيطرة على مناطق متفرقة من سوريا، وإعلانها بين الحين والآخر ك “مناطق محررة”، مثل الزبداني ودوما وسقبا في ريف دمشق، ومناطق من جبل الزاوية، وأحياء من حمص.
لا شكّ أن “الجيش السوري الحرّ”، هو في المنتهى نتيجة (وليس سبباً) للقتل المنظّم، الذي اتخذه النظام السوري، منذ بداية الثورة، سبيلاً ل”إسقاط” الشعب الذي يريد بدوره إسقاطه.
فإصرار النظام السوري على شعار “يا قاتل يا مقتول”، هو الذي دفع ب”الجيش السوري الحرّ” إلى الإنشقاق من “جيش يقتل شعبه”، إلى “جيش يحمي شعبه”، أو يدافع عن نفسه، كأضعف الإيمان، كما يقول لسان حاله، ولسان حال البعض من فوقه السياسي، الممثل بالمجلس الوطني السوري.
ولا شك أيضاً، في أنّ “الجيش السوري الحرّ”، بغض الطرف عن الإتفاق أو الإختلاف معه، هو في المنتهى جيش مولود من رحم الثورة السورية، ونتيجة من نتائجها، شاء من شاء وأبى من أبى.
هو، إذن، جيشٌ من الثورة وإليها، ولا جدال في أنه يحاول، رغم تواضع إمكانياته، حماية بعضاً من أهل الثورة، في بعض سوريا، لا سيما تلك المناطق الساخنة منها، مثل حمص وحماة وإدلب ودرعا وريف دمشق وديرالزور.
الآن، بعد فشل العالم “الصديق”، في إيجاد حلّ سياسيٍّ سلميٍّ للأزمة السورية، وسقوط هذه الأخيرة في اللاحل، أصبح خيار “تسليح” الثورة، على مستوى بعضٍ من هذا العالم (لا سيما العربي الشقيق) هو “الحلّ”، كما بات شعار “الدم بالدم والبادي أظلم”، هو سيد الموقف في حاضر الثورة السورية وربما مستقبلها غير القريب أيضاً.
والأرجح سيفرض هذا الخيار نفسه، على اجتماعات الدورة ال137 العادية لجامعة الدول العربية التي ستنعقد السبت القادم في القاهرة، وذلك بهدف تضييق الخناق على الأسد، ودعم المعارضة السورية بكلّ ما من شأنه يمكن أن يؤدي إلى إسقاط نظامه.
“تسليح الثورة هو الحلّ”..تحت هذا الشعار أيضاً، قاد الثوار في الداخل جمعتهم الأخيرة.
الأمر الذي دفع بالمجلس الوطني إلى الإسراع في الإعلان عما سمّاه ب”المكتب الإستشاري العسكري” لتنظيم شئون المقاومة السورية المسلحة.
لكنّ رفض قائد الجيش السوري الحرّ العقيد رياض الأسعد التعامل مع هذا المكتب، أثار العديد من التساؤلات، تاركاً وراءه الكثير من علامات الإستفهام التي لا تزال تحتاج إلى أكثر من جوابٍ، ومن أكثر من طرف معني بالخلاف.
جوهر الخلاف، كما يبدو، يكمن في عدم تمكّن الطرفين إلى “اتفاق واضح” على “آليات التسليح”، فضلاً عن فشلهما في الوصول إلى شكل “علاقة واضحة”، بين “جيش الثورة” ممثلاً ب”الجيش السوري الحر” و”جيش السياسيين” ممثلاً ب”المجلس الوطني السوري”.
فالأخير، كما يبدو من تصريحات بعض أعضاء فوقه “التنفيذي” و”أمانته العامة”، مختلف فيما بينه بشأن قضية “الجيش السوري الحرّ” وآليات تسليحه.
الأمر الذي دفع بمجموعة سمّت نفسها ب”مجموعة العمل الوطني” بزعامة الناشط الحقوقي هيثم المالح، إلى الخروج على المجلس، وتشكيل “مجلس داخل مجلس”، لتبني مطالب الثوار في الداخل، وعلى رأسه “الجيش السوري الحرّ”، بدون “مواربات” أو “مناورات”، على حدّ قول البعض المعارض في المجلس.
أياً تكن أوجه الخلاف بين “الجيش السوري الحرّ” (خصوصاً فيما يتعلق بقضية تسليحه)، وبعضٍ من “المجلس الوطني السوري”، فأنّ الثابت هو أنّ الخلاف على “تسليح” الثورة السورية، هو خلافٌ إقليمي ودولي، قبل أن يكون خلافاً سورياً بين المعارضات السورية نفسها.
والخلاف الأساس، ههنا، هو خلافٌ على مستقبل هذا التسليح وما يمكن أن تؤول إليه “سوريا المسلحة” القادمة، أكثر من أن يكون خلافاً على حاضر التسليح نفسه.
فالكلّ “الصديق” للشعب السوري، يكاد يكون متفقاً على انتهاء صلاحية نظام الأسد، وضرورة التخلص منه.
لكن السؤال هنا، هو كيف؟
ففي الوقت الذي يرى فيه البعض بأنّ التسليح هو الحلّ (وربما الوحيد) لإسقاط نظام الأسد، حيث الحديد لن يفلح إلا بالحديد، على حدّ قول المثل، يرى آخرون بأنّ التسليح قد يصبح مشكلةً إضافية مستقبلاً، ويزيد بالتالي من طين الأزمة السورية بلّةً.
بغض الطرف عن حجج هؤلاء “الأصدقاء” الممانعين للتسليح، والذين يخشون من أن يسقط هذا السلاح في يد جماعات إرهابية كالقاعدة مثلاً.
إلاّ أنّ الوجه الآخر لهذا “الخوف” من التسليح،
يمكن قراءته في تصريح رئيس المجلس الوطني السوري، د.
برهان غليون نفسه، حين قال بأنهم سيعملون عبر إنشائهم ل”المكتب الإستشاري العسكري” على الحيلولة “لمنع التشتت والفوضى وانتشار واستخدام السلاح، وتفادي نشوب حربٍ أهلية في سوريا.”
ولا ننسى إنّ أطراف أخرى في المعارضة السورية، وعلى رأسها “هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الوطني الديمقراطي”، تقف بالضد من “تسليح” الثورة، و”تحريفها” من مسارها السلمي منذ البداية.
“الحرب الأهلية” التي يُخشى منها الجميع داخلاً وخارجاً، هي حربٌ لا تزال ممكنةً ومحتملة، ك”فتنةٍ نائمة”، لا بل ظهرت بوادرها في أكثر من مكان سوري مشتعل.
هناك حقيقة سورية مرّة، لا يمكن غض الطرف عنها، ألا وهي أنّ النظام السوري قد نجح إلى حدٍّ كبير، في تغيير وجهة الصراع، من صراعٍ بينه وبين الشعب السوري، إلى فتنة طائفية “علوية ـ سنية”.
النظام ترجم هذه “الفتنة النائمة”، طيلة عقودٍ من الإحتقان الطائفي، والتي خطط لها على الورق في غرف عملياته، إلى واقع عملي، يتمّ ممارسته وارتكابه يومياً على أيدي قطعان شبيحته ورجالاته في الجيش والفروع الأمنية.
هذه الفتنة، ما عادت نائمةً كما كانت من قبل.
هي، الآن، مستيقظةٌ، تغلي في أكثر من مكانٍ سوريٍّ.
يومياً تخبرنا وسائل إعلام المعارضة في الداخل، على الفايسبوك وأخواتها، عن “ذبح علوي” ل”ضحايا سنة”، و”تجاوز علوي” ل”حرائر السنة”، وارتكاب “فظائع علوية” على أيدي أهل النظام بحق المعارضين من “أهل السنة”.
يجب أن يُقال، بأنّ النظام قد برع في صناعة هذا الشحن الطائفي الشغّال، ليل نهار، ما أدى إلى وقوع البعض من أهل المعارضة السورية (المعارض مأمون الحمصي على سبيل المثال لا الحصر) في فخ الفتنة، والخروج علينا بتهديد العلويين السوريين ب”محوهم عن بكرة أبيهم”، من على الخارطة السورية.
وما يدفع إلى المزيد من القلق، في هذا المنحى، هو ما جاء في تقرير الأمم المتحدة الأخير بشأن الأوضاع في سوريا، الذي أشار إلى “جرائم ضد الإنسانية” ارتكبها النظام في سوريا، و”انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها جماعات مناهضة للحكومة”، وذلك في إشارةٍ إلى “الجيش السوري الحرّ”.
“انتهاك” جماعات المعارضة ل”حقوق الإنسان”، أمرٌ لا بدّ أن يُؤخذ على محمل الجدّ.
قضية النظام السوري ورئيسه، بإعتباره “مجرم حرب”، كما وصفته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مؤخراً، هي مسألة مفروغة منها.
فلا يدافع عن هذا النظام، إلا شركاءه في القتل والجريمة.
أما أن ينجرّ البعض المعارض إلى ذات الجريمة، وذات “الإنتهاكات” بحقوق الإنسان، الذي هو في النهاية سوريٌّ من سوريا إلى سوريا، فهي مسألة تحتاج إلى أكثر من إعادة نظر.
أخطر ما في الأمر، والحالُ، هو أن ينزلق “الجيش السوري الحرّ” الذي من المفترض به أن يكون “حامياً” للشعب (كلّ الشعب)، إلى “الفتنة”، ويتحوّل بالتالي، إلى جيشٍ لحماية شعبٍ ضد شعب ، أو بعضٍ من سوريا ضد بعضها الآخر، أو طائفةٍ ضد طائفة أخرى، الأمر الذي يعني السقوط في الفخ الطائفي، الذي نصبه النظام للمعارضة، منذ اندلاع الثورة السورية.
خطاب “الجيش السوري الحرّ” الذي يغلب فيه الديني على الدنيوي، وتشكيلة كتائبه المسماة بتسميات طائفية “فوق وطنية”، تقول بأن أكثر ما يميّز هذا الجيش هو عقيدته “السنية” المضادة لعقيدة جيش النظام “العلوية”، وكأننا أمام “جيش الرحمن” الذي يقابل “جيش الشيطان”.
لم يعد سرّاً، أنّ الصراع بين الجيشين، فيه من الحمولات الطائفية ما يكفي للسقوط في أكثر من حربٍ أهلية.
ولعل ما نشهده من “حرب الفتاوى” بين “أهل السنة” وأهل “التشيع”، يؤكد أنّ الخوف كلّ الخوف، هو أنّ يسقط السوريون بعد سقوط النظام، في غيتوهات طائفية، من دون وطنٍ يحميهم من “حرب الكلّ ضد الكلّ”.
النظام السوري حاول منذ البداية، الـتأسيس، طائفياً، لهكذا ثنائية طائفية متضادة.
ليس لأنه المدافع الحقيقي عن حقوق الطائفة العلوية وحاميها، كما يريد أن يروّج لنفسه، وإنما لخلط الأوراق الوطنية، وتحريف الثورة السورية عن مسارها الوطني الحقيقي، وإسقاطها في حرب “ملوك طوائف” لا طائل منها.
“الجيش السوري الحرّ” هو جيشٌ من المفترض به، أن يكون جيشاً لكلّ السوريين للعبور بهم إلى حرية كلّهم، كما يقول إسمه.
لكنّ غياب مشاركة المكونات السورية الأخرى، كالعلويين والأكراد والمسيحيين والدروز، عن تشكيلاته وصناعة قراراته، بات يثير العديد من الأسئلة والقلق، في الداخل السوري وخارجه.
بعد مرور سنةٍ على الثورة السورية، لا يزال التردد هو سيد الموقف لدى الأقليات السورية، والسبب الأساس في ذلك، من وجهة نظرها بالطبع، هو “الخوف من القادم”، الذي قد لا يكون بالضرورة أحسن من الراهن، حسب رأيهم.
سواء اتفقنا مع الأقليات السورية في خوفها من قادم سوريا، أو لم نتفق، فإنّ “الحقيقة السورية الحاضرة” تقول: أنّ سوريا باتت تنحو نحو منزلق “الطائفة والطائفة المضادة” أكثر من اتجاهها نحو وطنٍ متآلف يجمع كلّ الموزاييك السوري.
هكذا تقول لنا خارطة الإصطفافات الطائفية والإثنية والعرقية والمناطقية الحاضرة الآن في الثورة، فما بالك بما بعدها.
كما العنف يولّد العنف، كذا القتل في سوريا وّلدّ القتل، ولا يزال حبل القادم منه على الجرّار.
ما يعني أنّ حرب الأهل ضد الأهل، وحرب سوريا ضد سوريا، قد باتت قاب قوسين أو أدنى من الإشتعال، وهي منزلقةٌ إليها في قادم النظام وقادم الثورة على حدٍّ سواء، شاء من شاء وأبى من أبى.
الثورة ستتسلّح، و”الجيش السوري الحرّ” سيدخل في حرب استنزافٍ قد تطول مع جيش النظام، والحرب ستشمل كلّ سوريا، وربما حواليها أيضاً، والدم سيُغسل بالدم والبادي هو الأظلم، لكن السؤال هو:
من سيضمن خروج سوريا، بعد سقوط النظام، من الطائفة؟
من سينهي “فلتان” الطائفة عندما تبدأ حرية الوطن؟
من سيلغي “دستور” الطائفة، عندما يبرز دستور الوطن؟
ومن سيضبط حدود الطائفة، عندما تُرسم حدود الوطن؟
لا شكّ أن “الجيش السوري الحرّ”، هو في المنتهى نتيجة (وليس سبباً) للقتل المنظّم، الذي اتخذه النظام السوري، منذ بداية الثورة، سبيلاً ل”إسقاط” الشعب الذي يريد بدوره إسقاطه.
فإصرار النظام السوري على شعار “يا قاتل يا مقتول”، هو الذي دفع ب”الجيش السوري الحرّ” إلى الإنشقاق من “جيش يقتل شعبه”، إلى “جيش يحمي شعبه”، أو يدافع عن نفسه، كأضعف الإيمان، كما يقول لسان حاله، ولسان حال البعض من فوقه السياسي، الممثل بالمجلس الوطني السوري.
ولا شك أيضاً، في أنّ “الجيش السوري الحرّ”، بغض الطرف عن الإتفاق أو الإختلاف معه، هو في المنتهى جيش مولود من رحم الثورة السورية، ونتيجة من نتائجها، شاء من شاء وأبى من أبى.
هو، إذن، جيشٌ من الثورة وإليها، ولا جدال في أنه يحاول، رغم تواضع إمكانياته، حماية بعضاً من أهل الثورة، في بعض سوريا، لا سيما تلك المناطق الساخنة منها، مثل حمص وحماة وإدلب ودرعا وريف دمشق وديرالزور.
الآن، بعد فشل العالم “الصديق”، في إيجاد حلّ سياسيٍّ سلميٍّ للأزمة السورية، وسقوط هذه الأخيرة في اللاحل، أصبح خيار “تسليح” الثورة، على مستوى بعضٍ من هذا العالم (لا سيما العربي الشقيق) هو “الحلّ”، كما بات شعار “الدم بالدم والبادي أظلم”، هو سيد الموقف في حاضر الثورة السورية وربما مستقبلها غير القريب أيضاً.
والأرجح سيفرض هذا الخيار نفسه، على اجتماعات الدورة ال137 العادية لجامعة الدول العربية التي ستنعقد السبت القادم في القاهرة، وذلك بهدف تضييق الخناق على الأسد، ودعم المعارضة السورية بكلّ ما من شأنه يمكن أن يؤدي إلى إسقاط نظامه.
“تسليح الثورة هو الحلّ”..تحت هذا الشعار أيضاً، قاد الثوار في الداخل جمعتهم الأخيرة.
الأمر الذي دفع بالمجلس الوطني إلى الإسراع في الإعلان عما سمّاه ب”المكتب الإستشاري العسكري” لتنظيم شئون المقاومة السورية المسلحة.
لكنّ رفض قائد الجيش السوري الحرّ العقيد رياض الأسعد التعامل مع هذا المكتب، أثار العديد من التساؤلات، تاركاً وراءه الكثير من علامات الإستفهام التي لا تزال تحتاج إلى أكثر من جوابٍ، ومن أكثر من طرف معني بالخلاف.
جوهر الخلاف، كما يبدو، يكمن في عدم تمكّن الطرفين إلى “اتفاق واضح” على “آليات التسليح”، فضلاً عن فشلهما في الوصول إلى شكل “علاقة واضحة”، بين “جيش الثورة” ممثلاً ب”الجيش السوري الحر” و”جيش السياسيين” ممثلاً ب”المجلس الوطني السوري”.
فالأخير، كما يبدو من تصريحات بعض أعضاء فوقه “التنفيذي” و”أمانته العامة”، مختلف فيما بينه بشأن قضية “الجيش السوري الحرّ” وآليات تسليحه.
الأمر الذي دفع بمجموعة سمّت نفسها ب”مجموعة العمل الوطني” بزعامة الناشط الحقوقي هيثم المالح، إلى الخروج على المجلس، وتشكيل “مجلس داخل مجلس”، لتبني مطالب الثوار في الداخل، وعلى رأسه “الجيش السوري الحرّ”، بدون “مواربات” أو “مناورات”، على حدّ قول البعض المعارض في المجلس.
أياً تكن أوجه الخلاف بين “الجيش السوري الحرّ” (خصوصاً فيما يتعلق بقضية تسليحه)، وبعضٍ من “المجلس الوطني السوري”، فأنّ الثابت هو أنّ الخلاف على “تسليح” الثورة السورية، هو خلافٌ إقليمي ودولي، قبل أن يكون خلافاً سورياً بين المعارضات السورية نفسها.
والخلاف الأساس، ههنا، هو خلافٌ على مستقبل هذا التسليح وما يمكن أن تؤول إليه “سوريا المسلحة” القادمة، أكثر من أن يكون خلافاً على حاضر التسليح نفسه.
فالكلّ “الصديق” للشعب السوري، يكاد يكون متفقاً على انتهاء صلاحية نظام الأسد، وضرورة التخلص منه.
لكن السؤال هنا، هو كيف؟
ففي الوقت الذي يرى فيه البعض بأنّ التسليح هو الحلّ (وربما الوحيد) لإسقاط نظام الأسد، حيث الحديد لن يفلح إلا بالحديد، على حدّ قول المثل، يرى آخرون بأنّ التسليح قد يصبح مشكلةً إضافية مستقبلاً، ويزيد بالتالي من طين الأزمة السورية بلّةً.
بغض الطرف عن حجج هؤلاء “الأصدقاء” الممانعين للتسليح، والذين يخشون من أن يسقط هذا السلاح في يد جماعات إرهابية كالقاعدة مثلاً.
إلاّ أنّ الوجه الآخر لهذا “الخوف” من التسليح،
يمكن قراءته في تصريح رئيس المجلس الوطني السوري، د.
برهان غليون نفسه، حين قال بأنهم سيعملون عبر إنشائهم ل”المكتب الإستشاري العسكري” على الحيلولة “لمنع التشتت والفوضى وانتشار واستخدام السلاح، وتفادي نشوب حربٍ أهلية في سوريا.”
ولا ننسى إنّ أطراف أخرى في المعارضة السورية، وعلى رأسها “هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الوطني الديمقراطي”، تقف بالضد من “تسليح” الثورة، و”تحريفها” من مسارها السلمي منذ البداية.
“الحرب الأهلية” التي يُخشى منها الجميع داخلاً وخارجاً، هي حربٌ لا تزال ممكنةً ومحتملة، ك”فتنةٍ نائمة”، لا بل ظهرت بوادرها في أكثر من مكان سوري مشتعل.
هناك حقيقة سورية مرّة، لا يمكن غض الطرف عنها، ألا وهي أنّ النظام السوري قد نجح إلى حدٍّ كبير، في تغيير وجهة الصراع، من صراعٍ بينه وبين الشعب السوري، إلى فتنة طائفية “علوية ـ سنية”.
النظام ترجم هذه “الفتنة النائمة”، طيلة عقودٍ من الإحتقان الطائفي، والتي خطط لها على الورق في غرف عملياته، إلى واقع عملي، يتمّ ممارسته وارتكابه يومياً على أيدي قطعان شبيحته ورجالاته في الجيش والفروع الأمنية.
هذه الفتنة، ما عادت نائمةً كما كانت من قبل.
هي، الآن، مستيقظةٌ، تغلي في أكثر من مكانٍ سوريٍّ.
يومياً تخبرنا وسائل إعلام المعارضة في الداخل، على الفايسبوك وأخواتها، عن “ذبح علوي” ل”ضحايا سنة”، و”تجاوز علوي” ل”حرائر السنة”، وارتكاب “فظائع علوية” على أيدي أهل النظام بحق المعارضين من “أهل السنة”.
يجب أن يُقال، بأنّ النظام قد برع في صناعة هذا الشحن الطائفي الشغّال، ليل نهار، ما أدى إلى وقوع البعض من أهل المعارضة السورية (المعارض مأمون الحمصي على سبيل المثال لا الحصر) في فخ الفتنة، والخروج علينا بتهديد العلويين السوريين ب”محوهم عن بكرة أبيهم”، من على الخارطة السورية.
وما يدفع إلى المزيد من القلق، في هذا المنحى، هو ما جاء في تقرير الأمم المتحدة الأخير بشأن الأوضاع في سوريا، الذي أشار إلى “جرائم ضد الإنسانية” ارتكبها النظام في سوريا، و”انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها جماعات مناهضة للحكومة”، وذلك في إشارةٍ إلى “الجيش السوري الحرّ”.
“انتهاك” جماعات المعارضة ل”حقوق الإنسان”، أمرٌ لا بدّ أن يُؤخذ على محمل الجدّ.
قضية النظام السوري ورئيسه، بإعتباره “مجرم حرب”، كما وصفته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مؤخراً، هي مسألة مفروغة منها.
فلا يدافع عن هذا النظام، إلا شركاءه في القتل والجريمة.
أما أن ينجرّ البعض المعارض إلى ذات الجريمة، وذات “الإنتهاكات” بحقوق الإنسان، الذي هو في النهاية سوريٌّ من سوريا إلى سوريا، فهي مسألة تحتاج إلى أكثر من إعادة نظر.
أخطر ما في الأمر، والحالُ، هو أن ينزلق “الجيش السوري الحرّ” الذي من المفترض به أن يكون “حامياً” للشعب (كلّ الشعب)، إلى “الفتنة”، ويتحوّل بالتالي، إلى جيشٍ لحماية شعبٍ ضد شعب ، أو بعضٍ من سوريا ضد بعضها الآخر، أو طائفةٍ ضد طائفة أخرى، الأمر الذي يعني السقوط في الفخ الطائفي، الذي نصبه النظام للمعارضة، منذ اندلاع الثورة السورية.
خطاب “الجيش السوري الحرّ” الذي يغلب فيه الديني على الدنيوي، وتشكيلة كتائبه المسماة بتسميات طائفية “فوق وطنية”، تقول بأن أكثر ما يميّز هذا الجيش هو عقيدته “السنية” المضادة لعقيدة جيش النظام “العلوية”، وكأننا أمام “جيش الرحمن” الذي يقابل “جيش الشيطان”.
لم يعد سرّاً، أنّ الصراع بين الجيشين، فيه من الحمولات الطائفية ما يكفي للسقوط في أكثر من حربٍ أهلية.
ولعل ما نشهده من “حرب الفتاوى” بين “أهل السنة” وأهل “التشيع”، يؤكد أنّ الخوف كلّ الخوف، هو أنّ يسقط السوريون بعد سقوط النظام، في غيتوهات طائفية، من دون وطنٍ يحميهم من “حرب الكلّ ضد الكلّ”.
النظام السوري حاول منذ البداية، الـتأسيس، طائفياً، لهكذا ثنائية طائفية متضادة.
ليس لأنه المدافع الحقيقي عن حقوق الطائفة العلوية وحاميها، كما يريد أن يروّج لنفسه، وإنما لخلط الأوراق الوطنية، وتحريف الثورة السورية عن مسارها الوطني الحقيقي، وإسقاطها في حرب “ملوك طوائف” لا طائل منها.
“الجيش السوري الحرّ” هو جيشٌ من المفترض به، أن يكون جيشاً لكلّ السوريين للعبور بهم إلى حرية كلّهم، كما يقول إسمه.
لكنّ غياب مشاركة المكونات السورية الأخرى، كالعلويين والأكراد والمسيحيين والدروز، عن تشكيلاته وصناعة قراراته، بات يثير العديد من الأسئلة والقلق، في الداخل السوري وخارجه.
بعد مرور سنةٍ على الثورة السورية، لا يزال التردد هو سيد الموقف لدى الأقليات السورية، والسبب الأساس في ذلك، من وجهة نظرها بالطبع، هو “الخوف من القادم”، الذي قد لا يكون بالضرورة أحسن من الراهن، حسب رأيهم.
سواء اتفقنا مع الأقليات السورية في خوفها من قادم سوريا، أو لم نتفق، فإنّ “الحقيقة السورية الحاضرة” تقول: أنّ سوريا باتت تنحو نحو منزلق “الطائفة والطائفة المضادة” أكثر من اتجاهها نحو وطنٍ متآلف يجمع كلّ الموزاييك السوري.
هكذا تقول لنا خارطة الإصطفافات الطائفية والإثنية والعرقية والمناطقية الحاضرة الآن في الثورة، فما بالك بما بعدها.
كما العنف يولّد العنف، كذا القتل في سوريا وّلدّ القتل، ولا يزال حبل القادم منه على الجرّار.
ما يعني أنّ حرب الأهل ضد الأهل، وحرب سوريا ضد سوريا، قد باتت قاب قوسين أو أدنى من الإشتعال، وهي منزلقةٌ إليها في قادم النظام وقادم الثورة على حدٍّ سواء، شاء من شاء وأبى من أبى.
الثورة ستتسلّح، و”الجيش السوري الحرّ” سيدخل في حرب استنزافٍ قد تطول مع جيش النظام، والحرب ستشمل كلّ سوريا، وربما حواليها أيضاً، والدم سيُغسل بالدم والبادي هو الأظلم، لكن السؤال هو:
من سيضمن خروج سوريا، بعد سقوط النظام، من الطائفة؟
من سينهي “فلتان” الطائفة عندما تبدأ حرية الوطن؟
من سيلغي “دستور” الطائفة، عندما يبرز دستور الوطن؟
ومن سيضبط حدود الطائفة، عندما تُرسم حدود الوطن؟