حسين جلبي
أصبحت عملية متابعة كل ما يكتب على صفحات النت مسألةً شاقة حقاً، لأن المرء يهدر الكثير من الوقت في فرز الغث من السمين أولاً، و من ثم إهدار المزيد منه و من الأعصاب أيضاً في تناول وجبات لا يلبث أن يكتشف خلوها من أي قيمة فكرية ثانياً.
أصبحت عملية متابعة كل ما يكتب على صفحات النت مسألةً شاقة حقاً، لأن المرء يهدر الكثير من الوقت في فرز الغث من السمين أولاً، و من ثم إهدار المزيد منه و من الأعصاب أيضاً في تناول وجبات لا يلبث أن يكتشف خلوها من أي قيمة فكرية ثانياً.
و الحقيقة فإن هناك من الأطروحات ما لا يستحق تناولها بالنقد، و بالتالي تخصيص مساحة زمانية و مكانية لها، لا بل لا تستحق حتى الردود عليها ـ و ربما من بينها هذا ـ منحها ذلك الشرف، و تكريمها من قبل المتابعين بقراءتها، لكونها تدور مع الطرح في الدوامة ذاتها، و لكونها تدخل المرء في (زواريب) سفسطائية ليست لها علاقة بما يجري على الأرض السورية، و أخيراً لكون تفنيد تلك الأطروحات و دحضها يدخل ضمن ألفباء العقل و المنطق، و ليس تلك العملية الكيميائية المعقدة التي تحتاج أخصائيين.
يقوم البعض إذاً (بتفعيل) نفسه بين الفينة و الأُخرى عبر آراء غريبة أو أعمال أشد غرابة و خطورة لا تنسجم مع سياقات المرحلة، و بعيدة عن طبيعة الأشياء و منطق الأمور، من ذلك الإفتاء الأخير ليس برفض التدخل الخارجي العسكري في سوريا بل بمقاومته في حال حصوله، و ذلك خروجاً على رغبة السوريين الذين يطالبون بإتخاذ كل الإجراءات الممكنة، و مهما كانت طبيعتها، بما في ذلك التدخل العسكري لإيقاف قتلهم و تخليصهم من العصابة الأسدية، و إنسجاماً في الوقت ذاته مع ممانعة هذه العصابة لأي شكل من أشكال التدخل حتى لو كان إنسانياً و ذلك من أجل إستمرار إستفرادها بالشعب السوري تحت تأثير وهم إستئصال روحه المقاومة و إعادته إلى حظيرة الخوف.
إذاً، و أخذاً بظاهر الأمور يمكننا القول أن من يرفض أي شكل من أشكال التدخل في سوريا و من ضمنها التدخل العسكري هو النظام السوري و شبيحته و من خلفهما حزب الله وايران و روسيا و الصين، و بالمقابل فإن من يطالب بالتدخل هم السوريون الذين يدفعون أثماناً باهظة خلال ثورتهم السلمية، و لم يعودوا يستطيعوا فكاكاً من النظام، حتى لو رغبوا في العودة و إياه إلى نقطة الصفر.
لم يعد هذا الفرز الواضح نظرياً فقط، بل هو حقيقة متجسدة على الآرض، و بالتبعية له يتسائل المرء عمن سيقاوم التدخل العسكري في سوريا في حال حدوثه؟ إن الدروس التي تكررت في غير مكان و شاهدها الجميع تشي بأن رأس النظام و بمجرد توجيه ـ و ليس إطلاق ـ أول صاروخ نحو قلاعه فإنه سيفر مخلفاً شبيحته في جعجعتهم يتخبطون، و هؤلاء لن يحاولوا مقاومة ذلك التدخل في حال حصوله، ليس لإنعدام وجود توازن معه فحسب، بل لأنهم غير معنيين بالأمر بعد سقوط المبرر، كل ما سيقومون به هو محاولة غسل أياديهم من جرائم النظام و تبرئة ساحتهم مما إرتكبوه، أما من سيعجز عن ذلك بسبب سجله الإجرامي الكبير و إنعدام مصداقيته بعد أن أوغل في إظهار ولائه للنظام و محاربة الثورة فسيحاول مقاومة السلطة التي ستقوم على أنقاض الدكتاتورية، و إحراجها بعمليات مؤلمة، و إبتزازها بتحميلها بما يفوق طاقتها، كل ذلك من أجل إطالة أمد الفوضى المتوقع حصولها، لأن هؤلاء لا يستطيعون الحياة و العمل في أجواء طبيعية.
و الآن، هل من مصلحة الكُرد رفض التدخل العسكري كُرمى لعيون آل الأسد و من يقف خلفهم؟ و هل من الحكمة مقاومته في حال حصوله؟ أنني لا أجد سبباً واحداً يدفع الكُرد إلى رفض التدخل العسكري ضد النظام السوري و من ثم التصدي له، كيف لنا أن نقاوم رغبة من يتعرض للذبح على يد النظام السوري بداعي أن السكين المستخدمة للذبح هي من صنعٍ وطني، هذا عدا عن رحلة الآلام التي يخوضها الكُرد منذُ حكم هؤلاء.
و بالمناسبة و نحن إذ نعيش هذه الأيام الذكرى الثامنة لثورة الثاني عشر من آذار، حين أقدمت القوات ذاتها التي تذبح السوريين اليوم على إرتكاب مجزرة بشعة في المناطق الكُردية حينذاك سقط على أثرها عشرات الشهداء و مئات الجرحى و آلاف المعتقلين، في صورة مصغرة لما يجري في سوريا اليوم، يحق لنا أن نتساءل فيما إذا كنا سنرفض أي تدخل لتخليصنا من النظام وقتها؟ أعتقد جازماً لا.
لقد ربط الشعب الكُردي في سوريا مصيره بباقي المكونات السورية، و هو مع الأغلبية فيما تذهب إليه، و مستعد للذهاب معها إلى أقصى ما تطلبه، و هو ما يحصل منذ ما يقارب العام من خلال الخروج للتظاهر، و رفع شعارات الثورة السورية، و تقديم الشهداء على طريق إنتصارها، أما من يقف في الجهة الأخرى، يتحين الفرص للإنقضاض على إنجازاتها، و تجييرها لنفسه، فعليه أن يتحمل لوحده ثمن مواقفه، لأنه لا يمثل سوى نفسه، مع الإشارة إلى أن مقاومة التدخل العسكري التي يدعي بأنه سيقوم بها، تختلف عن عمليات التشبيح إن في الوسائل أو في التكلفة.
نُقل عن الزعيم الكُردي مصطفى البرزاني قوله حين كان الكُرد يعيشون ظروفاً تشبه ما يعيشه السوريون اليوم: (أنني مثل ذلك المتسول الأعمى على باب جامع السليمانية، الذي لا يسأل المُحسن عن هويته)، طبيعي أن لا يسأل السوريون، ليس عن هوية المُحسن فحسب، بل عن نوع العملة، لكن الغير طبيعي هو محاولة البعض منع وصول تلك الحسنات، أو سرقة ما يتجمع منها في تلك العلبة الصدأة.
jelebi@hotmail.de
إذاً، و أخذاً بظاهر الأمور يمكننا القول أن من يرفض أي شكل من أشكال التدخل في سوريا و من ضمنها التدخل العسكري هو النظام السوري و شبيحته و من خلفهما حزب الله وايران و روسيا و الصين، و بالمقابل فإن من يطالب بالتدخل هم السوريون الذين يدفعون أثماناً باهظة خلال ثورتهم السلمية، و لم يعودوا يستطيعوا فكاكاً من النظام، حتى لو رغبوا في العودة و إياه إلى نقطة الصفر.
لم يعد هذا الفرز الواضح نظرياً فقط، بل هو حقيقة متجسدة على الآرض، و بالتبعية له يتسائل المرء عمن سيقاوم التدخل العسكري في سوريا في حال حدوثه؟ إن الدروس التي تكررت في غير مكان و شاهدها الجميع تشي بأن رأس النظام و بمجرد توجيه ـ و ليس إطلاق ـ أول صاروخ نحو قلاعه فإنه سيفر مخلفاً شبيحته في جعجعتهم يتخبطون، و هؤلاء لن يحاولوا مقاومة ذلك التدخل في حال حصوله، ليس لإنعدام وجود توازن معه فحسب، بل لأنهم غير معنيين بالأمر بعد سقوط المبرر، كل ما سيقومون به هو محاولة غسل أياديهم من جرائم النظام و تبرئة ساحتهم مما إرتكبوه، أما من سيعجز عن ذلك بسبب سجله الإجرامي الكبير و إنعدام مصداقيته بعد أن أوغل في إظهار ولائه للنظام و محاربة الثورة فسيحاول مقاومة السلطة التي ستقوم على أنقاض الدكتاتورية، و إحراجها بعمليات مؤلمة، و إبتزازها بتحميلها بما يفوق طاقتها، كل ذلك من أجل إطالة أمد الفوضى المتوقع حصولها، لأن هؤلاء لا يستطيعون الحياة و العمل في أجواء طبيعية.
و الآن، هل من مصلحة الكُرد رفض التدخل العسكري كُرمى لعيون آل الأسد و من يقف خلفهم؟ و هل من الحكمة مقاومته في حال حصوله؟ أنني لا أجد سبباً واحداً يدفع الكُرد إلى رفض التدخل العسكري ضد النظام السوري و من ثم التصدي له، كيف لنا أن نقاوم رغبة من يتعرض للذبح على يد النظام السوري بداعي أن السكين المستخدمة للذبح هي من صنعٍ وطني، هذا عدا عن رحلة الآلام التي يخوضها الكُرد منذُ حكم هؤلاء.
و بالمناسبة و نحن إذ نعيش هذه الأيام الذكرى الثامنة لثورة الثاني عشر من آذار، حين أقدمت القوات ذاتها التي تذبح السوريين اليوم على إرتكاب مجزرة بشعة في المناطق الكُردية حينذاك سقط على أثرها عشرات الشهداء و مئات الجرحى و آلاف المعتقلين، في صورة مصغرة لما يجري في سوريا اليوم، يحق لنا أن نتساءل فيما إذا كنا سنرفض أي تدخل لتخليصنا من النظام وقتها؟ أعتقد جازماً لا.
لقد ربط الشعب الكُردي في سوريا مصيره بباقي المكونات السورية، و هو مع الأغلبية فيما تذهب إليه، و مستعد للذهاب معها إلى أقصى ما تطلبه، و هو ما يحصل منذ ما يقارب العام من خلال الخروج للتظاهر، و رفع شعارات الثورة السورية، و تقديم الشهداء على طريق إنتصارها، أما من يقف في الجهة الأخرى، يتحين الفرص للإنقضاض على إنجازاتها، و تجييرها لنفسه، فعليه أن يتحمل لوحده ثمن مواقفه، لأنه لا يمثل سوى نفسه، مع الإشارة إلى أن مقاومة التدخل العسكري التي يدعي بأنه سيقوم بها، تختلف عن عمليات التشبيح إن في الوسائل أو في التكلفة.
نُقل عن الزعيم الكُردي مصطفى البرزاني قوله حين كان الكُرد يعيشون ظروفاً تشبه ما يعيشه السوريون اليوم: (أنني مثل ذلك المتسول الأعمى على باب جامع السليمانية، الذي لا يسأل المُحسن عن هويته)، طبيعي أن لا يسأل السوريون، ليس عن هوية المُحسن فحسب، بل عن نوع العملة، لكن الغير طبيعي هو محاولة البعض منع وصول تلك الحسنات، أو سرقة ما يتجمع منها في تلك العلبة الصدأة.
jelebi@hotmail.de