خليل كالو
كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار, مررنا مستطلعا الشارع العام من أقصى جهة الشرق إلى مركز المدينة , حيث انتابنا شعور وإحساس خاص في صبيحة ذلك اليوم ونحن آت من بعد /60/كم تقريباً توقعنا ألا يمر مثل سابقاته لا لسبب خفي بل لأنه سيكون يوم مميز بحضور المراقبين ولكن كيف فهذا لم أكن أدري .فقلت في نفسي لا تتسرع ولا تسقط بأفكارك إلى الأمام كعادتك وسوف تتضح الأمور لاحقاً وسترى .
فعلا لم يمض سوى ساعة واحدة أو يزيد حتى اتضح شكل المشهد العام رويدا رويدا حين الوصول إلى مركز المدينة حيث لم يخدعنا البصر ولا السمع عدا التوقع وقد بدا كل شيء مألوفاً ويسير بشكل طبيعي دون أن يشوبه شائبة , يتنافس الناس في أماكن أعمالهم على البيع والشراء وقنص الزبائن ولا شيء يوحي بوجود أمر ما على الأقل من سيماء الناس أللهم ما يجول في خاطرهم وأعماقهم من أفكار وهواجس وطموحات علما ما يقوله المرء من كلام بلسانه ليس له سند وانطلاقة في الوجدان حيث الازدواجية الشخصية والانفصام قد أصبحت ثقافة وبضاعة رائجة هذه الأيام .
مررنا بشارع الشبيحة عند نقاط عدة تعودنا المرور بها فضولا أو تطفلا بين الحين والآخر “هذا الوصف ابتكار للصديق سيامند إبراهيم حيث حقوق النشر والمنتج ملكا له” وكذلك بشارع منظري الكردايتي لتصفح الأوضاع والاطلاع على مستجدات محلية بالدرجة الأولى ربما لم نحظ بشرف سماعها ونحن القرويون البعيدون عن مركز الحضارة والإعلام حسب زعم أهل المدينة تداعباً.
لقد كانت الأمور أكثر من عادية فيها ونفس الوجوه الشاحبة تبسبس Pistapista wane لهدر الوقت وضياعه لحين موعد الغداء لينصرفوا إلى بيوتهم ظنا منهم أنهم يمارسون السياسة أو هم أشخاص ذووا أهمية وهم في أعماق أعماقهم يدركون تمام الإدراك أنهم يوهمون البسطاء والمارة دون أن يدركوا أن هؤلاء البسطاء أيضاً بدورهم يسخرون منهم بطريقتهم الخاصة ومن تحت الشفاه البائسة يقولون ما يقولون.
فكان منهم من هو سياسي وعضو قيادة كردية وربطات الأعناق مشدودة ومزركشة وآخر عضو مجلس كردي جالس في محل عمله وعينه على زبون مدهن وآخر مثقف امتهن مهنة الثقافة والفكر في زمن الخراب والقحط ولكنه عند الجد اختفى متشتشا والكثيرون لا حصر لهم من شاكلة أنا الأول وأنت الأخير ابتعدوا في ذلك اليوم عن رقابة المراقبين.
اتجهنا غربا وعند جامع زين العابدين التقينا بجمع من المحتشدين قوامها بضع مئات أو يزيد إذا صح التقدير وأفرادها يحملون رايات الجمهورية وصور الرئيس بشار الأسد وهي تهتف للإصلاح وتحيي من تحب كما هي تعتقد فألقينا نظرة في المكان يمنة ويسرة فلم نجد ما يثير الانتباه فاحترمنا رأيها وهذا ما تقتضي أصول ومنهج الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير ومن هناك اتجهنا غربا وعند مفترق شارع الحسكة وعامودا وجدنا رجال الأمن وحفظ النظام كعادتهم في ذاك المكان وجهة بصرهم باتجاه الغرب سدادا على جامع قاسمو فمررنا بينهم حيث وجدنا أمراً غريبا هذه المرة هو غياب المظاهر المسلحة ولم نجد سوى العصي السوداء وهي مغمدة ومتأهبة بين الأحزمة والرجال هادئون وزخات المطر الخفيفة تندى الوجوه وهم حيارى ومرتبكون .
بعد التقاطع ومن هناك بدا الشارع المتجه إلى الهلالية على مرمى البصر مكشوفاً وغابة من الرايات الملونة والمتنوعة تلوح من بعيد بيد أصحاب رأي مخالف منذ عشرة أشهر عن الذين هم في السبع البحرات وصوت المكبر القوي يملئ الشارع بأغنية الفنان الكردي القدير برادر Birader.
فكان هناك جمع قالوا كانت بضع آلاف وتفرقت نصفها وتعبت أو ذهبت للغداء والباقون في انتظار المراقبين والمطر ينهمر برشاقة ولطف فوق رؤوس المتظاهرين.
وجوه باسمة وهي لا تهدأ حركة ونشاطا وأصوات طموحة شابة تهز المكان وبراعم ربيع قادم تحمل رايات جميلة والجمع معاً تهتف بشعارات وتغني للحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان ربما تصل عنان السماء بانتظار المراقب المتخفي .
ولكن طال الانتظار وفي أعماق عيون هؤلاء الشباب يمكن تقرأ أسوأ صفحات الشقاء وأهوال الزمن الغدار وآثار بطش المستبد ومع ذلك توحي الوجوه بالأمل لمستقبل آت لا ريب فيه وهي مصرة وقانعة بانجلاء الليالي السوداء لتأخذ فرصتها.
ولكن الشيء الغريب وربما للكثيرين والذي لم نتوقعه هو غياب اللافتة والشعار بين الجموع “المجلس الوطني الكردي يمثلني وكذلك أيضاً يافطة “أردوغان يقتلنا”.
وبعد العصر عدنا أدراجنا تحت المطر إلى من حيث أتينا وبين أمواج التفكير والتحليل والهموم المتلاطمة واستذكار التاريخ أدركنا سبب ضياع الحقوق منذ بعيد وكذلك إعدام الشيخ سعيد ونفي البارزاني وموته قهراً على سلوك الكرد وثقافتهم واغتيال قاسملو وأسر عبد الله أوجلان ولماذا لسنا غير محترمين … من يهوى سماع الجواب ويهمه الأمر فليراجع ويبحث في جعبة النخب الكسولة والانتهازية والمتطفلة على آلام شعبها التي هي الآن خارجة الزمن وتعيش على هامش التاريخ كالغربان.