صلاح بدرالدين
كما أنه مدرك تماما أن العودة الى استخدام عبارات ومصطلحات القرن التاسع عشر القوموية المستهلكة لن تجديه نفعا ولكن مرة أخرى نعذر الرجل فهو بات مفلسا فليس لديه مايقوله وما تشدقه بعروبته الخاصة الخالية من أي مضمون تحرري ديموقراطي انساني الا مؤشرا على الفشل الذريع لأنه يناطح لفظيا خصما خياليا على الطريقة – الدونكيشوتية – فما دخل الثورة السورية بمسألة العروبة أولا ثم أنها بطبيعة الحال تفهم وتفسر العروبة أو – الكردوية – وكل المسميات القومية على أنها بجوهرها وطنية تحررية ديموقراطية تشاركية تعددية تتصالح مع قضايا العصر في موضوعات السلام وحقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير المصير والمساواة والعدالة الاجتماعية وتداول السلطة وضد العنصرية والشوفينية والتمييز القومي والارهاب أما رفعه لصفة العروبة عن شعوب وأنظمة بلدان الجامعة العربية أو تقسيمها الى عرب عرباء ومستعربين تماما مثل التفسير – العفلقي – فقد كانت سقطة مدوية تنم عن جهل وتجاهل للتاريخ ورغم النأي بأنفسنا عن التقسيمات العنصرية وقياس درجات قومية الآخرين الا أنه بنفسه من عائلة ايرانية مستعربة وما كان عليه المزاودة العروبية على سكان الجزيرة العربية الأصليين موئل ومنبع العرب منذ التاريخ القديم .
لقد تعامل الاسد منذ البداية وخاصة في خطابه الأخير مع تجارب من سبقوه من الحكام المستبدين المخلوعين ( صدام وبن علي ومبارك والقذافي وصالح ) بشكل مدروس وبدقة متناهية فانتهج طرقا أخرى معاكسة تماما لتصرفات زملائه خلال ظهوره والقاء خطاباته وتصريحاته الصحفية ووقفاته وحتى تقاطيع وجهه ولاشك أن ظهور الأسد بمظهر المتماسك والمبالغة في التحدي اللفظي وعلى صعيد الاستعمال المفرط للقوة واستهداف المدنيين بصورة غير مسبوقة على الأرض ( استشهد ستة خلال القاء خطابه في ساعة وخمسة وأربعين دقيقة ) وعدم اظهار المرونة ينم عن حالة نفسية تنشد التأكيد أنه لن ينحو دروب الآخرين في تقديم التنازل تلو التنازل لشعوبهم الثائرة والذي كما قد يعتقد ان شكل ادارتهم للأزمة هو ماأوصلهم الى السقوط وهذا ما ظهر جليا في سلوكه في الشهرين الأخيرين وبشكل أوضح في خطابه الرابع الأخير والأمر الوحيد المستثنى هو تقليد سلفيه في الاستبداد والحكم المطلق ( صدام والقذافي ) ظهوره – المفاجىء ! – المرتب المصاحب لحركات مصطنعة امام موظفيه وأزلامه ورجال أمنه في ساحة الأمويين بدمشق .
لقد سئلت من جانب بعض وسائل الاعلام حول مااذا كنت أتوقع أن يمر رأس النظام في خطابه بصورة ايجابية حتى من باب التكتيك على الكرد والقضية الكردية فكان جوابي : لا لم نكن نتوقع ذلك لأن موقف النظام منذ تسلط حزب البعث وتحكم الأسد الأب والابن بمصير البلاد كان ومازال يستند الى تجاهل الكرد شعبا ووجودا وقضية وحقوقا وبما أن رأس النظام قد قرر انتهاج سبيل عدم التنازل أمام مطالب الشعب والثورة فلن يعترف بالحق الكردي ومن جهة أخرى فلم يستثني الكرد عندما وصم الثورة السورية بالارهاب والكرد جزء أساسي من الثورة بل في القلب منها .
واذا كان لابد من التوقف ولو من باب التأمل على جزء من خطابه المخطط المدروس حتى ولو كان – طعما – لاثارة الفتنة والشكوك فلابد من التمعن في ما أفصح عنه عن وجود أنواع من المعارضات ” منها من يتصل بنا ومنها من يريد أن تكون علاقاتها معنا سرية واتهم البعض الآخر بالتردد والانتهازية والخوف ثم أردف طالبا من الجميع الوضوح والالتحاق بالنظام والمشاركة الفعلية في مواجهة الثورة ” وبهذا الخصوص وكما هو معروف فان شباب الثورة والقوى المعارضة الجذرية على علم بسلوكيات بعض التيارات والجماعات والأفراد واصطفافها في خندق الثورة المضادة الى جانب النظام بمختلف الأشكال الخفية والعلنية والملتوية من بينها جماعة ” هيئة التنسيق ” ومن ضمنها جماعة حزب العمال الكردستاني التركي – ب ي د – وأربعة أحزاب كردية سورية وغالبية ” المجلس الوطني الكردي ” وأفراد أمثال ” عمر أوسي وآخرين ” وبعض أعضاء ” المجلس الوطني السوري ” ومنهم من في المراتب القيادية وكما هو معلوم فان المذكورين لم يشعلوا الثورة حتى يتمكنوا من اطفائها ولن يؤثروا على مسيرتها وتوسعها وتصاعدها حتى لو أرادوا ذلك وحتى لو تمكن رأس النظام من جمع هؤلاء أو قسم منهم على طاولة واحدة .