القضية السورية في الحسابات الغربية

زيور العمر*

ساد وهم في أوساط المعارضة السورية بخصوص عزم المجتمع الدولي معاقبة النظام السوري فيما لو حدثت إضطرابات أو إحتجاجات شعبية في سوريا غلى غرار بلدان الربيع العربي.

و كان الإعتقاد أن الغرب يحمل في ذاكرته مشاهد أليمة سببتها سياسات النظام الإقليمية، و أنه لن يتوانى عن تقديم المساعدة للمعارضة السورية من أجل إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد و التخلص من شروره.

و كان تفسير تقاعس الغرب عن تقديم هذه المساعدة في السابق هو أنه لم يكن هنالك أي تهديد جدي كما هو الآن في سوريا.
و بالرغم من مشروعية هذه القراءة و المنطق المتماسك الذي يبدو عليه للوهلة الأولى، إلا أن تجربة الأربعة عشرة شهراً الماضية، منذ إندلاع الثورة السورية، يوحي بالعكس، إذ لم يشر أحد  في الغرب، لا من قريب و لا من بعيد، لا في دوائر مركز القرار, و لا في مراكز البحث و الدراسات الإستراتيجية التي يتخذ الساسة الغربيون من أبحاثها و توصياتها مصدراً مهماً في صياغة الرؤى و إتخاذ القرارات، الى مسعى غربي، جاد و هادف، لتغيير نظام بشار الأسد، و ما كانت أي قوة لتمنعه من الإقدام على هذه الخطوة ، إن لم يكن له حسابات أخرى.

و ما سمعناه على لسان المسؤولين الغربين، و ما قرأناه في التقارير البحثية و الإستخبارتية المسربة لم يتجاوز الموقف التقليدي : الغرب يمارس الضغوط على النظام السوري من أجل حثه و دفعه لتغيير سلوكه، ليس إلا.

و بالتالي لم يكن الوهم الذي نام على  وسادته أغلب المعارضين السوريين سوى نتيجة قراءة خاطئة و سوء تقدير للحالة السورية و ملابساتها و تعقيداتها الداخلية و الإقليمية  بخلاف ثورات الربيع العربي و أحوال بلدانها.


فمجرد نظرة عابرة على المواقف التي إتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية و الغرب حيال القضية السورية منذ بداية الأزمة، و التي إتخذت نبرة الشجب و التنديد, و تجنبت لغة التهديد الحاسم في مواجهة الجرائم الرهيبة و المروعة التي إرتكبتها عصابات و قوات النظام، العسكرية و الأمنية و المدنية، كفيلة للإعتقاد بأن الغرب حاول أن يتخذ من المشهد السوري الداخلي الساخن من جهة , و من التعاطف الدولي مع الشعب السوري من جهة أخرى مبرراً لحصر بشار الأسد في الزاوية الضيقة من أجل فك إرتباطه و حلفه مع إيران التي يشكل ملفها النووي و طموحها بإمتلاك السلاح النووي التهديد الإخطر للمصالح الإستراتيجية للغرب و حلفاءه في المنطقة.

و إلا، لو كان الغرب جادا ًفي موقفه الظاهري الداعي الى رحيل بشار الأسد، فما الذي يمنعه من تقديم الدعم المادي و اللوجستي للمعارضة السورية و تشديد الخناق على قوات النظام على الأرض من خلال تلبية مطالب المعارضة الداعية الى التدخل الدولي من أجل إقامة ممرات آمنة و فرض مناطق حظر جوي و مد الجيش السوري الحر بالعتاد و السلاح.
لا شك أن للولايات المتحدة الأمريكية و الغرب، حسابات أمنية و إستراتيجية، تأخذها بالحسبان عند تعاطيها مع الحالة السورية، و لديها مخاوف من إحتمال تطور المشهد السوري في إتجاه معاكس لتلك الحسابات ، وعلى رأسها أمن إسرائيل.

فهذه الأخيرة، لم تخف مخاوفها من زخم الضغوط الجارية على النظام السوري، و إنزعاجها من تسارع الأحداث، حتى و صل بها الأمر الى حد تحذير الولايات المتحدة من مغبة دفع الأمور في إتجاه الحسم السريع للأزمة، مفضلة ترك الأزمة في سوريا تحترق على نار هادئة على أمل أن لا تسفر عن تغييرات جذرية في نهاية المطاف، فهي لا تنسى فضائل آل الأسد عليها  أقلها حدود آمنة هادئة معها على إمتداد أربع عقود.
هذا بالنسبة للبعد الإقليمي للأزمة، أما فيما يتعلق بالبعد الداخلي و تأثيراتها و تداعياتها المثيرة لمخاوف الغرب فهو شأن أخر، لا يقل خطورة عن الأول، إن لم نقل يضاهيه، من جهة التقارير التي تتحدث عن تسلل مجموعات إسلامية راديكالية إلى داخل المعارضة المسلحة، و إستعدادها لتسعير نار الفتنة الطائفية تمهيداً لإشعال حرب أهلية في سوريا، لن يكون حلفاء الغرب في المنطقة بمنأى عنها و عن إمتداداتها المذهبية و العرقية.

و قد أشارت تقارير لها علاقة مع دوائر الإستخبارات الغربية و الإقليمية إلى وجود عناصر و مجموعات إسلامية تقود الحراك الثوري و الجماهيري في الوقت الراهن، بعد أن قامت أجهزة ألأمن السورية بإعتقال أغلب القيادات الشابة أثناء الأشهر الأولى للثورة، فضلاً عن تسلل عناصر متطرفة الى الجيش السوري الحر بسبب غياب التنظيم لدى هذا الأخير، وهو ما دفع الولايات المتحدة و الغرب الى رفض تسليح المعارضة السورية خوفاً من فوضى هدامة على أمن المنطقة، و خشية أن تنتهي تلك الأسلحة في نهاية المطاف في أيدي المتطرفين الإسلامين، فتستخدمها في زعزعة أمن و استقرار دول المنطقة.


لا شك أن المعارضة السورية التي تمر بحالة من الإنقسام وغياب الرؤية الإستراتيجية  و تواجه تدخلات إقليمية في شؤونها غير قادرة على طمأنة المجتمع الدولي، لا من حيث موقعها في شبكة المصالح الدولية ، و لا بخصوص عملية السلام بصفة عامة, و هي من بين أسباب أخرى أقل أهمية تشكل جملة من التحفظات الغربية على مساعدة الشعب السوري بشكل جدي إلى حد الآن.
21/05/2012

* كاتب كردي سوري

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…