ماذا وراءك ياعنان؟

جان كورد

معلوم أن خطة السيد كوفي عنان تطوير لمبادرة عربية فاشلة، دفع بها بعض زعماء العرب ورئيس جامعتهم العربية إلى مجلس الأمن للتخلص من النقد والتجريح الذي انفجر في وجههم من قبل الشعب السوري خاصة، والشعوب العربية عامة، بسبب فشلهم الذريع في إيجاد حلٍ للمحنة السورية الكبيرة.

ولكن يبدو أن الطرفين الأشد خصاماً بصدد الموضوع السوري (روسيا والصين من جهة) و(العالم الحر الديموقراطي من جهة أخرى) قد توصلا إلى اتفاق مفاده هو أن “لايهلك الذئب ولا يفنى الغنم”، وأن تمضي لعبة الأمم على رقعة الشطرنج السوري بنتيجة تعادل، لاغالب ولا مغلوب من الطرفين فيها.
وهذا له علاقة مباشرة بموضوع الصواريخ الأمريكية في عدة دولٍ أوروبية شرقية وأسيوية كانت تعتبر أجزاءً من مناطق النفوذ الروسي تاريخياً، وأمن واستقرار اسرائيل، وبالمواقف المتقاربة حيال “الربيع العربي” و”البرنامج النووي الايراني” وكذلك ب”الصراع الشيعي – السلفي” في المنطقة.

وهل هناك من هو أفضل من السيد كوفي عنان، الديبلوماسي العالمي العريق، في تطبيق هذا الاتفاق الهام بين الدول الكبرى، الذي نلمس في صياغته آثار الدبلوماسية اللافروفية قبل أي دبلوماسية آخرى، حيث الموقف الروسي الكلاسيكي من المحنة السورية هو السائد والغالب في ما يسمى ب”خطة عنان”، وهي في الحقيقة خطة لافروف – كلينتون، والسيد كوفي عنان ليس إلا منفذ أو متأمر بأمر الأسياد الذين كتبوا هذه “الوصايا الكبرى”، دون اهتمام جاد بمصير الشعب السوري، وبالمذبحة الكبرى التي قد لاتنتهي في سنوات.


الطرفان الكبيران في لعبة الأمم هذه، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وبدعم صيني واضح للموقف الروسي، مقابل دعم دول الاتحاد الأوروبي ودول عديدة أخرى للموقف الأمريكي، متفقان الآن على وضع حدٍ لسادية النظام السوري، واناخة الجمل دون استخدام العصا، ولكن دون خلخلة النظام برمته، وهذا وحده كافٍ لأن يفهم السيد كوفي عنان ما المطلوب منه فعلاً، ولذلك فهو قد قدم إلى سوريا – بعد سربرنيسكا السورية – وفي جعبته قائمة متواضعة من المطالب التي لاتخرج عن حدود خطته المحكوم عليها سورياً بالفشل الذريع.

ومطالبه معروفة، منها إظهار النية الجادة في الحوار مع المعارضة، وقف القتل الممنهج ضد الشعب السوري، الإفراج عن المعتقلين والمختطفين، فتح أبواب البلاد للصحافة العالمية، دعم عمل المراقبين الدوليين… ولكن الأهم في هذه الثورة، وهو مشروع الشعب السوري لاسقاط النظام برمته، فهذا لاعلاقة للسيد كوفي عنان به، بل إن مكلف بمهمة دولية وعربية لاجهاض هذا المشروع أصلاً.


وحيث أن السيد كوفي عنان ومن ورائه السيد الأكبر بان كي مون، رئيس أهم منظمة دولية في العالم، بعد منظمة ايباك، يمارس الديبلوماسية منذ عقودٍ طويلة من الزمن، وكان رئيساً للأمم المتحدة من قبل، فإنه يدرك كيف يكسب ود النظام الأسدي، وذلك بأن لايرمي بكل ثقله على النظام وحده، رغم معرفته التامة بأن النظام هو المسؤول الأول عما يحدث في سوريا منذ انطلاقة ثورة الشعب السوري المباركة، قبل أكثر من عام، ويعمد السيد كوفي عنان إلى اتهام من يسميهم النظام ب”العصابات المسلحة” بجزءٍ من مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية في البلاد، وهدفه من ذلك التسلل إلى ما بين جلد النظام ولحمه كما يقال، وإيجاد السبل لاقناعه بالقيام بتنفيذ بعض المطالب الملحة التي ستدفع الداعمين الكبار لخطته يصفقون له وللأسد، ويكتفون بممارسة الضغوط حيال دمشق.
إلا أن اعتقاد النظام الدائم بأن ليس هناك من بديل له، ووجود بعض المخاوف من أن التنازل بقدرٍ طفيف للمعارضة وللشعب سيكون خطوة نحو الهلاك الحتمي و”إبادة الطائفة!”، وكذلك الاقتناع بأن الأمم المتحدة لن تشن عليه حرباً على غرار ما حدث في ليبيا، يجعل هذا النظام غير قادر على الحوار مع شعبه، بل يظهره غبياً جداً في عرض أي مبادرة وطنية جادة للخروج من هذه المحنة، وهذه نقطة ضعف هامة يمكن لها أن تسقط خطة عنان كلياً.


من المعارضة السورية، من يثق بخطة عنان ويدعمها، ولكن لو كانت هناك قيادة حقيقية للشعب السوري في هذه المرحلة التاريخية، لكانت خطة عنان ومخطط لافروف – كلينتون في خبر كان، بمعنى أن السوريين كانوا سيتقدمون خطوة هامة صوب نيل حريتهم بأيديهم وبقواهم الذاتية، إذ ليس هناك قيادة شعبٍ من الشعوب تنتظر ليأتي مبعوث دولي لانتزاع الحرية لشعبها، ومع الأسف فالمعارضة السورية المتقاعسة في حمل الأمانة التاريخية (التحرير) والتي يعيش كبار زعمائها في الفنادق الفاخرة، على أمل أن تمهد لهم خطة عنان الطريق للنزول إلى دمشق، غير قادرة على إرسال خمسة من قادتها لمساعدة ثوار الشعب الذي تزعم أنها تمثله على أرض الواقع، حيث المعركة الحقيقية بين أنصار الحرية وأتباع النظام.

خطة عنان، بعد لقائه بالأسد اليوم، هي ذات الخطة التي ضفافها معلومة وهدفها كذلك.

ولذا أرى بأن ما وراء هذه الخطة ليس إلا أفخاخ منصوبة للثورة السورية، آمل أن يتفادها القادة الحقيقيون للشعب السوري.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…