عبدالرحمن آلوجي يترجل في محطة الثورة

  ديـــار ســـليمان

ترددتُ كثيراً في الكتابة عن الراحل عبدالرحمن آلوجي و هو في لحظات ترجله الأخير عن صهوة جواده، و أنا الذي عرفته فارساً مقداماً مدافعاً بقلمه عن قناعاته التي آمن بها، خائضاً مغامرة التواجد حيثما أخذته تلك القناعات، مهما كلفه ذلك من ثمن.
ترددتُ في الكتابة حتى لا أنكأ الجراح، و هي في الحقيقة ليست بجراح، لكن موته أعادني إلى سنين خلت كان بيننا خلالها جولة من الكتابات المتبادلة بسبب الإختلاف في تقييم ما آلت إليه أحوال الحركة الكُردية و أحزابها و قادتها من إنشقاقات و تشرذم و ضعف، و بشكلٍ خاص (البارتي) العزيز على قلوب رفاقه و أصدقائه و قلب الراحل العزيز من دون شك، تلك الجولة التي إستعمل فيها كلانا رصيده من الكلمات في محاولةٍ لتبديد و تفنيد مزاعم الآخر، فإعتبرت من جهتي أن ما أكتبه موجهٌ لأخٍ كبير يتسع صدره لي، و بالتالي ما يصدر عنه موجهٌ لأخيه الصغير الذي من واجبه تقبل تقريع أخوه الكبير الحريص على الإجابة على كل ما يثار.
 لكن في النهاية بقي كلانا على قناعاته، و لم يتطور نقاشنا العاصف أحياناً إلى ما يسئ، كما لم يصل إلى أي تقارب في المواقف كما هو الحال عند التعاطي بين أيَّ كُرديين.
غير أن تلك الفترة العصيبة بالنسبة له قد طالت و هو يحاول فيها تثبيت أسم حزبه الجديد ـ القديم على اللائحة الطويلة لأحزابنا، أو في محاولة جعل أسم ذلك الحزب يطاول على الأقل أسمه الأشهر من نارٍ على علم في صفوف البلرتي إن لم يكن خارجه أيضاً، كما أن الفترة ذاتها كانت مرتبكة بالنسبة لي أنا التائه في حقل السياسة، الذي يحاول إثبات قلمه في حقل الكتابة، و قد تشعبت المتاهة أكثر عندما توسعت الجبهات أمامي، فوجدتُ نفسي و قد دخلتُ عالماً مُعقداً يبدأ و ينتهي عند هفوات السياسيين التي كنت أظنها كبائر، و كأنها قد بدأت للتو فقط، و كنتُ أظنُ أن من السهل علاجها عن طريق تسليط شحنة مكثفة من الضوء عليها.
و على هذا أُغلق ذلك الملف و إفترقنا، إلا أن القضية أنجبت قضايا إنتقلتُ للكتابة عن بعضها، كما إنتقل هو إلى مواقع أُخرى في العِراك الحزبوي الكُردوي.

لكن الأيام و السنين غيرت المواقع و الأحوال، إلى أن فعلت الثورة فعلها، و أحدثت الفرز الكبير، و قد كان لدفعها (بالتي هي أحسن) من خلال سلميتها أثره في كشف المعادن الأصيلة للكثيرين، و صورهم النقية و أسماءهم، و جعلهم جميعاً (أولياء حميمين)، حيث تناسوا خلافاتهم و تساموا فوقها في سبيل قضية الثورة، و أصبح الإنسان يُقيَّم بالنتيجة من خلال موقفه منها.

و هكذا وجدنا أنفسنا مع آخرين كنا نختلف معهم في التفاصيل على ذات الجبهة نُقارع بما توفر لنا ذات العدو الذي يستعمل في مواجهتنا السلاح ذاته دون تفريق، و لعل أهونه كان سلاح الوقت الذي فتك ببعضنا و كان عبدالرحمن أحدهم.
اليوم عندما أقف في هذا الموقف المهيب أمام عبدالرحمن آلوجي الإنسان، و كذلك الرفيق الثوري، و الشريك في الثورة، و هو إذ يُمارس مُرغماً طقس الحياة الأخير ألا و هو الموت، لا يسعني سوى أن أترحم عليه، و أتذكر و أنا أنحني أمام ذكراه العطرة مواقفه الشجاعة في مواجهة النظام الدكتاتوري، في الوقت الذي كان العدو الآخر يفتك بجسده الهزيل، لكنه لم يستطع رغم شراسته إيقافه عن مواجهة حليفه العدو الخارجي حتى آخر لحظة.
رَحمك الله عبدالرحمن آلوجي و غفر لك و لنا جميعاً، و أدخلك فسيح جناته، و ألهمنا و أهلك و أصدقائك و رفاقك الصبر و السلوان.
لقد كان حُزني على فقدانك مُضاعفاً، إذ باغتني رحيلُك المُبكر الذي جاء في الوقت الذي تحتاج فيه الثورة لكل أبناءها، و لم يترك لي الفرصة لوداعك، أو لجعلك ترى الثورة و قد إنتصرت على عدوها، لكن عزائي الوحيد هو في هذه الخاتمة المشرفة التي ختمتَ بها حياةً حافلة، حيث تغمض عينيك على هتافات الثورة.
رَحمك الله
25.05.2012
diarseleman@hotmail.de

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…