العَــجْــزُ عن التحليل النظري عَــجْـــزٌ عن الحَــلّ العَــمَــليّ


خالد جميل محمد
أدخلت الثورةُ السوريةُ الحركةَ الكردية السورية في اختبارٍ فَـضَـحَ عَـجْـزَها عن تحليلٍ نظَـريّ لواقعِ الكُـرد السوريين، ومن ثَــــمَّ أثبتَ عَـجْــزَها عن إيجاد الحلول العملية لمشكلاتِ هذا الواقع وأحداثه ووقائعه، بصورة عامة، وبشكل خاص في الأيام الأخيرة، حيث انتقلت نار الثورة والمعارك إلى المناطق الكردية دونَ أنْ يكون لهذه الحركةِ بمختلف فصائلها وتنظيماتها موقفٌ واضحُ المعالمِ مكشوفُ الأبعادِ، منفتحٌ على آفاق المستقبل الذي بات مجهولاً، بل مخيفاً.

أما صورة ذلك الموقف فتتمثل في ضبابية الدعوة إلى مواجهة الكتائب المسلحة من جهة، أو مواجهة قوات النظام من جهة ثانية، أو المبادرة بطرد قوات النظام من المناطق الكردية لِـــسَـدِّ الطريق أمام تلك الكتائب التي تتذرع بهذه الحجة لتبرير تقدمها نحو المناطق الكردية، من جهة ثالثة.

كما تتمثل صورة ذلك الموقف في البقاء على الحياد إما سياسياً وعسكرياً، وأما البقاء على الحياد عسكرياً والانخراط في المعارضة سياسياً، وإما الانخراط سياسياً وعسكرياً معاً إلى جانب المعارضة أو إلى جانب النظام(!).

وقد اختلطت المواقف وتباينت الآراء والاجتهادات بتعدّد النشطاء والساسة والإعلاميين، دَلالةً على اتِّسام هذا الخطاب السياسي بالافتقار إلى التماسكِ وانعدامِ الفاعليةِ، فضلاً عن خَـلْطِ مكوّناته على مستوى المفاهيم والمصطلحات أو على مستوى اللغة والمعارف.

التحليل النظري الذي كان مأمولاً من الحركة الكردية لم يتحقق، ولم تتوافر لتشكُّله وإنجازه ونجاحه أي أرضية مناسبة، حيث كان تحقُّقُه يشترط إفساحَ المجال لِــذوي الكفاءات والاختصاصات ممن أَرهـبـتْـهم حالةُ التشتت والانشقاقات الكثيرة في صفوف تنظيمات هذه الحركة التي لم تنجح في صناعة خطاب سياسي كردي يرتقي إلى مستوى التغيرات والتطورات السريعة في المنطقة والبلد، إضافة إلى حالات الترهيب التي مارستها تنظيماتٌ من هذه الحركة بدءاً بالترهيب الفكري وانتهاء بالتصفية الجسدية أو الخطف أو التهديد أو الوعيد أو غيرها من الممارسات التي لا تختلف كثيراً عمّا ألِــفَـتْه النُّخبةُ الواعية في ظلّ الأنظمة الاستبدادية كلّها.

يعاني هذا الخطاب، بصورة عامة، تَــخَـبُّــطاً في القراءة وضِيقاً في الأفق، ويَـتَّسمُ غالباً بالضعف والركاكة، بل يُـهَـيْـمِنُ عليه القصورُ العلمي والخَـواءُ المعرفيّ في معظم اجتهاداته، ويعكِسُ حالةَ الــتِّـــيهِ التي يعانيها العقلُ الكردي الذي عــقَــلَــه استبدادُ أغلب القياداتِ السياسية وانهماكُها بمصالحها الشخصية الأنانية، وتَــدَخُّــلُها في ما تفهمه وما لا تفهمه، وقيامها بما تُــتْــقِــنُه وما لا تُــتْــقِــنُه، بعيداً عن ضرورةِ الاستعانة بأهل الاختصاصات للعمل على بناء هذا العقل بناءً سليماً يُــمَــكِّــنُه مِنْ التفاعل مع القضايا التي تُعْرَضُ عليه، ومن تأدية مهمته الفاعلة لضبط وإقرار المفاهيم المكوّنة لِــبُـــنْـــيَــتِــه المُــفــكَّــكَــةِ المضــطَربة وإخراجه من التعامل السطحي مع موضوعاته إلى عوالم الإبداع والابتكار.

تَــفـكُّكُ بـنـيةِ العقلِ/ مُـنـتِجِ هذا الخطابِ السياسي وحاملِه يتمـثَّلُ في تـرَنُّحِه ما بين الوطنية بمفهومها القانوني والسياسي بصفة الكرد السوريين جزءاً من الشعب السوري ضمن إطار الدولة السورية (الأمر الواقعِ) ذاتِ الإقليمِ الجغرافي المحدد دولياً، وبين الوطنية بمفهومها الأُمّيّ (نسبة إلى الأُمة الكردية) بصفة الكردِ السوريين جزءاً من مجموعة بشرية كبيرة منتشرة في رقعةِ أرضٍ واسعةٍ وموحّدة جغرافياً، قومياً، تاريخياً ومصيرياً، لكنها موزَّعَةٌ على أقاليمَ منفصلةٍ قانونياً، سياسياً وإدارياً، وإن كان هذا الفصل لم يُعدِم مشاعرَ انتمائهم إلى كردستانَ/ الوطنِ وإلى الكُردِ/ الأمةِ، كما لم يَــنْــفِ عنهم مشاعرَ الانتماء السياسي القانوني إلى سوريا الوطنِ/ الدولةِ.

تقصير الحركة الكردية في العمل على تأسيس خطابٍ سياسي متّزنٍ وعقلانيٍّ، جعلها عاجزةً عن التحليل الموضوعي للوقائع والأحداث المتلاحقة، ومن ثَــمَّ أوصلَها إلى العجزِ عن إيجاد الحلول العملية للأزمة الكردية الحالية ضمن سياق الأزمة السورية الراهنة، فكان العجزُ عن التحليل النظري عجزاً عن الحلّ العملي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…