الرئيس بارزاني ورحلة الحرية والسلام بين الكورد وجيرانهم

نوري بريمو

إنّ الزيارة التاريخية التي قام بها زعيم الأمة الكوردية ورئيس إقليم كوردستان السيد مسعود البارزاني إلى مدينة آمد “دياربكر”عاصمة كوردستان الشمالية، في منتصف شهر نوفمبر الجاري، هي خير دليل على هذا القائد يمتلك إرادة قومية ووطنية عالية تجعله يستطيع أن يقود سفينة الكورد بحكمة وعقلانية صوب بر الأمان وعبر أساليب عنوانها الحوار والسلام والتعايش بين مختلف شعوبنا (التركية والعربية والكوردية وغيرها) المتجاورة فيما بينها عبر التاريخ.
ولعلّ الكلمة المقتضبة التي ألقاها الرئيس بارزاني في أمد التي رفرفت في سمائها أعلام كوردستان وتركيا، وفتحت أحضانها للزعيمين بارزاني وأردوغان اللذان أطلقا منها حمامة سلام أخرى، قد أعطت الأمل لكل الذين دفعوا ويدفعون فاتورة الصراعات المسلحة من الكورد والترك، مما قد يُفسح المجال أمام الجميع لكي يبدأوا مشوار جديد من الحوار بين مختلف الأطراف التي لطالما تحاربت فيما بينها، وليتوقف نزيف الدماء الكوردية والتركية وليتم التوافق والإعتراف المتبادل ليجري وضع نقطة على السطر في هذه المرحلة التاريخية التي تعبرها منطقتنا في خضم هذا الربيع الشرق أوسطي.

في حين وجدنا كيف أنّ المشهد الذي جمع الرئيس بارزاني وأردوغان قد أدمع عيون الكثيرين فرحاً بما رأوه من خصال إنسانية في هذين الرجليين الذين أرادا ويريدان أن يسطرا تاريخاً جديداً لشعبيها على أنقاض ما إفتعله الأخرون من نزاعات وصراعات دموية لم تجلب لشعبي كوردستان وتركيا سوى الأذى والأضرار وسفك دماء الأبرياء من أجيال الكورد والترك.

وبهذا الصدد فإنّ الأكثرية الكوردية والتركية باتت على يقين لا تشوبه أية شكوك بأن مرحلة جديدة من العلاقات ينبغي أن تبدأ وأنّ صافرة بدء مارتون جديد من الحوار الكوردي التركي يجب أن تنطلق وأن أجيالنا الحاضرة تتوق لكي تتحاور فيما بينها، وأن أجيالنا القادمة تنتظر لتنعم بخيرات وبركات حوار القوميات والأديان والحضارات.

وإنّ هذه الزيارة التي يمكن إعتبارها محطة أخرى في رحلة الحرية والسلام التي يقودها الرئيس بارزاني قد جاءت في التوقيت المناسب من حيث الشكل والمضمون وفي خدمة القضية الكوردية في كافة أجزاء كوردستان، ويمكن إعتبارها بداية لتحولات هامة في السياسة التركية تجاه الشعب الكوردي، وقد تنعكس بشكل إيجابي على حاضر ومستقبل كوردستان الشمالية التي تشهد حاليا عملية سلام معطلة أطلقها السيد عبدالله أوجلان من سجنه في جزيرة إيمرالي التركية.

إن رحلة الحرية والسلام البارزانية إلى آمد ( دياربكر) لم تكن مجرّد مشوار لإبداء حسن النوايا والتطلعات الطيبة، إنما هي زيارة عمل تحمل في طياتها آفاق سياسية رحبة تم الإعداد لها بشكل جيد، بما يضمن امكانية السعي لتعزيز الثقة بين الدولة التركية والقوى الكوردية في تركيا، وهو الأمر الذي يدعمه الرئيس البارزاني من خلال تعزيز علاقات الإقليم مع الجارة تركيا والتأكيد على الحلول السلمية وتعجيل حل القضية الكوردية بالتنسيق مع تركيا في ظل توفير بيئة من التعايش والسلم الأهلي الذي لا بديل عنه لإنهاء حالة الصراع المندلعة بين شعوبنا منذ الأزمان.

أما المطلوب الحالي من كافة الأطراف الكوردية بصغيرها وكبيرها، فهو تغليب التناقض الرئيسي على ما دونه من الإختلافات الثانوية التي يمكن تأجيلها أو حتى إهمالها إلى أمد آخر، من خلال حشد كافة الجهود الإيجابية والعمل الجماعي لتوفير مستلزمات استثمار هذه الجولة البارزانية التاريخية، تمهيداً لحل الخلافات الجزئية وفتح حوار مفتوح بين مختلف قادة الكورد وخاصة المعنيين منهم بتنقية الأجواء من السلبيات التي تعترض السبيل، على طريق الدخول في مرحلة جديدة، ولا يمكن أن يتم ذلك دون حل الخلافات القائمة بين مختلف الأفرقاء الكورد.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…