الأحزاب التابعة وعبودية قادتها العمياء سبيلنا إلى الهاوية

عبد الجبار شاهين

ربما الكثيرين كتبوا قبلي عن سبب عدم توافق “قادتنا” السياسيين أو من نصبوا أنفسهم قادة علينا ووجدنا حالنا بين لحظة وضحاها نطيعهم ونلهث ورائهم ونقدس أقوالهم كالعميان دون تردد أو نقاش ، وهذه التبعية العمياء للرموز والقادة أدت إلى تعطيل عقولنا وايقافه عن العمل .

وكأننا ننفذ مقولة زعيم الحزب الشيوعي السوري الراحل السيد خالد بكداش : ” إذا أمطرت في موسكو سأحمل المظلة في دمشق دون أن أقول موسكو فعلت كذا أو كذا “.
والتبعية العمياء لدينا ذهبت إلى أكثر من ذلك ، حتى اصبحت عقولنا عاطلة عن العمل وفي حالة جمود تام.

فقط اصبحنا مسنن من مسننات آلة الرموز و”القادة” ننفذ ما يقرره لنا “الرمز” دون تردد أو نقاش .غير آبهين لمصلحة وخدمة من نعمل .
سنوات مرت وسنوات تمر، دماءٌ سالت وأجيالٌ فُنيت ليس خدمة للرمز الذي ينتشر صوره في كل مكان  بل كانت تضحياتهم  في سبيل الوطن  وتحريره وتوحيده تحت شعار (كُردستان موحدة مستقلة ديمقراطية) التاريخ يعيد نفسه ويذكرنا بما فعله الأدريس البدليسي، ذلك الذي لعب دوراً بارزاً في اخضاع الكرد للسلطان العثماني الغازي سليم الأول ولعب نفس الدور الذي تلعبه الآن قيادات الأحزاب الكردية في تركيع الكرد للامبراطورية العثمانية الإستعمارية، فبعد خمسة عقود لا تزال شخصية ادريس البدليسي شاخصة في الحركة الكردية وبنسخ متعددة بعدد الأحزاب والتنظيمات المتواجدة على الساحة الكردية السورية  وخاصة الاحزاب التابعة للاحزاب الاقوى منها وتتأمر بأوامرها.

فلا زال الحال على ماكان والحلم صار أبعد مما تصورناه ومن أن ينال، هذا إن لم نقل بأنه تلاشى وأصبح ضرب من الخيال، أمل عاش من أجله الكُرد وأريقت في سبيله دماء كثيرة، لحظة ما بلغتها عقارب الساعة،، يوم منشود لم يدون في تقويمنا ولا تأريخنا القديم أو الحديث أو المعاصر، كلمة لم تتعود شفاهنا على نطقها، وخلت منها قواميسنا السياسية، وهي أن نتفق!!.
السؤال المطروح هو: كيف وأين السبيل إلى هذا الخلاص، خلاص إنتظرناه أكثر من اللازم، وكان بين أيادينا أكثر من مرة إلا أننا تجاهلناه ورفسناه، تارة لأننا لم نكن في موقع القيادة ولم نكن أصحاب المبادرة، وأخرى لأنه لم يخدم مصالحنا وتطلعاتنا الذاتية، وثالثة لأننا نتلذذ عندما نرى شعبنا يعاني ويتجرع كأس المرارة، ورابعة لأننا مسيرون لامخيرون ولايحبذ أسيادنا أن يصل شعبنا مبتغاه ويتحول الحلم إلى حقيقة وترتاح أرواح شهدائنا في الجنة ، وتجف دمائهم الزكية التي إرتوت بها جبال وهضاب وصحاري كُردستان .
مع مرور الأيام وتكرار الفواجع جراء تحزبنا وتشرذمنا أصبح الجميع أو الفئة الأكبر على يقين تام من أن العقلية المتحجرة والفكر العقيم  الشمولي والتفرد والتغريد خارج السرب وحيداً لايخدم قضية شعبنا، ولم ولن يكون يوماً الخلاص المرتقب ، كما تيقننا إن تخندق قادتنا السياسيين في خنادقهم الشخصية وتغليبهم لمصالحهم الذاتية وتصفية حساباتهم الشخصية العتيقة لايسمن ولايغني من جوع هذا الشعب، هذا الشعب الذي خسر على أياديهم وبسبب رهاناتهم الخاسرة الكثير، فنحن أبناء اليوم علينا أن نؤمن ونتخذ مواقف جديدة تلبي حاجات هذه المرحلة التاريخية لتخدم شعبنا  وطرقاً لخلاصنا، علينا أن نتعظ من أخطاء أسلافنا ونستفاد من تجارب الأمم الأخرى التي مرت بما نمر به اليوم إلى أن بلغت ماهي عليه ، فاليوم نحن أحوج للخروج من القوقعة التي لطالما أسرنا أنفسنا داخلها خشية من أن نواجه حقيقتنا، يجب أن نزيل من أبصارنا تلك العصابة السوداء التي تعيق رؤيتنا وأن نتخلص من تلك الأحقاد التي أمست أصفاداً تكبل أيادينا وتمنعنا من أن نمدها لبعضنا الأخر.
لو عُدنا بالتأريخ إلى الوراء قليلاً، إلى العقدين الماضيين مستحصين الفرص الحقيقة والمهمة التي هُدرت جراء فرقتنا، والمكاسب التي حققتها أحزابنا القومية فرادة ووضعناها في كفي ميزان، لكانت كفة الخسارة أثقل من كفة المكتسبات بمرات.
ولو سألنا من الذي خسر، ومن الذي دفع ثمن فاتورة الخسارات الثقيلة هذه، لكان الجواب اليقين الشعب المغلوب على أمره، لأنه تعود وتعلم ان يدفع دائماً لا أن يأخذ، فهو المطالب بدفع فاتورة قادتنا الذين فشلوا سياسياً وقومياً، لأن الشعب بتصرفاته هذه أحالهم إلى أسياداً على نفسه وأمسى هو خادم يطيع وينفذ مايطلبونه، عوض أن يطالبهم هو بالخدمات والأعمال ويدين ويبرز أي نقص أو خطأ إقترفوه مهما كان صغيراً لأنه من أوجدهم وصنعهم وأوصلهم وله كل الحق عليهم لا بالعكس كما أصبحنا نرى.
كلما زادت فرقتنا وتمددت فجوة خلافاتنا، كلما كان ذلك في صالحهم أكثر، فبهذا أصبحت خلافاتنا مصدر قوتهم، وتعصبنا وقود حروبهم التي كلما إستعرت نارها في صفوفنا كلما زادت فرصهم للتمسك والإلتصاق بالكراسي التي إحتكروها وإغتصبوها وسجلوها بأسمائهم.
فهل سنستفيق من وحشة هذا الكابوس يوماً ونبصر حقيقة موقعنا ومواقفنا من كل هذا، ألم تحن الساعة لنضع النقاط على الحروف ونسحب السجادة من تحت أقدام أمثال هؤلاء ونعلن ولائنا المطلق لقضيتنا وشعبنا لالرموز لاتخدم تطلعاتنا القومية وترى فينا جمهرة من الجهلة لاتستحق العيش إذا لم نطعهم طاعة عمياء، ألم ندرك لحد اللحظة أي طريق يؤدي بنا إلى الهاوية وأي طريق يوصلنا للهدف المنشود، ألم تحن الساعة للإعلان عن ثورة فكرية نابعة من عقولنا ونفوسنا ونعلن أمام الملأ بأننا أناس نيرون نمتلك زمام الإمور بأيادينا ولسنا أداة طيعة بعد اليوم بيد من كان وسيكون ضد رسالتنا القومية.
أنا على يقين بأننا سنجد الإجابات الشافية لكل هذه التساؤلات إذما بحثنا عنها في أعماقنا بعقلانية ورشد وغلبنا إنتمائنا القومي على السياسي المتشنج.
في النهاية أظن بأن الساعة قد دنت ليشمر كل قومي غيور على ساعديه لنجبل من تراب هذا الوطن لبنة جديدة نعيد بها بناء بيتنا القومي ووحدتنا القائم أساسه على التضحية والمحبة والروح القومية، لا على التبعية العمياء.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…