سقوط الهيئة الكُردية العليا في أحضان النظام السوري

حسين جلبي

بهدف تعويم نفسها مجدداً، قَبلت الهيئة الكُردية العليا سريعاً الدعوة التي تلقتها من وزارة الخارجية الروسية مؤخراً، فأعدت وفداً صغيراً يفتقر إلى معايير الشراكة التي من المفترض أن تحكم علاقات طرفيها، ما لبث أن تضخم على الطريق و بعد أن وصلت طلائعه، بأن إنضم إليه آخرين بشكلٍ كيفي أيضاً حتى أصبح يُحاكي في حجمه الغرور الروسي، و أصبح بالوقت ذاتهُ أكبر من الأحلام التي داعبت خيال أعضائه على هامش الدعوة، من خلال طرح أنفسهم ممثلين عن الشعب الكُردي في سوريا، و بالمحصلة السعي لدى روسيا لتكون بوابةً لها لحضور مؤتمر جنيف2.
في الواقع كانت الهيئة الكُردية العليا أعلى شكل وحدوي تنظيمي وصل إليه الكُرد بعد بدء الثورة السورية إن لم يكن منذُ وقتٍ طويل، و قد تشكلت على خلفية (إتفاق هولير) مُناصفةً بين المجلس الوطني الكُردي الذي يُعتبر تجمعاً لعدة أحزاب كُردية و الذي يغلب عليه الضعف الشديد و فقدان الحيلة، و مجلس شعب غربي كُردستان و هو إحدى المنظمات الكثيرة التي أنشأها حزب العُمال الكُردستاني في سوريا، حيثُ كانت قوته المادية نقطة الضعف الثانية للهيئة التي ما لبثت أن أُصيبت بالشلل التام بعد أن عجزت عن تقديم أي شئ وعدت به، حيثُ إستمر الحال في المناطق الكُردية على ما هو عليه قبل إعلانها إن لم يزدد سوءاً، و بسبب عدم وجود آلية واقعية لعملها و إعتمادها على ثقة الناس أو إنشغالهم عنها بأمورهم الخاصة، و بسبب كون حسن نوايا طرفيها هو ما يُسير أعمالها، تأرجحت الهيئة بين صراع طرفيها إلى أن أصبحت مع مرور الوقت هيكلاً فارغاً و شماعة يُعلقان عليها أخطائهما و آمال شعبهما الضائعة.
بعد أن فقدت الهيئة الكُردية وجودها على الأرض، و بعد أن فقدت الزخم الذي رافق وجودها، فقدت كذلك شرعيتها الشعبية، خلال تلك الظروف طرقت باب الإئتلاف الوطني السوري من بعيد، و هي فاقدة لعوامل قوتها، و عندما لم تتحق أُمنياتها المُختلفة بقيت مُعلقةً في الهواء بإنتظار من يتلقفها، و هكذا تلقت الدعوة الروسية كفُرصة لإعادة تلميع نفسها، لذلك كان أول ما طلبتهُ من وزارة الخارجية الروسية هو الإعتراف بها كممثل (شرعي و وحيد للشعب الكُردي في غربي كُردستان)، و أن تكون هي المُشارك الكُردي الوحيد في مؤتمر جنيف، و إعتبار كل حزب أو شخصية أُخرى يُمكن أن تُشارك في المؤتمر لا يُمثل سوى نفسه.
لقد دفعت الهيئة الكُردية العليا ثمناً باهظاً لقاء سعيها للحصول على شهادة روسية لتسويق نفسها في الشارع الكُردي و لقاء الحصول على تزكية من روسيا لحضور مؤتمر جنيف2، فلقد أصبحت مُقابل ذلك جزءاً من السياسة الروسية و ركبت بالتالي قطار النظام دون الحصول حقيقةً على أي شئ جدي سوى الوعود المعسولة، فهاهي الهيئة تشيد بالموقف الروسي (الرامي إلى وقف العنف بأسرع ما يمكن و التسوية السياسية للأزمة) حسب رأيها، أي أنها باتت تعتبر ما يجري في سوريا مُجرد أزمة و ليس ثورة، و أصبحت تعتبر موقف الروس من تسليحٍ للنظام، و تقديم كل أنواع الدعم لهُ، بما في ذلك إستخدام الفيتو لمصلحته في مجلس الأمن، سعياً لوقف العنف، مُقابل كل ذلك و كـ (مُكافئة لها) هاهي روسيا تنصح أعضاء الهيئة بالتواصل مع الشعب السوري للحصول على حقوق الشعب الكُردي، و كأن ذلك كان غائباً عن الجميع، أما في مسألة الإعتراف فقد أعلنت الهيئة بدايةً أنها حصلت على صكٍ روسي يعتبرها ممثلةٍ للشعب الكُردي قبل أن تتراجع عن ذلك و تعتبر أنها فسرت فقط النوايا الروسية في إعتبار الدعوة التي تلقتها إعترافاً رسمياً بها، يُضاف إلى ذلك أنها لم تحصُل على وعدٍ روسي بدعوتها لحضور مؤتمر جنيف، و مع ذلك إعتبرت إن زيارتها إلى روسيا كانت ناجحة!؟
لقد كان طريق الهئية الكُردية للدخول إلى التحالف الروسي الذي يضم إيران، نظام الأسد و حزب الله، طويلاً، أفقد الورقة الكُردية آخر عوامل قوتها و بريقها الذي تحتفظ به بسبب ضبابية الموقف، لقد أصبح مردود الدخول إلى ذلك التحالف المُعادي للثورة السورية يقتصر على بعض العوائد البروتوكولية و حسن الضيافة التي لا تشكل شيئاً مُقابل شرف التواجد في جانب الثورة السورية، دون أن ننسى المراحل المُتقدمة التي بلغتها القضية الكُردية في وثائق المُعارضة السورية، كوثيقتي تونس و القاهرة، و هو ما لا يُمكن مُقارنته بما قدمهُ النظام و من خلفه روسيا للكُرد، هذا إذا أخذنا الأمر بمعايير الربح و الخسارة، يُضاف إلى ذلك أن الكُرد لم يكونوا قط على الأجندة الروسية كشعبٍ ينبغي مُساعدته، و هناك تجارب تاريخية عن أضرارٍ ألحقهتا روسيا و سلفها الإتحاد السوفيتي بالشعب الكُردي في هذه الدولة أو تلك، مما لا يترك مجالاً للشك في إن الإلتفاتة الروسية الأخيرة لا تهدف سوى إلى إستخدام الكُرد كرقمٍ إضافي في الحشد الذي تسعى إلى تشكيله قبل جنيف2.
حقيقة الأمر، إن مواقف الهيئة الكُردية منذ إعلانها، و خاصةً المواقف الأخيرة في موسكو، لا تُمثل الكُرد المُنخرطين بعُمق في الثورة السورية، و إذا كان من حق أعضائها كمواطنين كُرد الذهاب حيثُ يشاؤون، إلا أنهُ ليس من ضمن ذلك الحق إطلاق مواقف لا ترقى حتى إلى مستوى مواقف مُعارضة النظام المُمثلة بقدري جميل و صحبه، مواقف مُتأخرة حتى عن مواقف هيئة التنسيق الوطنية، و تضر بالقضية الكُردية في سوريا على المديين القريب و البعد، و كان ينبغي عليها، و الحال هو كذلك، أن تشترك في مؤتمر جنيف2، فيما لو أُتيح لها ذلك، كجزء من وفد النظام، بدلاً من أن تكون رقماً مُستقلاً، تُشكل به عبئاً إضافياً على المُعارضة السورية، من خلال تأرجحهُ في الهواء الروسي.
حسين جلبي
jelebi@hotmail.de

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…