الكردي وسطوة المؤدلج بين الذات والموضوع

حواس محمود


الكردي  في علاقته مع السياسة مرهون وأسير حالة اضطهادية عبر سنوات مديدة من القهر المتراكم هذا التوصيف سبب لديه قدرة سلبية على تلقي الأدلجة والشعارية والمقولات التي تضرب على الوتر العاطفي الشعوري بشكل كبير ويتماهى بها ومن ثم يتماهى روحيا مع كل المقولات المؤدلجة في حالة استسلامية بتسليم العقل الى الهوامات التي تسيطر على عقله أو إلى استقالة عقله من التفكير على حد تعبير  المفكر علي حرب لكن الأمر لا يقف عند حد الأدلجة وحسب وإنما إلى الزعيم والشخص الذي يتزعم الحزب الفلاني والتيار العلاني بحيث ان تمازج الشعارية مع الزعاماتية يؤدي إلى تماهي عجيب مع الشخص الزعيم الذي هو بحسب هؤلاء المقهورين شخص خارق قادر على إخراجه من ظلم مقيم مديد عشرات السنين
 لكن الحقيقة المرة إن دائرة الاضطهاد تعود من جديد لتخلق سلبية مديدة لا ترى مخرجا ولا تجد حلا لمأزق الكردي المقهور فيخرج هذا المقهور من دائرة المؤدلج الموضوعي أي المؤدلج الذي كان بسببه وتحت شعاره  يتعرض لظلم مؤدلج الانظمة الغاصبة لكردستان والاستبدادية في آن ، أي الى المؤدلج الذاتي الذي يستمر تحت شعاراته في الحالة الاضطهادية ويتشكل لديه رد فعل زعاماتي كاريزمي من تلقاء ذاته فينشد الخضوع والطاعة والعبودية للزعيم المنتمي للذات المضطهدة من القومية المظلومة على يد السلطات التي تتحدث هي الأخرى شعاريا عن القومية السائدة  فتكتمل دائرة الفعل بدائرة رد الفعل بإغلاق دائرة الاستبداد مما لا يفتح مجالا للخروج من حالة الاستبداد الموضوعية لأن الذات الكردية تدخل دائرة الاستبداد الذاتية ولعل هذا هو السبب الرئيس في بقاء الكرد بحالة غياب وعي متطور وبمؤسسات فكرية بحثية ولوبيات في الخارج مؤثرة على دوائر صنع القرار لكن الحاصل هو هذا التماهي القدسوي بالزعيم المخلص ، والمنقذ من شرورهذا الظلم الذي امتد عقودا متطاولة من أنظمة القوميات السائدة التي تفرض قوانينها على شعب يتعدى الأربعين مليونا مجزءا محروما من حقوقه القومية المشروعة ، مع أن الزعامة كان ممكن لها أن تحدث قفزة قومية هائلة في ظروف سابقة لكن في ظروف الثورات العربية وفي عهد الثورة المعرفية والتكنولوجية الكبرى ، التاُثير والتغيير والقيادة أضحت جماعية والعقل جمعيا  لذلك لم تعد تلك القيادات مهما امتلكت من حنكة وجهد وإخلاص فإنها لن تستطع أن تقود شعبا كاملا وتحريره من قيود التخلف والظلم والقهر والفساد لأن الفردية الزعاماتية  ليست بمنأى من التأثير الإقليمي السلبي أما الجماعية أو المؤسساتية فهي بمنأى عن التاثيرات السلبية (التي قد تؤدي الى تغيير مجرى الأحداث في غير خدمة الشعب الكردي ) وهي الأمل المشروع للطموحات الكردية بعد سنسن طويلة من القهر والمعاناة تعود بنا بعض فعالياتنا وجماهيرنا وبخاصة  كرد سوريا إلى التغني بهذا الزعيم أو ذاك وينسوا  دورهم  كجموع لها طاقات مهملة ومطفأة ، إن هذا تأخر حضاري عن ركب التطور العالمي فكل فرد له طاقة لخدمة شعبه من المفترض أن تفعل وكل بحسب طاقاته وإمكاناته ، وأن تنشط مؤسسات المجتمع المدني بعيدا عن الأدلجة والأجندات الاقليمية والدولية ، ويجب التأكيد على أنه لا يمكن أن يحل القائد محل الشعب، القيادات لها دور في التحريك والتحريض والمبادرة لكنها ليست كل القضية ليست كل الموضوع العقل الكردي لا يزال حتى اليوم عقلا زعاماتيا حتى إن كان من يتبع الزعيم هم قلة قليلة هذا أشبه ما يكون بالتفرق القبيلي ( من القبيلة ) يؤثر بشكل سلبي كبير على مسار تطور الكرد فكريا اجتماعيا وثقافيا ، ومما يؤسف له حقا أن الآمال الكبيرة كانت معقودة على كرد سوريا ووعيهم وثقافتهم العالية بتجنب الوقوع في فخ التبعية الأيديولوجية والزعاماتية ، فمع غياب مؤسسة وطنية فاعلة وقوية ومتماسكة تدافع عن حقوق الشعب الكردي وتنشد العيش المشترك مع مكونات الجزيرة السورية أو عفرين  ، اصبح هذا الأمل أشبه بالمستحيل مع تعقيدات الحالة السورية الراهنة وأخطاء الجميع تجاه الجميع المؤدلج والزعاماتية لهما انعكاسات خطيرة على مستوى تفتح العقل الكردي وتقبله للمتغيرات الحضارية في العالم وإغلاق للسياسة المفتوحة على الديناميكية القادرة على التحرك بشكل فعال لخدمة القضية الكردية ، وعلى العقول الكردية النيرة تناول هذه الظاهرة الخطيرة بعيدا عن الخوف والخجل الفكري والمجاملاتية والشوبشة والانتهازية التاريخية

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…