تطمينات « ب ي د » حقيقة أم وهم ؟ ..قراءة في مقال فاروق حجّي مصطفى

أمين عمر

أثار مقال الأستاذ فاروق حجّي مصطفى المنشور في موقع أورينت نت “الكُرد وبوادر الاقتتال الذاتي”، عدة نقاط اكتنفتها الغموض، والتي لم يسلِّط عليها الضوء بشكلٍ واضحٍ.

وبغض النظر عن البعد النسبي بين عنوان و متن مقاله.

فالاقتتال الذي يُلمّح الكاتب إلى بوادره، قد يدخل من ضمن أهم أسبابه الرئيسة هو هجوم عناصر الحزب الاتحاد الديمقراطي ” ب ي د ” على مظاهرات مدينة عامودا، وهو ما لم يذكُره الكاتب، بل ولم يُلمح الى هذا الحدث، الجريمة، أو إلى انتهاكات أخرى دأبت قوات ” ب ي د ” على ممارستها، هذا من جهة .

ومن جهة أخرى استخدامه لعبارات في غير سياقها الزمني والموضوعي، كعبارة “النفاق الكردي”.

التي بترها من زمنها أي من منتصف الستينات حيث بداية انشقاق جسد الحركة وما تلتها من منافسة حزبية ” النفاق”.

فعمد الكاتب إلى جمع تلك النقاط السلبية من عمر الحركة واعتبارها كحُكم وقالب غير قابل للطعن والتطور والاصلاح، ثُم ليزرع ذاك المفهوم ” النفاق الكردي” في إحدى زوايا الثورة السورية، لتوظيفه في خدمة فكرته ” النفاق” رغم إن معظم الاحزاب الكردية واضحة بمطالبها منذ عقود ومن دون نفاق في هذه النقطة بالذّات ومعروفةٌ بتمسُّكها الوطني السوري ومع تركيزها على عدم تخليها عن قوميّتها الكردية وهي رغم تشتتها وأداءها غير المقبول إلا أن معظمها استطاعت الانضواء في بداية الثورة تحت راية واحدة، راية المجلس الوطني الكردي باستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي وهو حزب غريب الأطوار ومتعدد المواهب ” ثائراً وتشبيحاً” والذي جرّ معه فيما بعد أحزاب أخرى غير فعّالة عندما لوّح لهم بقسم من كعكة” البي كي سي” وبذلك عطـّل مشروع الحركة الكردية للانخِراط في الثورة بعقلانية وتخطيط بما يناسب قوة الكرد ، وبذلك صار الكرد أمام مشروعين، أحدهما يصارع للبقاء في الثورة والآخر يجره الى صراعات جانبية لإلهائه بصراع البقاء.

أما سبب بلوغ النفاق حد كبيراً، واكتمال نِصابه الشرعي حسب رأي الكاتب، فهو لأن أطراف كردية تتمسك بالثورة والوطنية السورية ، وتتحالف وتلتقي بنفس الوقت بأطراف كردستانية وإن بياناتهم “تزاود على الوطنية الخالصة” كونها شديدة التمسك بالوطن والثورة.

وهنا لا نرى أي تناقض أو نفاق، لإن البرزاني الذي أتى الكاتب على ذكره كمثال، والذي يتحالف ويلتقي به الكرد السوريين ، هو بالأصل مع الثورة وأعلن بوضوحٍ تام موقفه الداعم للشعب السوري مع تأمين حقوق الشعب الكردي ضمن سوريا موحدة، ورفض زيارة دمشق بدعوة رسمية من الجزار، الأسد الصغير .إلا إن حديثه عن النفاق لا يشمل ب ي د حسب رأيه، والذي هو ليس حليف ومتلقي الأوامر، بل امتداد و ابن شرعي للحزب العمال الكردستاني الذي هو بالضد من الثورة والذي لم يأتِ الكاتب على ذكره أيضاً بمثال ما! أما كامل تفاصيل “النفاق الكردي” أو” النفاق السياسي” التي أكتشفها الكاتب، لوجود أحزاب في المجلس الوطني الكردي والوطني السوري معاً، ويراه الكاتب تناقضاً غريباً رغم إن منْ في المجلسين هم من السوريين، كرداً في المجلس الأول، وكرداً وعرباً وقوميات أخرى في المجلس الثاني، ويسعى المجلسان الى هدف واحد وهو إسقاط النظام وإن اختلفت الوسائل، ولا يوجد أي شرط يمنع الانتساب إلى المجلسين معاً إن توفر شرط الإيمان، والنقاط التي تجمعهما أي المجلسين أكثر من نقاط الاختلاف فيما بينهما.

أما النقطة الهامة التي ارتأيت الخوض فيها، و التي وردت في مقال الأستاذ حجّي مصطفى وأرى في إيضاحها خدمةُ للحقيقة و كي لا تُكتب قصة الثورة ناقصة الأحداث والشخصيات.
وهذه النقطة، والتي أنقلها حرفياً كما ذكرها الأستاذ حجّي مصطفى: ” إن عدم وجود رؤية واضحة لدى كل الكثير من القوى الكُرديّة لتطمين الناس على مستقبلهم باستثناء حزب”ب ي د” وهو الحزب الوحيد الذي يعمل ليلاً نهاراً لتحقيق الخطط التي اتخذها لنفسه والعمل على تحقيقها “.


لبحث هذه النقطة، ولنضع جانباً المطالب الغامضة ” غير المطمئنة” لحزب :ب ي د”، كمطالبته بـ”الإدارة الذاتية ” التي لم يُرَ مثلها في أي بلادٍ ولم يسمع عنها جُل العباد ،وهو في الوقت نفسه أي حزب “ب ي د” لازال متمسكاً بهيئة التنسيق ” الوطنية”، التي يراها النظام، المعارضة الوحيدة، الشريفة!.

هذا و بالرغم من الضعف والانحطاط الذي تعانيه تلك الهيئة فهي لم تعترف بحقوق الكرد، أي بحقوق نائب رئيسها!! فلنضع جانباً ذاك الغموض غير المطمئن، ولننظر بعيني الواقع والمستقبل ، عن التطمين المذكور في مقال الكاتب حجّي مصطفى، فالحقيقة والوقائع تُكشف إن الحزب الوحيد الذي يغامر بمستقبل الناس وبمستقبل أنصاره دون أي تطمين يُذكر هو حزب ” ب ي د”، بل نستطيع أن نطلق على تصرفاته عبارة، عملية إنتحار مؤجلة التنفيذ.

فالتطمين الذي يتحدث عنه المقال، لا يملك أية ارضية أو أية مقومات لا الآن ولا مستقبلاً ، فالحزب بدأ يفقد إن جاز التعبير أصحاب الضمائر الحيّة من مؤيدي حزبه، بعدما إتّبع أساليب البطش وفرض اللون الواحد والحزب الواحد، والقوة العسكرية الوحيدة التي تأتمر بإرادته فقط ، والذي أدّى لتذمر عناصر الحزب أنفسهم ، وصلت لدرجة إنشقاق عشرات مسلحيه رافضين إركاع أبناء جلدتهم بالقوة .

التطمين هنا يشبه، لا بل يقل عن تطمين الأسد لشبيحته، مع فارقٍ إن الشبيحة يحمون نظامٍ كانوا مستفيدين منه، ولإنه يحقق لهم الآن، إشباع غريزتهم التسلطية و السماح بممارسة وحشيّتهم وبربريتهم، وإستمرار النظام مستقبلاً – لا قدّر الله- يعني إستمرار غطرستهم في مناصبهم، أي إنهم يدافعون عن مكاسبهم الباطلة .أما ال” ب ي د “فهم كشبيحة “ببلاش”، أو شبيحة مقابل الغذاء لدى الشبيحة الكبار، حيث كانوا قبل الثورة مطاردين من النظام وعانوا ما عانوه من الإعتقال والملاحقة وتشديد الخناق، زدّ على ذلك إن النظام سلّم منهم أعدادً كبيرة على شكل وجبات للسجون التركية إبان إتفاقيّات الأسد مع تركيا قبل الثورة، وكي لا نذهب بعيداً فالسيد ” المعارض ” صالح مسلم نفسه، الذي يطير لغاية اليوم الى عواصم العالم من مطار دمشق لإسقاط نظام دمشق ، كان يحلم أن يمر بالقرب من سوريا مروراً، وكان حلم ركوب الطائرة بالنسبة له، كحلم أحدنا بركوب بساط الريح الذي في الحكايا وليس الذي في سجون النظام، ومن هنا يتبين لنا إن فرص التطمين معدومة في هكذا وضع، مهما كان الاستاذ حجي مصطفى معجباً بالخطط والتخطيط المُحكم ل “ب ي د”، فبقاء النظام وهو أمر مستبعد، وإذ ما بقيَ، سيحتاج بعد فترة الى فتح علاقات مع الإقليم المحيط به، وسيبيع الحزب كسابق عهده، كورقة رابحة دسمة لطرف ما، خاصةً وإن الطلب على شراء أو تسليم الحزب من عدة أطراف إقليمية قائم دائماً.

أما إنتصار الثوار وهو المُرجّح والمأمول، فبالتأكيد إنهم لن يكرموا أي شبيحٍ كان، سواء أكان بزي كردي” خاكي” فضفاض، أو بزي عربيٍ “كلابية وعكال”.

والتطمين المذكور، المؤقت، ربما المقصود به ذاك الراتب الذي يـُدفع لإنصاره، مقابل إبقاء مناطق معينة هادئة لا تعكر صفو النظام كي يتسنّى له القتال في جبهات أخرى يراه أكثر خطورة، أو مقابل حراسة أماكنٍ ائتمنها النظام الحزب عليها، علّه يعود لإستلامها منه بعد إنهاء حلمه، بالنيل من الثورة ، وبكل الأحوال تلك المبالغ المالية التي ربما يقصد بها التطمين المعاشي فهو لايتجاوز المصروف اليومي لإي عاملٍ يحظى بفرصة عمل في زمن الثورة، ربما يضاف إليه ” المكافآت” الآتاوات التي يفرضها الحزب على الذين يرفضون العمل تحت إمرته ووصايته.

التطمين المؤقت هذا، هو أصلاً من جانب النظام الذي منحهم سلطة شبه مطلقة على المناطق الكردية بأسم التحرير لمطاردة الناشطين من الأحزاب و الحراك الشبابي.

وبما إن الحديث هو عن مستقبل الناس، فكل المؤشرات ودروس التاريخ تقول إن المستقبل للثورة والثوار وأول من يكون في دائرة الخطر والمسائلة بعد شبيحة الدرجة الأولى، هو مسلم وجنده خصوصاً إذ ما استمر على نهجه الداعم للنظام بأسم الثورة أو إذ ما إستطالت يداه الملطخة بدماء الثوارالكرد أكثر!! أعتقد عندما يتناول كاتباً ،موضوعاً ما، موضوع شائك وحساس فالأفضل أن يحفر صلب الموضوع وأن يداوي مكامن الألم لا أن يذهب بعيداً حيث لا يحتاج المتألم في الراس إلى العلاج في القدمين أو بعبارة اخرى أن كنا بالسياسة ، فالافضل أن لا نذهب الى عالم يشبه فانتازية السياسة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…