إبراهيم اليوسف
ثمة أوساط واسعة من المثقفين، حدثت انقلابات جذرية في وجهات نظرهم، من سلم الوقائع والأحداث المحيطة بهم، بعيداً عن تعاملهم التقليدي، الذي عرفوا به، أو أن رؤيتهم للحياة، قد تبلورت للتو، على إيقاع صدمة ثورات المنطقة، وفي مختبراتها، وأكاديميتها العظمى، بعد أن كانوا هامشيين، لامبالين، في الكثير من هذه الأمور التي تدور من حولهم- نتيجة بروز جدار عال بين السياسة الحقيقية والثقافة تم الاشتغال عليه في حضرة الاستبداد- حيث استطاعت هذه الثورات أن تعطي دفعاً هائلاً لهؤلاء على إيقاع هتافات شبابها، ومن ثم نتيجة ردِّ فعل على مواجهة آلة النظام لهم، حيث مناظر الضحايا، وآثار الدمار، والتهجير، والتجويع وغير ذلك من المفرادات المتناسخة مع أغرب وأقبح حالات الحرب التي تمَّ فرزها في خضم الثورة، وهي حرب النظام على شعبه،
هذه الحرب التي لم تلاق أيّ أنموذج سابق عليها، ماجعلها تبين مدى درجة الغل والضغينة المتراكمة لدى أدوات النظام، في تسلسلهم الهرمي الأعلى، حيث كانوا، خلال عقود إمساكهم بزمام أمور بلدهم بالنار والحديد.
حيث كانت هناك حالة انتقام خفية، يتم التنفيس عنها، جزئياً، من خلال زجِّ المختلفين معهم في غياهب السجون، أو عدم الاكتفاء بذلك، والعمل على التخلص منهم بإحدى طريقتين، أولاها: فرض ظروف الهجرة القسرية، أو الطوعية عليهم، أومن خلال تصفيتهم، في ظل عدم وجود إمكان لفتح ملفات هؤلاء، ومطالبة من قاموا بتدبير ذلك في الخفاء، بعد أن يتم تدبير تأليف وإخراج مسرحيين للعملية، إن افتضحت أمورهم-كما حدث مع العلامة الشيخ الدكتور الشهيد محمد معشوق الخزنوي- أو من خلال خلق فتنة بمقتل سواه، كما في حالة أنموذج تصفية الشهيد مشعل التمو، ومن خلال استغلال الاختلاف في وجهات نظر من حوله، لوضع بعضهم ضمن دائرة الاتهام، كي تتوسع دائرة المؤامرة على الحاضنة الاجتماعية لصاحب وجهة النظر المختلفة، الذي لامكان له في حضرة الاستبداد.
ومن مظاهر الخروج عن مألوف الرؤية لدى أيِّ فرد، في ظل صعود دوامة العنف في أنموذجها “السوري”، هو أن هناك من عرف على امتداد عقود بوجود بون يحول بينه والسلطة السياسية، بل إنه كان يقف في الاتجاه الآخر، خارج ركب آلة النظام، وإن منهم من دفع التضحيات كرمى لذلك، سجناً، وتعذيباً، وتشريداً، وتجويعاً- حيث التجويع الأداة الأكثر شيوعاً في ألفباء هذه الآلة- كما أن هناك من تراوحت سنوات سجنه بن أربع سنوات وعشرين سنة، بيد أنهما، تناسيا كل ذلك مع بداية الثورة، وإن كانا يعرفان في قرارتيهما أن هذه الآلة- إنما يدخل التزوير- ضمن استراتيجية سلوكها، حتى وإن كان من عداد ذلك: إدعاء الوطنية، وحماية أمَّات القضايا الكبرى، التي برهنت تجارب التاريخ أنه كان وراء الكثير من الهزائم، والمعاهدات السرية، المتفاهم عليها، وكمثال على ذلك أن بلداً يدعي المقاومة، لم تصدر مجرد طلقة واحدة على جبهته مع المحتل على امتداد أربعين سنة، كاملة، من تاريخ اللحظة، وهي مفارقة كبرى، تكشف عن سيكولوجية هذا النظام، وزيف مزاعمه، التي لا تصمد على مشرحة الحقيقة، في ظل استخدام المحاكمة العقلية.
ونجد بعكس هذا الأنموذج، من كان ينتمي إلى آلة النظام- وإن بدرجات- بيد أنه كان يصدق كل سياساته التي يمارسها، على الصعيدين الداخلي، والخارجي، في آن، أو أنه كان ينتمي إليه، من دون أي إيمان بذلك، نتيجة شدة شوكة استبداده، حيث مصائد النظام التي كان يحكم الإمساك بمن يسقط فيها، كثيرة، إمَّا عن طريق الترغيب، أو الترهيب، وفق معادلة، كان النظام جد متابع لها، عبر جيش عرمرم من العيون، بل والأجهزة التي تفرض كل ذلك.
وما أن وجد الفرصة، سانحة، حتى سرعان ما انتقل إلى الاتجاه الصحيح، من خلال مراجعة ذاته، حارقاً كل مراكب العودة وراءه، كي يكون في الصورة التي تشبه روحه، وأعماقه.
مؤكَّد، أنه في هذه العجالة من مرحلة- الغربلة- لن يكون الفرز- نهائياً- على صعيد قطعة الصلة مع الماضي، في كلتا الحالتين، حيث نجد أن من يرتد إلى الوقوف مع آلة النظام، تحت سطوة: الخوف -المنفعة- التباس مفهوم الوطنية التي يروج النظام أنها وقف على تطويبه الخاص، أو رهن مباركة ختمه وحده ، لن يطمئن- غالباً- على موقفه، لاسيما وأنه مدرك ان الدنو من محرقة النظام الاستبدادي، و”الضرب بسيفه”، يعني إعداماً لتاريخه النضالي، الثوري، كما أن من تربى في ظل الفساد والاستبداد- كثيمتين من الثلاثية التي تركت أثرها في نفوس كثيرة، رضعت من ضروعها، ما يجعلنا نجد شذوذاً لدى بعضهم، من خلال دخولهم إلى عالم” الثورة” التي” لم تدخل قلوبهم” كلياً، أو جزئياً، وإن كان السواد الأعظم ممن اختاروا طريق الثورة، يسعون لتبني قيمها، ورؤاها، لأنها سفينة النجاة، والخلاص من سجنهم الوطني الكبير، على اعتبار ان كل وطني- في ظل آلة القمع- هو غير حرّ، وإن التوق إلى التحرر من سلطة النظام الدموي، ليعني في أول مدلولاته معانقة حالة الحرية الكبرى التي يمضي إلى معانقتها، وإن كان يعرف- في قرارته- مدى غلاء ثمن ذلك، حيث قد يكون ذلك حياته..!.
ومن هنان فإن بعض المثقفين، ممن أبدوا رؤاهم، قبل الثورة في بلدهم -كما في المثال السوري المشخص- يمكننا أن نجد أنه قد انقلب على رأيه، إما من خلال الممارسة الفعلية، ضد قناعاته، والتموقع في الاتجاه المختلف، أو من خلال صمته الذي يعد المطلوب من قبل آلة النظام، لأن تحييد هذا النوع من المثقفين يعد انتصاراً للنظام، ولا نعني هنا المثقف الذي اعتاد في الملمات ألا يعرب عن رأيه، حيث له تقويم آخر مختلف، أو من خلال التشكيك ببنية الثورة، والترويج- كما تفعل آلة النظام الإعلامية- لارتباط الثورة بالخارج، وأن مواجهة النظام تعني وأد جبهة المقاومة التي أمهلتها الجماهير الشعبية عقوداً، من دون أن تخدم توصيفاتها المزعومة، وذلك كتابياً، أو إعلامياً.
كما نجد الانقلاب المختلف، لدى ذلك المثقف الذي كتب قصائد مدوية في مديح النظام، والتشكيك بخصومه، بيد أنه الآن يكتب قصائد هجاء في هذا النظام نفسه، وربما بلغة أقرب إلى القلب، والناس، وبصوت عال، وكأنه ليكفِّر عن مرحلة مديدة من انزلاقه في مستنقع الخطأ، مادامت الثورة، تجب ماقبلها أيضاً…!
حيث كانت هناك حالة انتقام خفية، يتم التنفيس عنها، جزئياً، من خلال زجِّ المختلفين معهم في غياهب السجون، أو عدم الاكتفاء بذلك، والعمل على التخلص منهم بإحدى طريقتين، أولاها: فرض ظروف الهجرة القسرية، أو الطوعية عليهم، أومن خلال تصفيتهم، في ظل عدم وجود إمكان لفتح ملفات هؤلاء، ومطالبة من قاموا بتدبير ذلك في الخفاء، بعد أن يتم تدبير تأليف وإخراج مسرحيين للعملية، إن افتضحت أمورهم-كما حدث مع العلامة الشيخ الدكتور الشهيد محمد معشوق الخزنوي- أو من خلال خلق فتنة بمقتل سواه، كما في حالة أنموذج تصفية الشهيد مشعل التمو، ومن خلال استغلال الاختلاف في وجهات نظر من حوله، لوضع بعضهم ضمن دائرة الاتهام، كي تتوسع دائرة المؤامرة على الحاضنة الاجتماعية لصاحب وجهة النظر المختلفة، الذي لامكان له في حضرة الاستبداد.
ومن مظاهر الخروج عن مألوف الرؤية لدى أيِّ فرد، في ظل صعود دوامة العنف في أنموذجها “السوري”، هو أن هناك من عرف على امتداد عقود بوجود بون يحول بينه والسلطة السياسية، بل إنه كان يقف في الاتجاه الآخر، خارج ركب آلة النظام، وإن منهم من دفع التضحيات كرمى لذلك، سجناً، وتعذيباً، وتشريداً، وتجويعاً- حيث التجويع الأداة الأكثر شيوعاً في ألفباء هذه الآلة- كما أن هناك من تراوحت سنوات سجنه بن أربع سنوات وعشرين سنة، بيد أنهما، تناسيا كل ذلك مع بداية الثورة، وإن كانا يعرفان في قرارتيهما أن هذه الآلة- إنما يدخل التزوير- ضمن استراتيجية سلوكها، حتى وإن كان من عداد ذلك: إدعاء الوطنية، وحماية أمَّات القضايا الكبرى، التي برهنت تجارب التاريخ أنه كان وراء الكثير من الهزائم، والمعاهدات السرية، المتفاهم عليها، وكمثال على ذلك أن بلداً يدعي المقاومة، لم تصدر مجرد طلقة واحدة على جبهته مع المحتل على امتداد أربعين سنة، كاملة، من تاريخ اللحظة، وهي مفارقة كبرى، تكشف عن سيكولوجية هذا النظام، وزيف مزاعمه، التي لا تصمد على مشرحة الحقيقة، في ظل استخدام المحاكمة العقلية.
ونجد بعكس هذا الأنموذج، من كان ينتمي إلى آلة النظام- وإن بدرجات- بيد أنه كان يصدق كل سياساته التي يمارسها، على الصعيدين الداخلي، والخارجي، في آن، أو أنه كان ينتمي إليه، من دون أي إيمان بذلك، نتيجة شدة شوكة استبداده، حيث مصائد النظام التي كان يحكم الإمساك بمن يسقط فيها، كثيرة، إمَّا عن طريق الترغيب، أو الترهيب، وفق معادلة، كان النظام جد متابع لها، عبر جيش عرمرم من العيون، بل والأجهزة التي تفرض كل ذلك.
وما أن وجد الفرصة، سانحة، حتى سرعان ما انتقل إلى الاتجاه الصحيح، من خلال مراجعة ذاته، حارقاً كل مراكب العودة وراءه، كي يكون في الصورة التي تشبه روحه، وأعماقه.
مؤكَّد، أنه في هذه العجالة من مرحلة- الغربلة- لن يكون الفرز- نهائياً- على صعيد قطعة الصلة مع الماضي، في كلتا الحالتين، حيث نجد أن من يرتد إلى الوقوف مع آلة النظام، تحت سطوة: الخوف -المنفعة- التباس مفهوم الوطنية التي يروج النظام أنها وقف على تطويبه الخاص، أو رهن مباركة ختمه وحده ، لن يطمئن- غالباً- على موقفه، لاسيما وأنه مدرك ان الدنو من محرقة النظام الاستبدادي، و”الضرب بسيفه”، يعني إعداماً لتاريخه النضالي، الثوري، كما أن من تربى في ظل الفساد والاستبداد- كثيمتين من الثلاثية التي تركت أثرها في نفوس كثيرة، رضعت من ضروعها، ما يجعلنا نجد شذوذاً لدى بعضهم، من خلال دخولهم إلى عالم” الثورة” التي” لم تدخل قلوبهم” كلياً، أو جزئياً، وإن كان السواد الأعظم ممن اختاروا طريق الثورة، يسعون لتبني قيمها، ورؤاها، لأنها سفينة النجاة، والخلاص من سجنهم الوطني الكبير، على اعتبار ان كل وطني- في ظل آلة القمع- هو غير حرّ، وإن التوق إلى التحرر من سلطة النظام الدموي، ليعني في أول مدلولاته معانقة حالة الحرية الكبرى التي يمضي إلى معانقتها، وإن كان يعرف- في قرارته- مدى غلاء ثمن ذلك، حيث قد يكون ذلك حياته..!.
ومن هنان فإن بعض المثقفين، ممن أبدوا رؤاهم، قبل الثورة في بلدهم -كما في المثال السوري المشخص- يمكننا أن نجد أنه قد انقلب على رأيه، إما من خلال الممارسة الفعلية، ضد قناعاته، والتموقع في الاتجاه المختلف، أو من خلال صمته الذي يعد المطلوب من قبل آلة النظام، لأن تحييد هذا النوع من المثقفين يعد انتصاراً للنظام، ولا نعني هنا المثقف الذي اعتاد في الملمات ألا يعرب عن رأيه، حيث له تقويم آخر مختلف، أو من خلال التشكيك ببنية الثورة، والترويج- كما تفعل آلة النظام الإعلامية- لارتباط الثورة بالخارج، وأن مواجهة النظام تعني وأد جبهة المقاومة التي أمهلتها الجماهير الشعبية عقوداً، من دون أن تخدم توصيفاتها المزعومة، وذلك كتابياً، أو إعلامياً.
كما نجد الانقلاب المختلف، لدى ذلك المثقف الذي كتب قصائد مدوية في مديح النظام، والتشكيك بخصومه، بيد أنه الآن يكتب قصائد هجاء في هذا النظام نفسه، وربما بلغة أقرب إلى القلب، والناس، وبصوت عال، وكأنه ليكفِّر عن مرحلة مديدة من انزلاقه في مستنقع الخطأ، مادامت الثورة، تجب ماقبلها أيضاً…!