الجميع شركاء الويلات

برزان شيخموس

النصف الثاني من شهر آب لعامنا الحالي كان حاضناً لحدثين مفجعين , هجرة الألاف من أبناء الشعب الكردي الى اقليم كردستان العراق , و الأبادة التي تعرض لها أهالي الغوطة في ريف دمشق .

هذان الحدثان أن دل على شيء فما هو ألا شرعية ثورة الشعب السوري في وجه البعث رمز الطغيان .

النظام البعثي غني عن التعريف من حيث انتهاجه للغة العنف المفرط , لكن لم يكن متوقعاً أن تتطور الأمور الى هذا الحد في القرن الحادي و العشرين في ظل الثورة التكنولوجية .
أكثر من الف و ثلاث مئة شهيد في غضون ساعات قليلة , أمرٌ قلةٌ هم  من قاموا به عبر  تاريخ الطغاة  , مجزرة الغوطة استذكرت العالم اجمع بجريمة مشابهة , لكن الابشع عندما ارتكب توأم البعث في العراق مجزرة حلبجة في نهاية الثمانينيات, يومها كان السبب الرئيسي الصمت الدولي , واليوم تعاد الكرة مرة اخرى ,  الصمت الدولي والاقليمي والعربي و الاسلامي المحكوم بالأنانية و البراغماتية   .


اما الهجرة التي تشهدها المناطق الكردية هي أيضاً تذكرنا  بتجربة الشعب الكردي في العراق  في ظل حكم التوأم ( البعث ) , ايضاً بشكل اخف عمَّ شهدته الهجرة المليونية ( يبدو الفارق للعولمة ليس صلاحاً في نهج البعث ) .
النظام ليس بالقوي كما يتداوله البعض , لكن اطماع الغير و مصالحهم و ارتزاق المتورطين معه عبّدَ طريقه  , و هم منتجو هذه الويلات بحق الشعب السوري عامة , عرّابي النظام استخدموا معظم الخبائث و المكائد لإطالة عمر النظام و انهاك الثوار في كل مكان , و المحاولة الدؤوبة لإفراغ الثورة من مضمونها الحقيقي و القضاء على النخبة  , النخبة التي كانت قوام  الثورة بمضمونها الحضاري المدني البعيد عن التعصب و التحزب , من خلال التصفية الجسدية و الاعتقالات التعسفية و تهجير البقية , كل ذلك من اجل استبدالها  ببدائل بعيدة عن الحضارة و المدنية و  وروح الثورة الحقيقي واجهاض مجمل مقومات الثورة الشعبية  , للإتيان  بهمجية دفينة و صبغة اسلامية متطرفة من صنيعته دخلت بمؤازرة الحلفاء و اغتنامها من معظم العالم لتصدير ارهابهم الى مكان واحد بغية التخلص منها , و تقارير وزارة الداخلية الالمانية تشهد برحيل الاسلاميين المتطرفين الى سوريا .
هجرة الالاف تستحق ايضاً التوقف جلياً عندها , فرغم محاولة النظام من خلال دروس عرابيه  منذ بدايات الثورة تحييد معظم مكونات الشعب السوري بغية المضي في اظهار الثورة بانها ثورة طائفية , ساعده حلفائه من الداخل مع تنسيق مباشر مع الوافدين لأبعاد هذه المكونات عن الثورة , مع ترك ايديهم في نهب ممتلكات الشعب التي أثرت مباشرة في حياتهم اليومية و نتائجها تظهر جلياً (الهجرة الكردية الاخيرة )  .
لا يمكن لأحد ان يترك منزله و ارضه الا ان كانت هناك ظروف قاهرة ترغمه عليها , رغم شبه الامان المتواجد في المناطق الكردية , و تغّني بعض الجهات به عبر اعلامها و بعض الاقلام الرخيصة ,  لتذنب به المهاجرين الى الضفة الثانية و تتهم الغير مراراً في التسبب في انعدام مقومات الحياة , متجاهلين الظروف الذاتية و الموضوعية التي هيئوها هم انفسهم  , فالخدمات التي قدمت للنظام لم يدفعها النظام من خزائنه و من ارصدته , بل كانت من ارزاق البسطاء الذين يقتات عليها تجار الازمات و الحروب, وفشلها كان واضحاً في الجانب الخدمي في توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للمواطنين , بل تلاعبت بمواد الإغاثة التي كانت تأتي بشكل غير منتظم من الخارج لتقلب  المعادلة وجعلت الغاية وسيلة والوسيلة غاية , فأصبحت القضية  في خدمتها بدلا من أن تكون هي في خدمة القضية .
هؤلاء كلهم لهم مصالح مع النظام ( الشاطر الذي يكسب اكثر ) لكن ماذا فعلت القوى الثورية التي تدعي انها تمثل ثورة الداخل و تخاطب العالم باسمها ( عربية و كردية ) , أليست هي ايضا شريكة في ويلات الشعب السوري و مآل الثورة ؟!!!
الم تكن أنانياتهم  و احلامهم الوردية في نيل مناصب مستقبلية و مكاسب آنية السبب , يجب ان يدرك الجميع ان نيل المُنى لا يدرك بالتمني , الواجب الان  العمل الجاد و من خلال رص الصفوف و ترتيب البيت , و العودة من منتصف الطريق الخاطئ , هو الامر الذي سيغطي على كل العيوب  .
على الجميع الآن الاستيعاب  و بدء التحرك الجاد , فالنية الصافية هي الكفيل الوحيد للخروج من المأزق الحالي , لأنه هناك بصيص امل يشعُّ من اقبية اجتماعات الائتلاف مع المجلس الكردي, البدء بشفافية و تقبل البعض للوصول الى القوة المطلوبة هو الكفيل الوحيد لأنهاء محنة شعباً قدم اروع ملاحم البطولة على مدى عامين و نيف .
الوحدة مطلوبة الآن لوضع العالم أجمع أمام مسؤولياته و سحب الحجج من أيديهم  .


بانتظار الدخان الابيض .

  
Berzan.981@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…