ما رأيكم بتوبة البعثيين ولو في الوقت الضائع؟

د.

عبدالباسط سيدا

الصدفة وحدها جمعتني قبل مدة مع أحد زملاء المرحلة الثانوية التي انهيتها في بداية السبعينات.

كان وقتها من البعثيين المتشددين -وربما من كتبة التقارير على ذمة ما كان يُشاع حوله في ذاك الحين- وكنت من المعارضة.

كنا من المدينة ذاتها ، ولكننا كنا بالكاد نتبادل السلام نتيجة الحاجز النفسي العميق فيما بيننا بفعل تباينات الرؤى السياسية.
التقيته وأنا أدخل إلى الطائرة.

سلّم علي، ثم أردف قائلاً: هل تتذكرني؟ وحين ادرك عجزي وحيرتي.

قال: انا فلان.

وبلمحة بصر انتقلت إلى اجواء ثانوية أبي العلاء المعري بعامودة، وتذكرت تصرفات البعثيين مدرسين وطلاب من العرب والكرد والسريان.

تذكرت عنجهيتهم وعدوانيتهم، ورغبتهم المستمرة في الإيذاء من دون سبب.

ولكنني قلت بيني وبين نفسي إنها ثورة.

ومن المؤكد انه قد تغير مع من تغير.

وعلينا ان نتجه نحو المستقبل عوضا أن نكون أسرى الماضي.
وبالفعل بعد اقلاع الطائرة بدقائق قدم إلى، يطلب الجلوس بجانبي ما لم يكن هناك أي مانع.

قلت له: أهلاً وسهلاً، تفضل.
بدأ حديثه بالإشادة بمواقفي، واعتزازه بما أقوم به على اعتبار اني ابن مدينته.

شكرته.

وجاملته بعض الشيء ثم أردفت: ولكن ثورتنا طالت وناسنا يعانون كثيرا كما ترى.
قال لي بثقة لافتة: منذ البداية كنت أعرف انها ستطول واننا سنعاني.

الكثيرون كانوا يعتقدون أن الثورة ستكون لعدة أشهر، ولكنني كنت أرى أنها ستطول أربع سنوات، كل سنة تعادل عشر سنوات من الاستبداد.
لقد خرب هذا النظام الناس من الدواخل، وأفسد القيم، وبالتالي نحن بحاجة إلى هزات عنيفة حتى نتخلص من الأدران، ونستعيد توازننا الانساني.
تُرى هل كان زميلي البعثي سابقاً يعلم – وهو ابن المؤسسة البعثية- ما كنا نجهله؟ أم انه تفوه بمجرد وجهة نظر؟
ولكن السؤال الأهم: ما رأيكم بتوبة هؤلاء ولو في الوقت الضائع؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…