ويمنع تحرير المنطقة..
ويسرق النفط..
وعميل موسكو لشق المعارضة السورية
*معركة ((اليعربية)) أوجدت ممراً برياً قصيراً بين إيران وشمال سورية عبر العراق
بقلم: محمد خليفة
لم تمض سوى ساعات قليلة على إعلان الحكومة السورية الموقتة التي شكلها أحمد طعمة بتكليف من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة حتى أعلن حزب الاتحاد الديموقراطي الكوردي في سورية من القامشلي تشكيل إدارة موقتة لمناطق شمال شرق سورية التابعة لمحافظة الحسكة (يسميها الكورد كوردستان الغربية أو روج آفا), وفي منطقة عين العرب (يسمونها كوباني) ومنطقة عفرين, وتتبع الاخيرتان لمحافظة حلب, وتفصل بين المناطق الثلاث مسافات تناهز ألف كيلومتر.
فقد جاء الثاني رداً جاهزاً وسريعاً على الأول يحمل توقيع المحور المضاد للمعارضة والثورة السوريتين, محور النظام وحليفه إيران وحكومة بغداد تحت مظلة روسية.
والهدف توجيه رسالة للعالم مفادها أن حكومة المعارضة لا تمثل كل الشعب السوري, ولا يمكنها بسط سلطتها على المناطق الكوردية في حلب والحسكة, ومفادها للمعارضة أنه إن كنتم تريدون تفتيت السلطة فنحن مستعدون لتفتيت الدولة جغرافياً وسكانياً, لأن الادارة الكوردية كما وصفها رئيس المجلس الوطني الكوردي عبد الحكيم بشار ((بمثابة طعم لخلق سابقة هدفها التمهيد لخلق كيانات أخرى وتقسيم سورية)).
ولأن (الرسالة) بلغت من يعنيهم الأمر لم يكن أمام الائتلاف وقادته غير الرد بحزم واعتبار (حزب الاتحاد الديموقراطي عدواً للثورة).
واعتبر د.
كمال اللبواني الخطوة ((عملاً انتهازياً يهدد العلاقات الاخوية بين الشعبين العربي والكوردي)), ووصفها برهان غليون بـ((طعنة في ظهر الثورة)), وقال عبد الباسط سيدا ((إنها صادرة عن حزب فاقد للشرعية)).
واتفق الكل على تواطؤ الحزب المذكور مع نظام الاسد الذي سلحه وزوده بكل أدوات القوة منذ بداية الثورة ليكون قوة وكيلة عن سلطته في تلك المناطق الحيوية البعيدة عن متناول يده .
لكن اللافت للانتباه أن ردود أفعال المعارضة السورية السابقة رغم وضوحها وقوتها لا تعادل شيئاً من قوة ردود الأفعال التي صدرت عن القيادة الكوردية القومية في اربيل والقيادة التركية.
فقد وصف الرئيس مسعود برازاني (الادارة ) بـ((انها جزء من استراتيجية نظام بشار الاسد)) وأكد رفضه لها, وأصدر قراراً بمنع دخول صالح مسلم زعيم الحزب المذكور الى كوردستان العراق ووصفه بأنه عميل لنظام الاسد الديكتاتوري.
وقرار المنع إجراء غير مسبوق لقائد كوردي.
أما في تركيا الدولة الجارة الكبرى وأكثر دول الاقليم تأثراً بهذا التطور فلم يبق مسؤول رفيع إلا وعبر عن رفض تركيا للخطوة, وأولهم رئيس الجمهورية عبد الله غول الذي حدد موقف الدولة بقوله ((إنها خطوة مرفوضة لأنها منفردة, ولن نوافق إلا على حل تتوصل اليه الاطراف السورية عبر التفاهم)), أما رئيس الحكومة ورجل تركيا الأقوى رجب طيب أردوغان فقال ((إن مصير سورية يؤثر على تركيا ولن نسكت عن أي تهديد لوحدة الدولة السورية)).
والملاحظة الأهم في هذا السياق زيارة برازاني الى تركيا السبت الماضي 16/11/2013 ولقائه بأردوغان في مدينة ديار بكر التي تعتبر ((عاصمة)) أكراد تركيا وحضورهما حفلاً يمكن اعتباره مؤتمراً لمصالحة تركية – كوردية هو الأول من نوعه تاريخياً, تخللته كلمات عاطفية من الزعيمين, واعتذار أردوغان للكورد عما لحق بهم جراء سياسات الحكومات السابقة, وشدد برازاني على التعايش السلمي بين شعوب المنطقة الكورد والترك والعرب, وحث الكورد في الدول الاربع على الانخراط في العملية الديموقراطية, ودان الارهاب من أي جانب, في إشارة لتهديد حزب أوج آلان بالعودة للسلاح بعد تعثر عملية السلام.
وهكذا برزت الابعاد الاقليمية لخطوة حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) بقيادة صالح مسلم وهو نسخة سورية من حزب العمال الكوردي في تركيا (PKK) بزعامة عبد الله أوج آلان الذي يعد رمزاً سياسياً جذاباً للشعوب الكوردية ينافس زعامة البرازاني, ويصعب فهم إشكاليات الصراع بينهما والارتباطات الاقليمية لكل منهما بدون هذه النقطة.
ويذكر ايضاً أن حزب أوج آلان مسؤول عن قتل مئات الكورد العراقيين من البيشماركة في الماضي.
لا بد من الايضاح هنا بأن خطوة صالح مسلم لم تكن بنت ساعتها, رغم أن إعلانها تم بشكل مقصود بعيد ساعات من إعلان الائتلاف السوري تشكيل أول حكومة للمعارضة, بل جرى الاستعداد لها طوال شهور داخلياً وخارجياً.
فقد اختار الرجل وحزبه طريقاً سياسياً – عسكرياً يؤدي اليها.
فهو منذ بداية الثورة عام 2011 ومع تصاعد الحراك الشعبـي ضد النظام, ومع انسحاب أجهزة السلطة الامنية من المنطقة قامت هذه بتسليم مراكزها له, وسلحته بأسلحة يستحيل على حزب محلي معارض امتلاكها بما فيها دبابات روسية تي 72, وصار في وقت وجيز قوة عسكرية مهابة بينما بقية الأحزاب صغيرة وبلا سلاح, فأخذ الحزب يتحول قوة وكيلة وبديلة لسلطة الاسد, بقمعه لمنافسيه وقمع الحراك الشعبـي حتى أخمد الثورة, وحظر التجول احياناً ولاحق المعارضين واعتقل الكثيرين منهم, واغتال بعضهم بمن فيهم القائد البارز مشعل التمو, وحمى مؤسسات النظام ورموزه بما فيها تماثيل الاسد وأدار مقار استخباراته وسيطر على بعض آبار النفط في الرميلان, وللعلم فما يزال الحزب حتى هذه الساعة يتولى بعض العمليات الحيوية سراً, أهمها بحسب ما ذكرته مصادر كوردية عليمة بخفايا ما يجري على الأرض هناك لـ((الشراع)):
أولاً- حراسة مطار القامشلي الدولي الذي ما يزال بيد السلطة.
ثانياً- حماية فرقة عسكرية كاملة من قوات النظام تتمركز قرب المطار ويوفر الحماية لضباطها ويمنع اقتراب الثوار منها, ويرفض تحرير المدينة بينما قاتل قوات الجيش الحر والفصائل الاسلامية الاخرى بحجة انها غريبة.
ثالثاً- السيطرة على آبار النفط وتهريبه وبيعه عبر شبكات تهريب عراقية متخصصة, وتوفير حصة منها لنظام الاسد.
رابعاً- السيطرة على معابر الحدود الدولية مع العراق واقليم كوردستان ومع تركيا لمراقبتها والتحكم بها, وقام بمنع إدخال المعونات الانسانية والغذائية موازية لإجراءات النظام في بقية المناطق المتمردة.
تدرجت هذه المهام الحيوية وتندرج في جدول عمل مبرمج تطور خلال سنتين ونصف لفرض حقائق ومعطيات مادية على الارض, ظاهرها مجرد اجراءات أمنية وخدمية محلية, أما باطنها وأهدافها البعيدة فمخططات استراتيجية اقليمية ودولية على النحو التالي
أولاً- قام الحزب قبل شهر من الآن تقريباً بعملية نوعية ذات دلالات استراتيجية تتمثل بخوض معركة كبيرة مع الجيش الحر لنـزع سيطرته على معبر (اليعربية) لأنه يصل الأراضي السورية في ذلك الجزء البعيد بالمناطق العراقية الخاضعة لسيطرة قوات المالكي لخلق تواصل جغرافي معها.
وكان المعبر بيد الجيش الحر منذ أن حرره قبل عام ونصف.
ويرى الخبراء العسكريون هناك أن الغرض من انتزاعه تأمين ممر بري يصل بين إيران وسورية عبر العراق, وهذه النقطة هي الأقصر بين البلدين, وتعادل في أهميتها الاستراتيجية منطقة (القصير) في غرب سورية وصولاً الى لبنان.
وما يجدر ذكره هنا أن معركة انتزاع اليعربية من يد الجيش الحر جرت بمؤازرة عسكرية مكثفة من قوات الجيش العراقي شاركت فيها 35 دبابة وطائرات حربية! وهو تطور غير مسبوق ويعكس أهمية العملية والغاية منها
ثانياً- قام الحزب المذكور بفتح أبواب المنطقة الكوردية للمرة الأولى أمام تغلغل النفوذ الإيراني الأمني والسياسي.
وتؤكد مصادرنا الكوردية هناك أن الايرانيين افتتحوا مقراً سرياً لهم في مدينة القامشلي يدير عملياتهم في المنطقة لصالح النظام ولحساباتهم الاستراتيجية بالتعاون مع نظام المالكي, وبحماية روسية, وتشمل أهدافهم تهديد أمن تركيا في خاصرتها الجنوبية الرخوة هناك
ثالثاً- لاحظ أبناء المنطقة تكاملاً وظيفياً يخدم تحقيق الأغراض النهائية بين الدور العسكري لحزب الاتحاد الديموقراطي, ودور الحركات الاسلامية المتطرفة التي تدفقت على المنطقة عبر العراق في العام الماضي واستمرت بالتواجد حتى تشرين الاول/ اكتوبر الماضي, ولفت انتباه الجميع مؤخراً انسحاب قوات ((داعش والنصرة)) من المنطقة وإهداء الحزب نصراً يصعب تحقيقه بدون تواطؤ, ولم تفهم أسباب هذا التواطؤ إلا بعد أن سيطرت قوات الحزب على معبر (اليعربية) لتتضح معالم خطة رسم حدود المنطقة بقوة السلاح وبتدخل عراقي – ايراني سافر ومباشر.
رابعاً- على الصعيد السياسي والاجتماعي أوجد الحزب شبكة تحالفات محلية تضم أحزاباً كوردية صغيرة يسارية معجبة بنجومية البطل (أوج آلان) الماركسي, وذات نزعة قومية متطرفة تؤمن بالحل العسكري.
ويجدر بالذكر أن حزب أوج آلان يضم فئتين من الكورد الأتراك, إحداها كوردية مسلمة والثانية كوردية علوية, وهذه تعتبر موالية تاريخياً لنظام الأسد الذي رعى تأسيس حزب الاتحاد الديموقراطي في سورية بقرار من جميل الاسد في الثمانينيات.
وما زال بعض الكورد السوريين الموالين لنظام الاسد يتحكمون بقيادة الجناح العسكري لحزب أوج آلان في جبال قنديل, ومنهم أردال برصوس (سوري من منطقة عين العرب) ويعتقد أن هذا الجناح يسعى الآن لأسباب اقليمية أكثر منها محلية لإفشال عملية السلام بين تركيا وحزب العمال والذي يتوسط فيه برازاني, وتمارس كل من إيران وروسيا فضلاً عن الأسد نفوذهما في هذا الاتجاه وفقاً لمعادلات الصراع في سورية
خامساً- تؤكد المصادر الكوردية أن حزب الاتحاد الديموقراطي عزز قواته العسكرية مؤخراً بآلاف المقاتلين الكورد القادمين من تركيا وإيران (تقدر مصادر مستقلة عدد مقاتلي الحزب حالياً بعشرة آلاف, أما مصادره الرسمية فترفع العدد الى 38 الف مقاتل) فشطر كبير ممن انسحبوا من مواقع القتال داخل تركيا بموجب خطة التسوية انتقلوا للقتال في سورية معه, الأمر الذي لم تتوقعه تركيا وهي ترفضه الآن لأنه يشكل خطراً عليها وعلى سورية.
ووصل عدد آخر من المقاتلين من كورد إيران, يعتقد انهم جاؤوا بقرار وخطة إيرانية تحت غطاء كوردي محلي!..
وتصف المصادر (مناطق الجزيرة السورية) بأنها أخذت تتسم بطابع تركي وإيراني لكثافة الرايات الخاصة بالكورد الايرانيين والترك, واللافتات والصور والرموز التي ينشرونها هناك لفرض هويتهم
سادساً- تشير المصادر أن الحزب وسع شبكة تحالفاته المحلية وفقاً لمقتضيات الاصطفافات الاقليمية.
ولذلك ضمت عشائر طيّ العربية التي ما تزال موالية للأسد وتقاتل ضد الثورة, وبعض مكونات السريان والآشوريين الصغيرة.
وهذه القوى التي يدعي الحزب انها تبلغ 35 منظمة وحزباً وهيئة مدنية, وقررت معه اقامة (الادارة المؤقتة) إنما هي مرتبطة عضوياً بالنظام وتتلقى الدعم منه ومن حلفائه في الخارج, وهي لا تزيد في الواقع عن خمس أو ست تشكيلات ضعيفة, أما بقية الثلاثين منظمة الواردة أسماؤها فلا وجود لها على الارض, وهي غالباً تنظيمات تتبع أفراداً يقيمون في أوروبا ويقتصر وجودها على مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية وحسب
ولذلك جاء تشكيل وإعلان الادارة المحلية المؤقتة أثناء وضع اللمسات الأخيرة على صيغة جنيف – 2.
وبينما نجح الائتلاف باستيعاب (المجلس الوطني الكوردي) الذي يتألف من 15حزباً تاريخياً وقوياً إلى صفوفه بعد مفاوضات شاقة ليذهب الى جنيف – 2موحداً وممثلاً لكل أطياف ومكونات الشعب السوري عملت أطراف المحور الآخر على إعلان (الادارة) في هذا الوقت بالذات لتقول للعالم إنها هي القوة الفاعلة على الارض والممثلة لسكان المنطقة بكوردها وعربها وسريانها وآشورها وشركسها وأرمنها