محمود عباس
لكن مع آل الأسد تختلف الأمور، آنذاك كان الجمهوريين يحكمون، واليوم ديمقراطيون برئاسة باراك أوباما الذي يمثل الجناح الليبرالي داخل الحزب،
ولا شك أن الضربة الأمريكية حتى إذا حصلت ستكون محدودة، وسوف لن تغير من موازين القوى والصراع في سوريا، والسلطة ستستمر في إجرامها وربما بشكل أفظع عسكريأ، ولن يستبعد إذا لم توضع نهاية لسلطة بشار الأسد، أن يرى الشعب السوري هجمات مماثلة وربما أوسع من الذي حصلت في الغوطة الشرقية.
لا يزال البعض يبرؤون صدام حسين من إحتوائه على الأسلحة الكيميائية، ويتناسون بأنهم بذلك يبرؤونه من جريمته في حلبجة الشهيدة، وكأن الله أمطر سموماً من السماء حينها.
تلك الأسلحة توجهت في اللحظات الحاسمة إلى أحضان سلطة الأسد في سوريا، وقطعت تلك الأسلحة الكيمياية الحدود قبل أن يقطعها أبنا صدام حسين اللذان أعيدا من حماة إلى الموصل بمشورة القوات الأمريكية، ومثلهم طارق عزيز، الذي كان مختبأً عند رئيس أحد العشائر العربية على أطراف القامشلي، لكنهم أبقوا على السلاح الكيميائي في حوزة السلطة السورية، وتغاضوا عنها، مثلما تغاضت أمريكا والمعارضة العراقية على الطائرات التي رست على أرض إيران، وكان للدول الأوروبية علم بذلك، وأقنعت اسرائيل بعد أن حصلت على ضمانات مؤكدة بأن سلطة الأسد سوف لن تحاول ولن تتجرأ حتى بالتفكير باستعمالها، والخط الأحمر الذي وضعته أمريكا كانت في أكثر أبعادها الخفية ضمانة للشعب اليهودي في اسرائيل، قبل أن تكون للشعب السوري ذاته، وهي ما نراه الآن، لو كانت قد سقطت على أطراف حدود اسرائيل وليست في اراضيها، ولا يهم من يكون المتهم، كنا سنرى العشرات من الفتاوي بلحظات لضرب السلطة السورية، السلطة التي لم تطلق طلقة وعلى مدى عقود على تلك الحدود.
ولا نستبعد أن تكون من ضمن اسباب تأخر قصف جيش النظام وجود حوارات مباشرة وعن طريق روسيا بالتخلي عن الضربة فيما إذا وافق بشار الأسد التنازل عن السلطة ومغادرة سوريا.
وما ظهرت في الغوطة، هي من مخلفات صدام فكراً وثقافة ومواداً، مع تعديلات على مجرياتها، استعملت بنفس النفسية، حتى ولو إختلفت الأبعاد والطريقة وعمق الجريمة، وطريقة الصمت العالمي، و الغاية من استعمالها.
بشار الأسد يحافظ بها على سلطته ومنطقته العلوية الغارقة في الإجرام، وهناك استعملها صدام حسين للقضاء على شعب رفض الرضوخ للإستبداد، وهنا صدام يشارك بشار الأسد في الجريمة بلا حضور، مثلما والده من القبر يشاركه في الطريقة والأساليب الإجرامية بحق الشعب السوري والمستوحات من فظائعه في حماة في الثمانينات من القرن الماضي.
السلطة السورية استعملت الأسلحة الكيميائية، ولاشك فيها، وأمريكا والعالم يعلمون بكل تفاصيلها، الطائرات الأمريكية بدون طيار تراقب وبالتفصيل الممل أرض سوريا 24 ساعة، تعرف كل حركات الجيش السوري والجيش الحر والتيارات التكفيرية، وكل من يبرأ بشار الأسد، إما أنهم لا يفهمون السلطة السورية الشمولية وخبرتها في الجريمة والمؤامرات، أو أنهم يدعمون السلطة بشكل غير مباشر.
وفي هذا يقول وزير الخارجية وليد المعلم، أنه لا توجد دولة تستعمل الاسلحة الكيميائية ضد شعبه، دون أن يذكر أن سلطتي آل الاسد وسابقاً صدام حسين، أستثناء في ثقافة الإجرام، لم يعتبروا ذاتهم يوماً من شعبي البلدين، إنتماء بشار الأسد كانت لقرداحة فكراً وثقافة، وإلى عصابة مافوية تمركزت في دمشق تعرف كيف تنهب وتفسد في الوطن.
جرفت الجريمة الجميع إلى طرح أسئلة شكوكية متتالية، وعرضوا إحتمالات عديدة على تداعيات المجزرة، بعضها كانت لنفاق سياسي.
1 – هل بشار الأسد استعملها؟ ولماذا إستخدمها بهذا الشكل الفاضح والواسع واللجنة موجودة في دمشق؟
ظهرت في الإعلام والأروقة السياسية وعلى مدى الأيام الأولى، حيرة حول المصدر والأسباب، فمن غير المعقول أن تكون السلطة السورية بهذا الغباء والجهالة، وتقوم بإستخدام هذا السلاح وعليها خط أحمر من أمريكا، والتي قد تقوم بردة فعل عسكري حتى ولو كانت لحفظ ماء الوجه عالمياً !
2 – هل تمكنت السلطة السورية بهذه الجريمة، تثبيت الشكوك في رأي العام العالمي حول مصدرها؟ وتعلم بأن مجلس الأمن ستبحث عن لجنة جديدة لتقصي الحقائق، فاللجنة التي كانت لا يحق لها قانونيا التدخل بدون قرار من مجلس الأمن، وهي قد درست وجهة النظر هذه، وستعتمد على رفض روسيا، ودفاعها، وربما الفيتو، وما ظهر حتى الآن من ردود الفعل الروسي تبين هذا المنطق، رغم توجه اللجنة إلى مركز الحدث.
ولا يستبعد أن تكون خطة سلطة بشار الأسد هي إستدراج القوى العالمية للدخول بشكل أوسع في الصراع السوري، بعد إستفحال دور الجماعات التكفيرية!.
والغاية منها التركيز على المنطقة العلوية المخططة بنائها، والقناعة بنهاية الحفاظ على دمشق أصبحت قاب قوسين أو أدنى، وعلى الأغلب يريد تدخلا مباشراً ليس فقط ضربة عسكرية عن بعد، وذلك لقطع الطريق على التيارات التكفيرية والإسلام السياسي من السيطرة على السلطة من بعده، لا حباً بسوريا وشعبها، بل حفاظاً على ذاته وعلى الكيان العلوي بعد المجازر التي سببها.
3 – وعليه ليس فقط لم تعد السلطة تهتم بقرارات الدول الكبرى بل ولم تعد لتلك القرارات من تأثير على مسيرة الصراع !.
وتريد أن تدرج بعض الخطط إلى حيز التنفيذ.
واعتماداً على هذه الأبعاد فالسلطة السورية كانت قد حصلت على تأكيدات من كل الجهات التي تدعمها لحسم المعركة في أطراف دمشق، وخاصة تلك التي كانت تدور على أطراف دمشق، وتخفف الضغط على الساحل السوري، والتي بقيت خارج حلبة الصراع طوال الفترة الماضية، حتى شكك البعض بإنها منطقة ذات خط أحمر للثوار من قبل القوى الداعمة للثورة، حتى أن بعض التيارات التكفيرية والمشكوكة بولائها للثورة، ودعمها الغير مباشر للسلطة، تسخر جهودها لضرب المنطقة الكردية التي تحتضن الملايين من المهجرين السوريين، والمنطقة ليس لها تأثير تكتيكي أو استراتيجي على تقويض أركان السلطة، تاركين في الوقت ذاته المنطقة الإستراتيجية العسكرية والسياسية هادئة بدون مواجهة، وخاصة الغوطة الشرقية التي كانت تقوى عتاداً وعدة، وهي على بعد كيلومترات من القصر الجمهوري ومنطقة المزة مركز تجمع معظم ضباط الطائفة العلوية.
4 – عملية قتل الحراك السياسي الدولي، ومن ضمنها التحضير الفعلي لجنيف الميتة سلفاً، أو لإزالة المؤتمر كلياً، وتصبح العملية السياسية في إطر سياسية مغايرة، حيث هناك سيقرر مصير بشار الاسد، دون إدراج مخطط تكوين منطقة خاصة بالعلويين والتي تأمل السلطة بأن تحتضن قادتها والضباط الذين أياديهم ملطخة بدماء الشعب السوري .
وفعلا هذا ما يحصل الأن، الأغلبية من الدول الكبرى وحتى المؤيدة للثورة، لا تزال في حالة الشك، وتبحث عن المصدر، وبها ميعت السلطة عمل لجنة تقصي الحقائق عن الأسلحة الكيميائية الماضية واتجهت إلى الحاضرة.
كما إنها أدخلت بشكل فعلي إحتمالات استعمال قوة تكفيرية محسوبة على الثوار للسلاح الكيميائي، وتبيان قدراتها على أمتلاكها له، وبكميات يمكن بها إرهاب العالم الغربي.
5 – هل كسب بشار الأسد فترة زمنية أخرى؟! والضربة العسكرية التي تبحث الآن في الإعلام وأستشير بها جميع الدول المعنية بالأمر ومن ضمنها روسيا والصين، ليست سوى تغطية إعلامية، لتهدئة الوضع، وإلا فهل تحتاج إلى كل هذه الفترة لوضع القرار السياسي أو التحضير العسكري، والسؤال الذي يفرض ذاته، هل الضربة العسكرية ستقوي المعارضة وهل ستقوض أركان السلطة؟ أم أن التوازن سيبقى كما كان بين الطرفين، وستستمرالمعارك لتدمير ما تبقى من الوطن وقتل الشعب؟ وستستخدم السلطة السلاح الكيميائي مستقبلاً وسيتجرأ طغاة آخرون لإستعمالها ضد شعبهم أو ضد الأخرين مادامت الروادع بهذه الدونية.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com