عنايت ديكو
بعبورٍ واثقٍ ومهيب، وباستقبالٍ جماهيريٍّ واسع، وبرفقة البيشمركة الأبطال وفرق الحماية ضدّ الإرهاب، المُزيّنين بالزيّ والعلم الكوردستاني، اجتاز الرئيس مسعود البارزاني خطوطَ سايكس – بيكو المرعبة التي كبّلت الشعب الكوردي لأكثر من قرن. حمل معه ملفاتٍ كبيرة وثقيلة وساخنة، ورسائلَ سياسية عميقة، وجّهها إلى مختلف الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية.
لقد حمل الرئيس مسعود البارزاني معه ملفاتٍ ضخمة ورسائلَ عديدة، منها:
* الرسائل العربية في جعبة البارزاني .
جاءت زيارة الرئيس مسعود البارزاني رسالةً إلى عرب العراق وعرب سوريا، بأن الكورد يتقنون مفاتن ومفاصل اللغة التركية جيداً ولربما أكثر منكم جميعاً، وأن كل مساعيكم ومحاولاتكم بالاعتماد على تركيا ودفعها لمحاربة الكورد في سوريا والعراق، وتصوراتكم بأن الكورد لم يستطيعوا تجاوز عتبات الاعتراف السياسي والدبلوماسي في الشرق الأوسط، وأن تركيا ستقمعهم وسترفضهم في الحدود والوجود وبكل الوسائل والأدوات السياسية والعسكرية والاقتصادية، قد باءت بالفشل. أي بمعنى آخر: إن ما يجمعنا نحن الكورد مع تركيا أكثر بكثير مما يجمعنا مع شيعة العراق وسنّة سوريا من جماعة بني أمية. والواقع السياسي الجديد يقول ويؤكد بأن أي تقارب كوردي – تركي في الشرق الأوسط يمكن أن يشكل اختراقاً كبيراً على مستوى التحالفات، وسيكون بلا شك اختراقاً في العلاقات، إلى جانب بناء وصياغة حلف كبير في المساحات السياسية والجغرافية.
* الرسائل التركية في حقيبة البارزاني .
دخل الرئيس مسعود البارزاني إلى تركيا الأطلسية، وعبر الحدود الدولية دون أي توقف لموكبه، ودون الأمهار والأختام والأوراق الحدودية المعتادة بين الدول والممالك والإمارات والجمهوريات، وخاصة في هذا الشرق العنيد.
دخل إلى تركيا ومعه سربٌ من حمامات السلام، لزرع السلام ولِبناء الإنسان والحياة معاً وسوياً. وكرّر سيادته عشرات المرّات مصطلح “كوردستان”، واستُقبل من قبل المسؤولين في الدولة، إلى جانب البرلمانيين وأعضاء الأحزاب التركية، بشغفٍ واحترام، حتى قيل له: “هذا الشبل من ذاك الأسد”.
وزيارته إلى تركيا أخرجت العلم الكوردستاني من حالة الصمت والخفوت إلى حالة العُلى والوجود الساطع.
ويُعتبر السيد مسعود البارزاني أول شخصية أجنبية من خارج الحدود التركية، يُصرّح ويقول أمام هذا الكم من البرلمانيين والمسؤولين الأتراك الرسميين، وأمام كل عدسات الإعلام: ” إنني أشكر السيد عبد الله أوجلان على خطواته الجريئة من أجل السلام “.
فذهابه إلى تركيا يضع اللبنات الأولى لشراكات واستراتيجيات مستقبلية كبيرة، ويؤسس لبناء تحالفات قوية ومتينة بين الكورد والأتراك لصدّ محاولات ” حلف التصحّر ” القادم من الجنوب، والمغلّف بالدعم السعودي الكبير، الذي بدأ يتشكل ويطلّ برأسه من خلال توحيد بيت السنّة في العراق وسوريا معاً.
* الرسائل الكوردية في جعبة البارزاني .
دخل سيادته إلى شمال كوردستان عبر بوابة التاريخ والأدب والجغرافيا، وبحماية البيشمركة، متسلحاً بعظمة تراث الأجداد والآباء، من ملايي جزيري وأحمد خاني والخالدَين “مم وزين” وغيرهم وغيرهم.
لم يذهب إلى تركيا فقط، بل ذهب إلى شمال القلب وشمال العشق والروح، وإلى برزخ الوجود الكوردستاني أيضاً. فدخل سفينة نوح ومملكة آرارتو، وصعد إلى قمم جبال نمرود العالية ليلتمس أطراف الشمس عالياً، ويقول للعالم: ها نحن هنا، شعب لم ينحنِ، شعب وقف في وجه الإسكندر الأكبر، وكتب روحه على صخور الزمان، ورُقيمات نمرود كافية لفهم ديالكتيك هذه الروح الكوردية.
* الرسائل الداخلية للسيد البارزاني .
أراد الرئيس مسعود البارزاني أن يقول لشعبه ولأمته: يا شعبي الجميل، لقد جئت إليكم بانتصارات زاخو وجمالها، وإن الأوطان لا تأتي ولا تُبنى بالعنف والسلاح، والسلاح هو فقط لحماية ثلوج أورارتو، ومكتبة ملايي جزيري، وسراديب أحمدي خاني، ودفاتر العشق والاشتياق في مختبرات سيامند وخَجى ومم زين وفرهاد وشيرين.
فما اكتسبه الكورد بالسياسة والدبلوماسية في جنوب كوردستان مثلاً، لم يكتسبوه من خلال فوهة السلاح والسبطانات الطويلة.
* الرسائل الدولية في محفظة البارزاني .
قام الرئيس مسعود البارزاني بتوجيه رسالة قوية إلى الجيران والخلّان وإلى الأصدقاء قبل الأعداء، متفائلاً ببناء الشرق من جديد، الذي سيكون عماده الأول الكورد والترك. وكل المحاولات بتفجير المحطات السياسية والاقتصادية والمجتمعية الكوردستانية باءت بالفشل، فنحن أسياد الأرض والسماء. وقام السيد مسعود البارزاني أيضاً بوضع الولايات المتحدة الأمريكية أمام فوهة المسؤولية وأمام الملفات الجيوسياسية الكبيرة والحيوية .
– نعم … كانت زيارة تاريخية بامتياز إلى شمال الرّوح .
———————-